2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

سجل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في رأيه حول مشروع القانون رقم 026.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، ملاحظات تفصيلية وعميقة لم تستهدف فقط جوهر الصلاحيات، بل امتدت لتطال الشكل والبنية التشريعية للقانون برمته، ما يثير تساؤلات حول الأسلوب الذي اتبعته الحكومة في صياغة هذا النص الحساس لقطاع حيوي. وتكشف هذه الملاحظات أن المشروع، في صورته الحالية، يعاني من اختلال منهجي حول طبيعته وغاياته.
إن أولى الملاحظات التي تم تسجيلها تتعلق بـمنهجية العنوان نفسه؛ فالمجلس يرى أن وصف المشروع بأنه يهدف إلى “إعادة تنظيم” المجلس الوطني للصحافة ليس وصفاً دقيقاً أو كافياً، ولا يتماشى مع النية الحقيقية التي انطوت عليها نصوصه.
فالطابع الفعلي للمشروع يشير إلى الرغبة في وضع إطار قانوني جديد يهدف إلى نسخ وإلغاء القانون الحالي رقم 90.13. ويعد هذا التباساً منهجياً، إذ يجب أن يكون عنوان القانون معبراً بوضوح عن غايته التشريعية الصريحة، لاسيما في سياق إصلاح تنظيمي يروم تجاوز العوائق السابقة التي أدت إلى فترة فراغ مؤسساتي.
ولعل الملاحظة الأشد تأثيراً في تقييم البنية هي ما أسماه المجلس بـ“اختلال التوازن التشريعي” داخل متن مشروع القانون، فقد أظهر تحليل توزيع مواد القانون أن المشروع منح وزناً تشريعياً غير متناسب للجوانب الإجرائية والانتخابية على حساب الأهداف التطويرية والمهنية. وبشكل ملموس، خصص المشرع أكثر من ثلث مواد المشروع—أي ما يقارب 38 مادة من مجموع 98 مادة—فقط لـتحديد كيفيات انتخاب أعضاء المجلس وتشكيل أجهزته، ما يجعل النص القانوني أقرب في جوهره إلى “قانون انتخابي” خاص بمهنة الصحافة والنشر.
ويأتي هذا التركيز الكثيف والمبالغ فيه على آليات الاقتراع على حساب الأهداف الجوهرية للتنظيم الذاتي، المتمثلة في النهوض بالمهنة وتطويرها. ففي المقابل، لوحظ أن عدد المواد المخصصة لتنظيم مسطرة التأديب وفرض العقوبات قد بلغ حوالي 18 مادة، بينما المساحة المخصصة للاختصاصات الأكثر أهمية لرفع مستوى المهنة كانت ضئيلة نسبياً.
هذه الاختصاصات الجوهرية، حسب مجلس اعمارة، تشمل التكوين المستمر للصحفيين، وهو ركيزة أساسية لمواكبة التحولات التكنولوجية والأخلاقية للقطاع، وكذلك التأهيل الاقتصادي لمقاولات الصحافة والنشر، والتي تعاني من تحديات مالية حادة تتطلب دعماً هيكلياً من هيئة التنظيم الذاتي، هذا التفاوت في توزيع المواد القانونية يؤشر على قصور في الرؤية الشاملة لدور المجلس، حيث بدا التركيز منصباً على آلية التأسيس والضبط، بدلاً من التمكين والتطوير.
كما لم يفت المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تسجيل ملاحظة دقيقة بخصوص باب “الأحكام العامة” الذي يضم تعاريف النص، فبالرغم من أهميتهما المركزية في المنظومة المهنية والتركيبة المؤسساتية للمجلس، أُغفل المشروع بشكل غريب إدراج تعريفين محوريين وهما: “الصحافي المهني” و“المنظمة النقابية للصحافيين”.
ويعد هذا الإغفال، حسب ذات المصدر، خللاً منهجياً، خاصة وأن تحديد من هو الصحافي المهني هو المعيار الذي يحدد قاعدة الناخبين، وتحديد طبيعة المنظمة النقابية هو أساس التمثيلية في المجلس، معتبرا أن مثل هذه الثغرات في التعاريف الأساسية قد تفتح الباب أمام تأويلات قانونية متضاربة أثناء تطبيق مقتضيات القانون، مما قد يعيق حسن سير العملية الانتخابية وعمل المجلس لاحقاً.
في المحصلة، يؤكد رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن مشروع القانون، من حيث الشكل والبنية، يعاني من اختلالات بنيوية تجعل وظيفته الانتخابية تطغى على وظيفته التنظيمية والمهنية، داعياً إلى إعادة النظر في صياغة مواده لضمان تحقيق توازن بين ضبط القطاع وتمكين الصحفيين والمقاولات من الأدوات اللازمة للنهوض بمهنتهم ودورهم الدستوري.