2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
من الملاعب إلى المدارس والمستشفيات: كيف صنع المغرب وصفته للإصلاح
هشام حنوز*
في الوقت الذي تتعثر فيه مشاريع الإصلاح في عدد من القطاعات الحيوية، يبرز القطاع الرياضي المغربي، وبالأخص كرة القدم، كنموذج وطني ناجح في التخطيط الاستراتيجي والرؤية البعيدة المدى. هذه الطفرة لم تكن وليدة الصدفة، بل ثمرة المناظرة الوطنية الثانية لكرة القدم المنعقدة بالصخيرات سنة 2008، التي أرست أسس الحكامة والتكوين وتحديث البنيات التحتية، لتتحول إلى مشروع وطني متكامل يشرف على تنفيذه فوزي لقجع، أحد أبرز مهندسي النهضة الكروية المغربية.
تحولت كرة القدم من نشاط ترفيهي إلى مختبر فعلي للإصلاح والتدبير الناجع. فالمغرب استثمر في البنيات التحتية ومراكز التكوين، واهتم بتأهيل العنصر البشري، ووضع آليات دقيقة للحكامة والمحاسبة.
هذه المقاربة أفرزت نتائج ملموسة جعلت المغرب من الدول الرائدة قارياً ودولياً: المنتخب الوطني بلغ نصف نهائي كأس العالم 2022، منتخب أقل من 23 سنة تُوج بطلاً لإفريقيا وتأهل إلى أولمبياد باريس 2024، منتخب أقل من 20 سنة أحرز الوصافة القارية، بينما احتل منتخب القاعة المركز السادس عالمياً، وشهدت كرة القدم النسائية تحولاً نوعياً جعلها نموذجاً قارياً في الاحتراف والتنظيم. غير أن القيمة الكبرى لهذه التجربة لا تكمن فقط في الألقاب، بل في المنهج الذي اعتمدته الدولة في بناء منظومة إصلاحية متكاملة، بعيدة عن المنفعة السياسية الظرفية، قائمة على الرؤية، والاستمرارية، والتتبع الميداني للنتائج.
وإذا كانت كرة القدم قد نجحت بفضل وضوح الأدوار وتكامل المؤسسات، فإن التجربة نفسها تُبرز كيف يمكن لأي قطاع آخر أن ينهض حين تتوافر عناصر التخطيط، والانضباط، والعمل الجماعي. في التعليم مثلاً، النجاح مرتبط بتثمين الكفاءات التربوية، والارتقاء بجودة الأداء داخل الأقسام، وربط النتائج التعليمية بمستوى التكوين والمواكبة،
تماماً كما تُقاس نجاعة المنتخبات بجودة التحضير وتناسق العمل داخل المنظومة.
أما في الصحة العمومية، فإن نجاح أي إصلاح رهين بحكامة دقيقة، ومؤشرات موضوعية لقياس الأداء وجودة الخدمات، إلى جانب الاعتراف بمكانة العنصر البشري كقلب المنظومة، كما هو الحال في التجربة الرياضية التي جعلت من الإنسان محور النجاح.
لقد أثبتت كرة القدم المغربية أن النجاح لا يصنعه الحظ، بل التخطيط والإرادة والمتابعة الدقيقة. وإذا استطاعت
الرياضة أن تجمع المغاربة حول مشروع وطني ناجح، فإن تطبيق نفس منطق العمل والشفافية والمحاسبة في قطاعات التعليم والصحة سيكون الخطوة الحقيقية نحو مغرب جديد يكرّس ثقافة النجاعة بدل الخطاب.
*إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها