لماذا وإلى أين ؟

جعى: إصلاح المستعجلات لا يكتمل إلا بإشراك المهنيين ومعالجة جوهر المشاكل

أعلن وزير الصحة أمس في البرلمان عن “خطة حكومية لحماية الأطر الطبية بأقسام المستعجلات”، مؤكدا أن “كرامة الطبيب من كرامة الدولة. وتشمل الخطة دورية تلزم المؤسسات الصحية بتأمين بيئة عمل آمنة والتنسيق مع الأمن لمواجهة الاعتداءات ودعم المتضررين”.

كما أطلق الوزير “خطة استعجالية لعشرة أسابيع لتأهيل أقسام المستعجلات وتحسين ظروف العمل والاستقبال، إلى جانب إصلاح هيكلي متوسط المدى يهم تطوير التكوين في طب المستعجلات وتوسيع شبكة الإسعاف الطبي، بهدف تعزيز ثقة المواطنين في المستشفى العمومي وجعل المستعجلات رمزاً للكرامة والإنسانية”.

تفاعلا مع الموضوع، قال الكاتب الوطني للنقابة المستقلة للممرضين، مصطفى جعى، “إن أقسام المستعجلات تعتبر من أكثر الأقسام التي تتلقى شكايات المواطنين”، مؤكدا أن “أي تحسن يطال هذه الأقسام سينعكس إيجابا على صورة قطاع الصحة ككل”.

وأضاف جعى في تصريح لجريدة “آشكاين” أن “مشروع تأهيل المستعجلات ليس جديدا، إذ سبق أن تم إطلاق مبادرات مماثلة خلال فترة الوزير الأسبق الحسين الوردي، الذي ركز بشكل كبير على النهوض بهذه الأقسام، سواء من خلال تحسين خدمات الاستقبال أو تطوير النقل الصحي عبر المروحيات، غير أن هذه المشاريع تعثرت بسبب عراقيل في التنزيل والتنفيذ”.

وأوضح النقابي أن “المقاربة الجديدة لوزارة الصحة تسير تقريبا في الاتجاه نفسه، من خلال التركيز على أقسام المستعجلات باعتبارها نقطة التقاء أولى بين المواطن والمرفق الصحي، وذلك عبر تحسين جودة الاستقبال، وتحفيز العاملين، والحد من الاكتظاظ”.

وشدد المتحدث على أن “الإشكال الحقيقي لا يكمن في الشكل، بل في جوهر المشكل، المتمثل في الضغط المفرط الناتج عن توافد عدد كبير من الحالات غير المستعجلة، وهو ما يحرم في كثير من الأحيان الحالات المستعجلة الحقيقية من حقها في العلاج، ويتسبب في توترات واحتكاكات قد تصل أحياناً إلى الاعتداء على العاملين في القطاع”.

وأشار المصدر إلى أن “نجاح أي إصلاح يستوجب الانطلاق من أساسيات واضحة، أولها تحسين خدمات الاستقبال باعتبارها الواجهة الأولى التي يواجهها المواطن، على أن يتم إسناد هذه المهمة إلى مختصين في الاستقبال والتوجيه بدل الأطباء والممرضين الذين يفترض أن ينحصر دورهم في تقديم العلاج، وليس في أداء مهام إدارية”.

النقابي أكد على “ضرورة رقمنة خدمات المستعجلات التي ما زالت تشتغل في كثير من الحالات بطرق تقليدية، إلى جانب ضرورة تخفيف الضغط عبر تفعيل مسار العلاجات، بحيث يمر المريض أولا على طبيب الأسرة أو المركز الصحي قبل ولوجه إلى المستعجلات، حتى يتم التكفل فقط بالحالات الحقيقية التي تستدعي التدخل الفوري”.

وفي ما يتعلق بالعنف الممارس ضد مهنيي الصحة، أوضح جعى أن “هذه القضية كانت دائما ضمن المطالب الأساسية للنقابة، لأن المواطن غالبا ما يرى في الطبيب أو الممرض المسؤول المباشر عن فشل المنظومة الصحية، في حين أن المهني نفسه ضحية ظروف عمل صعبة ونقص في الموارد والدعم، ما يجعله يتحمل ضغطين متوازيين: ضغط العمل والعنف اللفظي أو الجسدي”.

وأضاف المُصرح أن “هذه الوضعية تتطلب حماية قانونية ومؤازرة فعلية للمهنيين، وتفعيل ما ينص عليه قانون الوظيفة الصحية رقم 09.22، الذي يحمل الدولة والمؤسسات الترابية مسؤولية حماية موظفيها وتعويضهم عن الأضرار التي تلحق بهم أثناء أداء مهامهم”.

وتوقف جعى أيضا عند “إشكالية الاكتظاظ الناتج عن ضعف الخدمات الأولية”، مبرزا أن “المراكز الصحية ومؤسسات القرب يجب أن تشتغل بكامل طاقتها وعلى مدار اليوم لتقليل الضغط على المستعجلات، لأن إغلاقها أو ضعف خدماتها يدفع المواطنين إلى التوجه مباشرة إلى أقسام المستعجلات”.

في السياق ذاته دعا المتحدث إلى “ضرورة تحسين جودة خدمات النظافة والحراسة”، مؤكدا أن “المبالغ المالية المخصصة لها في دفاتر التحملات كبيرة، لكن ضعف المراقبة يجعل الواقع بعيدا عن المعايير المطلوبة”.

في سياق متصل شدد جعى “على ضرورة الانتباه إلى العامل البشري باعتباره ركيزة المنظومة، لأن الاهتمام غالبا ما ينصب على الواجهات والطلاء والتجهيزات، في حين يتم إهمال تحفيز الأطر الصحية وتحسين ظروف عملها”.

ونبه النقابي إلى أن “العاملين في المستعجلات يعيشون ظروفا مهنية صعبة تتطلب تحفيزات مادية ومعنوية خاصة، على غرار ما هو معمول به في عدد من الدول التي تمنح امتيازات إضافية للعاملين في أقسام الطوارئ بالنظر إلى طبيعة المهام وضغطها”.

ودعا في السياق ذاته إلى “مراقبة حقيقية لتنفيذ العقود المرتبطة بخدمات الحراسة والنظافة، وإلى إلغاء نظام الأداء المالي داخل المستعجلات حتى لا تتحول العلاقة بين المواطن والمهني إلى علاقة مشحونة بالتوتر وسوء الفهم”.

وأكد جعى على أن “نقابته تدعم أي إصلاح حقيقي يستهدف تحسين المستعجلات، لكنها تشدد على ضرورة أن يكون التنزيل ميدانيا وواقعيا، بمقاربة تشاركية تشرك المهنيين في كل المراحل، وتضمن الحماية القانونية والتحفيز والرقمنة والمراقبة الصارمة لتدبير الموارد والخدمات، حتى لا تبقى الإصلاحات مجرد شعارات عابرة، بل تتحول إلى إصلاح عميق يضع الإنسان في قلب المنظومة الصحية”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x