2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
على مدى ربع قرن من القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، شهدت قضية الصحراء المغربية تحولات دبلوماسية وسياسية جوهرية. هذه التحولات أرست زخماً مستمراً نحو الاعتراف الدولي بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، مع تراجع ملحوظ في الدعم للكيان الانفصالي.
وتعكس هذه التطورات استراتيجية متكاملة تقوم على الرؤية الملكية السامية، التي تجمع بين الثبات على المبدأ والمرونة في الممارسة الدبلوماسية، وبهذا، يعزز المغرب شرعيته التاريخية ويرسخ دوره كشريك موثوق في تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي.
الدينامية الدبلوماسية أمام مجلس الأمن
يشكل اجتماع مجلس الأمن في 31 أكتوبر 2025 محطة مفصلية في المسار السنوي لمناقشة النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية. وتندرج الجلسة ضمن دينامية دبلوماسية متسارعة، يعزز فيها المغرب موقفه التفاوضي مقابل تراجع هامش المناورة الجزائرية داخل المنتظم الدولي.
وتؤكد التطورات الأخيرة ترسيخ حضور المغرب في مجلس الأمن، مع تزايد دعم الدول الكبرى لمقاربة الحكم الذاتي كحل جدي ومستدام، ويشمل هذا الاصطفاف الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وإسبانيا، والمملكة المتحدة، وبلجيكا، إلى جانب دول أخرى.
ويعكس هذا التحول انتقالاً من موقف المتابعة الحذرة إلى دعم صريح، ما يعزز موقع المغرب كفاعل أساسي في المسار الأممي ويهمش الأطروحات الانفصالية.
وفي هذا السياق، أكد الملك محمد السادس، في خطاب الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب (2022): «ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات».
وتُفسر هذه الرسالة الملكية كتأكيد استراتيجي يمتد إلى البعد الدولي، فالمغرب يُقيِّمُ مصداقية شركائه بناءً على موقفهم من القضية، مما يجعلها مَحَكّاً لجدية التحالفات.
وعززت هذه الرؤية الموقف المغربي دبلوماسياً وسياسياً، حيث تحولت قضية الصحراء إلى أداة قياس للثقة الدولية، مما ضيّق هامش المناورة للأطراف المعارضة.
بروز نمط براغماتي جديد
تشير الدينامية الحالية إلى ترسيخ نمط براغماتي يعتمد الاعتراف الواقعي بالمسار المغربي، مع استبعاد الطروحات الانفصالية التي فقدت رصيدها، وانتقل التركيز الدولي من المواجهة إلى الشرعية والبناء، مدفوعاً برغبة الدول في حلول قابلة للتنفيذ ترتكز على الاستقرار والتنمية.
وعلى الصعيد الإقليمي، يسجل المغرب حضوراً متنامياً كشريك موثوق في المشاريع التنموية والأمنية، فيما تتراجع الجزائر تدريجياً، ويعكس هذا إعادة رسم خريطة التحالفات لصالح الرباط، مما يرسخها كقوة استقرار إقليمية تجمع بين الدبلوماسية النشطة والريادة التنموية.
عزلة الدبلوماسية الجزائرية
تعاني الجزائر من عزلة دبلوماسية متنامية نتيجة تمسكها بخطاب تقليدي قائم على سرديات الحرب الباردة ومفهوم «تقرير المصير» الذي فقد جدواه العملية.
ويعود ذلك إلى تموضع أيديولوجي جامد غير قادر على التكيف مع أولويات القرن الحادي والعشرين، مثل الاستقرار والشراكات، كما انخرطت الجزائر مباشرة في دعم الأطروحة الانفصالية، مما قلّل شرعيتها وأضعف دورها البنّاء.
وفشلت في بناء علاقات اقتصادية متنوعة في إفريقيا وأوروبا، خلافاً للمغرب الذي حقق اندماجاً إقليمياً ملموساً. ولم تقدم بدائل تنموية واقعية، مقابل نجاح المشاريع المغربية في تعزيز الاستقرار.
وتآكل نفوذ الجزائر إقليمياً في إفريقيا والساحل، مع ترسُّخ دور المغرب كشريك استراتيجي. كما ضعفت شرعيتها السياسية أمام أولويات الشركاء الدوليين، مما قلّص قدرتها التفاوضية وحَدَّ خياراتها بين الردود الانفعالية أو القبول بشروط أقل ملاءمة.
تآكل الاعترافات بالكيان الانفصالي
شكلت الرؤية الملكية السامية، منذ 1999، أساس النجاحات الدبلوماسية المغربية، بالجمع بين الثبات في المبدأ والمرونة في الأسلوب، وأكد جلالة الملك في خطاب عيد العرش 2025: «إننا نعتز بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع… وبقدر اعتزازنا بهذه المواقف، نؤكد حرصنا على إيجاد حل توافقي لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف».
وتبرز هذه الرؤية الاعتراف الدولي بمبادرة الحكم الذاتي كنهج واقعي، مع التزام بحل مستدام يحفظ الاستقرار.
وشهدت السنوات الأخيرة تراجعاً كبيراً في الاعترافات بالكيان الانفصالي، من نحو 70 دولة في 2000 إلى 25 حالياً (انخفاض يزيد عن 63%). ويؤكد ذلك فشل الأطروحة الانفصالية مقابل نجاح المشروع المغربي القائم على السيادة والتنمية.
من المواجهة إلى البناء والشرعية
تحول الاهتمام الدولي من جدلية الاستفتاء إلى الحل السياسي التوافقي، مما يضعف الأطروحة الانفصالية ويرسخ مكانة المغرب، وأكد الملك في خطاب الذكرى 46 للمسيرة الخضراء (2021): «إن مغربية الصحراء حقيقة ثابتة لا نقاش فيها، بحكم التاريخ والشرعية، وبإرادة قوية لأبنائها، واعتراف دولي واسع».
ويحوّل هذا الخطاب النقاش إلى قاعدة شرعية مدعومة بالإرادة الوطنية والاعتراف الدولي، مما يعزز الحلول الواقعية المستدامة.
المغرب.. قوة استقرار وريادة استراتيجية
تجسد جلسة مجلس الأمن نهاية أكتوبر 2025 نجاح المغرب في تحويل القضية إلى نموذج للريادة الاستراتيجية، بدمج الشرعية التاريخية والتنمية الاقتصادية. وبقيت الجزائر حبيسة سرديات عفا عليها الزمن، مما أدى إلى عزلة دبلوماسية مستمرة.
وأكد جلالة الملك في خطاب الذكرى 39 للمسيرة الخضراء (2014): «المغرب سيظل في صحرائه والصحراء في مغربها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها».
هذه الحقيقة لا تعكس مجرد موقف سياسي، بل استراتيجية متكاملة ومحكمة، تستند إلى الرؤية الملكية السامية، وتترجم الالتزام الثابت بالوحدة الوطنية، وتحويل النزاع الإقليمي إلى مشروع دبلوماسي وتنموي ناجح ومستدام.