2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
اعتصام فوق عمود كهربائي بمراكش يطرح إشكال أمن الملايير المودعة لدى الموثقين بالمغرب
طرح إقدام مواطن على الاعتصام فوق عمود كهربائي عالي التوتر بمدينة مراكش، خلال الأسبوع المنصرم، احتجاجا على ما اعتبره “ظلما” من موثقة على خلفية نزاع عقاري، إشكال الأمن المالي للمغاربة وغيرهم في علاقتهم بالتوثيق.
ورغم أن الشكل الاحتجاجي غير المألوف انتهى، مساء أمس، بعد إقناع المعني بالنزول من العمود، إلا أنه يسلط الضوء على إشكالية جوهرية تهدد المعاملات العقارية والاقتصادية، وتطرح سؤال أموال الزبائن المقدرة بالملايير التي تودع لدى الموثقين.
لم تكن حادثة مراكش، ولا اعتقال الموثقة المعنية، الأولى من نوعها، فمدن مغربية شهدت في السنوات الأخيرة عددا من القضايا التي هزت قطاع التوثيق، كان أبطالها موثقون متهمون بـاختلاس مبالغ مالية مهمة من ودائع زبنائهم. في مدن مثل القنيطرة وأكادير ومراكش نفسها، صدرت أحكام بسجن موثقين فاق اختلاس بعضهم مليارين من السنتيمات، وهي أموال كان من المفترض أن تبقى مؤتمنة لديهم لإتمام صفقات عقارية ضخمة.
ومعلوم أن الموثقين يتصرفون في مبالغ ضخمة جدا، وسط غياب الآلية المؤسساتية الكافية لضمان عدم إساءة استخدام هذه الودائع.
مصدر من داخل هيئة الموثقين، رفض الكشف عن اسمه، أكد في حديث لجريدة ”آشكاين”، أن أمن أموال التوثيق، مسؤولية الدولة، وليس المهنيين أنفسهم.
على الرغم من أن المادة 33 من القانون رقم 32.09 المتعلق بمهنة التوثيق، يلزم الموثقين بإيداع الأموال والودائع الخاصة بالمتعاقدين فورا في حساب مفتوح باسم الموثق لدى صندوق الإيداع والتدبير (CDG)، بهدف تحصينها وضمان عدم استغلالها، إلا أن وقوع هذه الاختلاسات المتكررة يشير إلى وجود ثغرات إما في التطبيق الصارم للقانون أو في آليات المراقبة الفعالة على هذا الإيداع الفوري. وهذا يبرز الحاجة الماسة إلى إجراءات إضافية وقواعد تفعيلية أكثر صرامة تحمي الزبون.
وسبق أن طرحت المسألة بشكل مشابه في مهنة المحاماة، حيث كانت المنازعات حول ودائع الزبناء وحسابات الأمانة تثير قضايا معقدة. لكن في وقت لاحق، تم تعزيز دور الهيئة المهنية (هيئة المحامين)، لتصبح هي الضامن لجزء من هذه المعاملات وتلعب دورا رقابيا أكثر فعالية، إضافة إلى وجود صناديق الضمان. وفي المقابل، ورغم وجود هيئة وطنية للموثقين، لا تزال الآلية التعويضية المباشرة والمضمونة التي تحمي الزبون في مواجهة موثق ”مختلس” غير واضحة أو غير كافية بالقدر الذي يطمئن المواطنين، خاصة في صفقات بمبالغ مالية كبيرة مغرية.
هل يمكن أن تسير هيئة الموثقين في هذا التوجه، أجاب المصدر الذي امتنع عن ذكر أسمه، أنه لا مجال للمقارنة بين الهيئتين، سواء من حيث المبالغ التي يتم التصرف فيها أو من حيث الضوابط التي تحكمها.
في سياق متصل، تطرح المسألة هواجس لدى المستثمرين مغاربة أو أجانب ، إذ أن الموثق حجر الزاوية في إتمام الصفقات العقارية والاستثمارية وتوثيقها، وما يتطلبه ذلك من إيداع مبالغ ضخمة كودائع في حسابات يسيطر عليها طرف فردي. هذه التبعات قد تنعكس سلبا على قطاع الاستثمار خصوصا في علاقته بالعقار.
قيادي سابق بهيئة الموثقين بالمغرب، أوضح أن هناك ضمانات تحمي أموال الزبناء، أولها ما جاء في المادة 26 من القانون 32/09 الذي ينظم مهنة التوثيق بالمغرب، التي تلزم أي موثق أن يتوفر على تأمين (assurance) محددة في 5 مليون درهما كحد أدنى، وقد تصل إلى 10 مليون درهما على كل معاملة.
وأوضح المتحدث، الذي فضل هو الآخر عدم ذكر اسمه بسبب منصب المسؤولية التي يتولاها حاليا، أن الحماية الثانية مرتبطة بوقوع اختلاس مفترضة لزبون ما، إذ بحسبه، هناك صندوق خاص مهمته تعويض الزبناء المتضررين.
في هذا الصدد، قال إن صندوق ضمان الموثقين، تُضخ فيه مبالغ مالية مهمة كل سنة، تقتطع من المهنيين (200 درهم لكل موثق)، إلى جانب 9 مليار درهم سنويا تأتيه من صندوق الإيداع والتدبير.
وابرز أنه إلى حدود 2023، تم تسوية جميع النزاعات التي وقعت بين الموثقين والزبناء وحكم لصالحهم القضاء، وبلغت التعويضات حوالي 7 مليار درهما.
إلى جانب ذلك، هناك آليات قانونية أخرى، بحسب المتحدث، تحمي الزبناء، إذ أن الموثقين، وفق المادة 33 من مقتضى القانون المنظم المهني، تلزم كل موثق أن يودع المبالغ المتحصل عليها في صندوق الإيداع والتدبير (CDG)، بدون أجل وأن يمنح للزبون نسخة من وصل الإيداع، تبين بأن الأموال في حساب باسمك ورقمه ومرجعه.
وشدد المتحدث على أن حالات الاختلاس الذي وقع في بعض المدن المغربية، تبقى محدودة ومعزولة، سواء من حيث عدد العقود التي ينجزها الموثقون في المغرب والتي تتجاوز نصف مليون عقد في السنة، أو من حيث المبالغ المالية الكبيرة التي يتصرفون فيها والتي تتجاوز 170 مليار درهم سنويا.
وكشف أن أي موثق يخضع لثلاثة أنواع من المراقبة: مراقبة المجالس الجهوية، ثم المراقبة الدورية للنيابة العامة وأيضا المراقبة التي يقوم بها الوكيل العام شخصيا أو من ينوب عنه إذا كانت هناك حالة طارئة.