2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
يوسف بنشهيبة
لا شك أنكم اطلعتم على الصورة التي انتشرت بسرعة كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تتعلق بقيام أحد أعوان محرري محاضر المخالفات التابعين للمندوبية الجهوية للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، بمعاينة مخالفة مسجلة في حق أحد المقاهي بمدينة تازة، والمتمثلة في استعمال ونقل مصنف إلى الجمهور دون الحصول على ترخيص من المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
وقد تباينت ردود الفعل بخصوص هذه الوثيقة؛ فهناك من تساءل عن مدى وجود قانون يجرّم مثل هذه الأفعال، ومنهم من اعتبر أن هذا التشريع يشكّل تضخمًا قانونيًا وزيادة غير ضرورية في النصوص، بينما جعل آخرون الوثيقة موضوعًا للسخرية والتأويلات… .
ومن الناحية القانونية، يمكن قراءة هذه الوثيقة استنادًا إلى مقتضيات القانون رقم 2.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، المنفذ بالظهير رقم 1.00.20 الصادر في 9 ذي القعدة 1420 (15 فبراير 2000)، وهو قانون قائم منذ أكثر من 25 سنة من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية. ورغم قدمه النسبي، إلا أنه يمكن القول إن تفعيل مقتضياته على المستوى العملي ظل متأخرًا، إذ تركز عمليات المراقبة اليوم على المقاهي والمحلات التجارية التي تستعمل المصنفات الفنية والموسيقية دون ترخيص مسبق. وبالرجوع إلى المادة الأولى من القانون رقم 2.00، فقد عرّف المشرّع المصنف بأنه إبداع أدبي أو فني وفق ما تحدده المادة الثالثة، كما أن نطاق المصنفات لا يقتصر على الفن أو الموسيقى فقط، بل يشمل مجالات متعددة. وتنص المادة الثالثة على أن المصنفات هي إبداعات فكرية أصلية في مجالات الفن والأدب، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر برامج الحاسوب، المحاضرات، الخطب، الخرائط الجغرافية… .
كما اعتبرت المادة الأولى من القانون نفسه أن المؤلف هو الشخص الذاتي الذي أبدع المصنف، وأن أي إشارة إلى الحقوق المادية للمؤلفين حينما يكون المالك الأصلي لهذه الحقوق شخصًا ذاتيًا أو معنويًا غير المؤلف، فهي تعني حقوق المالك الأصلي. وهو ما يعني أن تعريف المؤلف جاء لتحديد نطاق الحقوق الأصلية المرتبطة بالإبداع الأدبي والفني، واستبعاد أي طرف لم يشارك فعليًا في خلق المصنف، بما يؤكد أن الحق الأساسي مرتبط مباشرة بالمبدع نفسه.
وقد خصّ المشرع المؤلف ومصنفاته بحماية قانونية واضحة، وهو ما يظهر من خلال المادة 2 التي نصت على أن “يستفيد كل مؤلف من الحقوق المنصوص عليها في هذا القانون على مصنفه الأدبي أو الفني”، وتبدأ هذه الحماية بمجرد إبداع المصنف حتى لو لم يكن مثبتًا على دعامة مادية. ويستفيد حتى عنوان المصنف من الحماية القانونية إذا كان أصليًا، كما نصت على ذلك المادة 4.
وبذلك، يتمتع المؤلف بمجموعة من الحقوق المعنوية والمادية، وتظل هذه الحقوق محمية طوال حياته ولمدة 70 سنة بعد وفاته (المادة 25). وتبقى الحقوق المعنوية غير محددة بالزمان وغير قابلة للتقادم أو الإلغاء، وتنتقل بعد الوفاة إلى ذوي الحقوق.
وبخصوص الوثيقة موضوع النقاش، فإن الفعل المرتكب والمتمثل في نقل مصنف إلى الجمهور عبر التلفاز يرتبط بالمادة 10 من القانون 2.00، التي تمنح للمؤلف الحق في الترخيص أو منع عرض أو أداء المصنف أمام الجمهور.
ومن خلال مواد القانون، يتضح أن نقل مصنف محمي إلى الجمهور يُعدّ استغلالًا عموميًا، أي بثًا أو تشغيلًا لمصنف لفائدة جمهور واسع، وليس للاستخدام الشخصي، خاصة وأن المقاهي والمطاعم تستقبل الزبائن باعتبارهم جمهورًا.
وبالمقابل، فإن عرض مقهى لمصنف موسيقي أو أي عمل محمي بموجب هذا القانون يستوجب الحصول على ترخيص قانوني من المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، باعتباره الجهة المختصة بجمع الحقوق ومنح تراخيص الاستغلال العام للأعمال الموسيقية والأدبية والفنية، وهو إجراء يهدف أيضًا إلى الحد من الالتباس عند ممارسة حقوق النشر أو الاستغلال التجاري للمصنف.
وفي مقابل ذلك، يجد أرباب المقاهي والمطاعم أنفسهم في وضعية حرجة، حيث عبّر بعضهم عن كون هذه المخالفات غير مبررة ولا سند لها، معتقدين أن الإذاعات والقنوات التلفزية التي تبث منتجاتها للجمهور هي الجهة الملزمة بالأداء، لا أرباب المقاهي، باعتبار أن المؤسسات الإعلامية هي التي تستغل الإنتاج وتبني نشاطها عليه. غير أن هذا الطرح يقابله واقع مفاده أن تلك الإذاعات والقنوات تتوفر على تراخيص قانونية وتخضع بدورها لمراقبة المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة
ختامًا، يُظهر الجدل القائم اليوم بين المقاهي والمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة أن مسألة “الاستغلال العمومي” للمصنفات المحمية ليست مجرد مسألة قانونية نصية جامدة، بل مسألة واقعية تمسّ فئة واسعة من المهنيين الذين وجدوا أنفسهم أمام التزامات مالية وإدارية لم يُوفَّر لها الإطار التواصلي والتوعوي الكافي، أو يرون أنها تفتقر إلى سند قانوني واضح.
وعلى الرغم من أن القانون رقم 2.00 يقرّ صراحة بحق المؤلف في حماية أعماله، فإن تفعيل هذا الحق يجب أن يتم وفق مقاربة تراعي مبدأ التناسب، والليونة في تطبيق القانون، والعدالة وخصوصية القطاع، خاصة وأن المقاهي ليست مؤسسات بثّ محترفة ولا تحقق أرباحًا مباشرة من الموسيقى، بل تستعملها في حدود بسيطة خدمةً لزبنائها.
وبناءً على ذلك، فإن معالجة هذا النقاش القانوني تستوجب فتح حوار مؤسساتي هادئ بين ممثلي أرباب المقاهي والمهنيين من جهة، والوزارة الوصية والمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة من جهة أخرى، من أجل الوصول إلى حلول تراعي حماية الإبداع دون إرهاق فئة اقتصادية واسعة تُعد جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي والاقتصادي.
فالمقاهي لا تعترض على حماية الحقوق ولا على احترام المؤلف، لكنها تطالب بأن تُسمَع مطالبها، وأن يُعتمد نظام واضح ومنصف وملائم لحجمها الاقتصادي، حتى لا تتحول حماية الحقوق إلى عبء غير محتمل، ولا يصبح القانون مصدر توتر بدل أن يكون إطارًا لتنظيم العلاقة بين الأطراف. وفي غياب حلول واقعية، قد يجد عدد من المهنيين أنفسهم مضطرين إلى إغلاق محلاتهم.
يوسف بنشهيبة؛ باحث في العلوم الجنائية والأمنية.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبها
الجمهور المغربي لا يتساءل عن وجود القانون المنظم لاستخدام الاغاني في الاماكن العمومية والمراقص والمقاهي، بل التساؤل يحوم حول كيفية تطبيق هذا القانون الذي ينفد على البعض ويستتني منها البعض الآخر، وعما إذا كانت هذه الغرامات تصل الى أصحابها فعلا او انهم لا يعلمون بها أصلا.