لماذا وإلى أين ؟

جعي: الاحتجاجات ليست عصا سحرية لحل أزمة قطاع الصحة

أكد مصطفى جعى، الكاتب الوطني للنقابة المستقلة للممرضين، أن من يعتقد أن أزمة قطاع الصحة يمكن حلها بتحميل المسؤولية لطرف دون آخر فهو واهم، لأن المشكل في جوهره أزمة منظومة وبنية مركبة، مشدداً على أن مسؤولية القطاع الصحي جماعية بامتياز يشترك فيها الجميع؛ الحكومة، المدبرون، المهنيون، المواطنون، القطاع الخاص، وباقي المتدخلين.

وأوضح جعي أن التوظيف السياسي لقضية الصحة لن يسهم في حلها، مبرزاً أن القطاع أكبر من الأحزاب وأوسع من الحسابات السياسية الضيقة، مضيفاً أن إقالة مسؤول هنا أو هناك لن يكون حلاً، وكذلك تحميل المهنيين وحدهم المسؤولية عن اختلالات المنظومة يُعد جهلاً بحجم التعقيدات التي يعيشها القطاع، كما أن الاحتجاجات وحدها ليست عصاً سحرية قادرة على حل المشكل، مؤكداً أن وزارة الصحة وحدها لا يمكنها بمفردها تجاوز هذه الأزمة.

وكشف جعى أن المغرب يحتاج حالياً إلى أكثر من 30 ألف مهني صحة – أطباء وممرضين وإداريين – للوصول فقط إلى أدنى المعايير الدولية، مشيراً إلى أن الطبيب والممرض المغربي يفرض عليه القيام بعمل يفوق طاقته في ظروف صعبة مما يؤدي إلى ضعف جودة الخدمات، وأعطى مثالاً بفرنسا التي تتوفر على أكثر من مليون موظف صحي لـ70 مليون نسمة، في حين لا يتجاوز عدد العاملين في القطاع الصحي بالمغرب 70 ألفاً لـ38 مليون نسمة.

وأضاف أن هذا الخصاص الحاد هو نتيجة تراكم عقود من سوء التوقع وغياب رؤية واضحة وهو ما يؤدي إلى نزيف هجرة الكفاءات وكثرة الأخطاء المهنية التي تنتج عنها ضحايا ووفيات فتتفاقم الاحتجاجات ويصبح المواطن والمهني والمسير جميعهم ضحايا على حد سواء.

وأوضح في منشور فيسبوكي، أن المغرب يخصص حوالي 7% من ميزانيته لقطاع الصحة، في حين توصي منظمة الصحة العالمية بـ12%، وقال إن المنظومة الحالية تعمل بنصف الميزانية المفروض توفرها مع وجود اختلالات في التدبير تزيد الوضع تعقيداً ما يؤدي إلى نقص المعدات والتجهيزات والصيانة، مضيفاً أن رفع الميزانية الصحية يحتاج سنوات طويلة لإظهار النتائج خاصة في ظل فقدان أكثر من 90% من مخصصات التغطية الصحية التي تذهب للقطاع الخاص مما يجعل الأزمة أكثر حدة.

وأشار إلى أن التعريف الدولي للحق في الصحة لا يقتصر على التطبيب والتمريض بل يشمل مستوى السكن والأكل والتعليم والبيئة والسلامة، وبالتالي فإن مسؤولية وزارة الصحة وحدها غير كافية بل هي مسؤولية جماعية تشمل الداخلية والأمن والتجهيز والفلاحة والجماعات المحلية، وأعطى مثالاً بجائحة كوفيد-19 حيث تكاتفت الجهود وتوفرت الموارد وظهرت حلول مبتكرة لكن كل شيء اختفى بعد الأزمة وعاد القطاع ليحارب وحده.

ولم يغفل جعى الإشارة إلى أزمة أخلاقية يعيشها القطاع الصحي قال إنها ليست حصراً على هذه المهنة ولكنها أكثر بروزاً فيها لأنها ترتبط بحياة الناس، وذكر أن الرشوة وتحويل المرضى من القطاع العام إلى الخاص ليست ظواهر معزولة بل منظومة معقدة تتداخل فيها أطراف مختلفة مؤكداً ضرورة تحصين الأطر مادياً ومحاربة الوسطاء والسماسرة وتدخل الأمن والقضاء والداخلية لضبط هذه الظواهر إضافة إلى مراقبة عمل المصحات الخاصة.

وأكد أن تخليق القطاع الصحي يمر عبر إعادة النظر في دور الشركات الخاصة في تقديم الخدمات الصحية مشدداً على أن مهام الاستقبال أو النقل أو التوجيه يجب أن تبقى تحت إشراف الإدارة بدل تركها لشركات خاصة قد تتجاوز اختصاصاتها.

وختم جعى بالتأكيد على أن أزمة الصحة في المغرب إرث ثقيل وصعب لكنه ليس مستحيلاً وأن حل هذه الأزمة يقتضي إرادة سياسية حقيقية وتضافر جهود جميع المتدخلين والارتفاع فوق التجاذبات السياسية نحو مفهوم المواطنة في التعامل مع هذا القطاع الحيوي والمحوري قائلاً: «حتى حد ما يرمي الكورة للآخر».

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
ملاحظ
المعلق(ة)
25 سبتمبر 2025 15:27

المواطن يحمل دائما المسؤلية للطبيب والممرضة دون النظر حولهم هل هناك وسائل متوفرة وهل هناك ظروف جيدة تساعد على العمل.يجب الحديث بموضوعية ودون تنمو ولايجب مقارنة العمومي بالخصوصي يا قوم

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x