ماذا استفاد المغرب من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟
مرت 13 سنة على إطلاق الملك محمد السادس لبرنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، من أجل محاربة الهشاشة وحفظ كرامة المواطن المغربي وتحسين مستوى عيشه، غير أن هذا الأمر يصطدم بواقع من نوع آخر تُجسده الإحصائيات والأرقام التي تصدر عن مؤسسات دولية وحقوقية.
ففي الوقت الذي حققت هذه المبادرة العديد من نقاط الضوء في العديد من المستويات، مما أثار استحسان شريحة واسعة من المواطنة، لازالت هذه المبادرة تحصد ما يمكن اعتباره “فشلا” لكونها لم تستطع تحقيق تلك التنمية المستدامة فيما بقي أثرها محدودا على المدى القريب والمتوسط، اللهم إذا تم استثناء مشاريع كبرى في ميدان الصحة والنقل والخدمات الإجتماعية والتي لازالت تشتغل وتؤدي المهام المنشودة منها.
ركائز المبادرة
وترتكز المبادرة الوطنية لتنمية البشرية على خمسة محاور، وهي برنامج محاربة الفقر بالوسط القروي، برنامج محاربة الإقصاء الإجتماعي بالوسط الحضري، برنامج محاربة الهشاشة، البرنامج الأفقي، برنامج التأهيل الترابي، وذلك من أجل أهداف عديدة، أبرزها، تلبية احتياجات ساكنة بعض المناطق الجبلية أو الصعبة الولوج وتقليص الفوارق في مجال الولوج إلى البنيات التحتية الأساسية والتجهيزات وخدمات القرب وتعزيز التقائية الأنشطة القطاعية بتشاور مع فاعلي التنمية المحلية وبتنسيق مع اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية التي يرأسها الوالي أو العامل.
كما يهدف البرنامج ذاته إلى ضمان الإدماج الاجتماعي للشباب، مع تقوية التنشيط الاجتماعي والثقافي والرياضي، وتعزيز التنمية المحلية المستدامة والأنشطة المدرة للدخل، فضلا عن تقوية مشاركة المرأة والشباب وكذا تقوية الحكامة المحلية، كما يسعى البرنامج إلى تحسين الولوج للخدمات الاجتماعية الأساسية مع تعزيز مقاربة النوع والتنشيط الاجتماعي، الثقافي والرياضي.
أرقام فلكية ..لكن
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن المرحلة الثانية من برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والتي امتدت ما بين سنتي 2011 و2015، فقد تطلبت تعبئة غلاف مالي قدره 17 مليار درهم، بدل 10 ملايير درهم المخصصة للمرحلة الأولى (2006-2010)، فتم إثر ذلك إنجاز 7870 مشروعا في المستوى الأفقي، وأما بخصوص برنامج محاربة الفقر بالوسط القروي فقد تم إنجاز 6381 مشروعا، بينما في برنامج محاربة الإقصاء الاجتماعي بالوسط الحضري تم إنجاز 3122 مشروعا، و 1252 مشروعا في برنامج محاربة الهشاشة (1252 مشروعا.
أرقام فلكية، تظهر وكأنها حققت المنشود منها، غير أن واقع الحال يقول العكس، بحيث اندلعت العديد من الإحتجاجات في مناطق مختلفة من المغرب بسبب تفاقم المشاكل الإجتماعية والتي جاءت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لمحاربتها.
احتجاجات شعبية
وهنا يمكن استحضار احتجاجات إقليم الحسيمة، أو ما بات يعرف بـ”حراك الريف”، الذي خرج من أجل مطالب اجتماعية استنفرت الحكومة المغربية من أجل وضع برامج آنية على المستوى القريب وأخرى على المستوى المتوسط والبعيد، وذلك لتدارك ما يمكن تداركه، بعد أن خرجت حشود غفيرة من المواطنين وعلى مدى تسعة أشهر متتالية تطالب بتوفير العيش الكريم القائم أساسا على الصحة والتعليم والسكن والشغل.
ولنفس الأسباب تقريبا خرجت احتجاجات مماثلة بجرادة، تطالب ببديل اقتصادي وذلك بعد أن تحولت المنطقة إلى مجموعة من آبار الفحم التي تعمل خارج القانون مما أدى إلى وفاة عدد من العمال الذين يشتغلون تحت رحمة “الساندريات”. ونفس الشيء بالنسبة لمنطقة زاكورة التي شهدت الصيف الماضي موجة عطش غير مسبوقة فخرج المواطنون للإحتجاج أيضا.
والملاحظة الأهم هنا، هي أن الجهات المسؤولة والمتمثلة أساسا في الحكومة، لا تحرك ساكنا إلا بعد وقوع تطور اجتماعي وخروج المواطنين للإحتجاج، آنذاك تضطر إلى إعلان برامج عمل ومشاريع لـ”ترقيع ما يمكن ترقيعه” حتى لا يتفاقم الوضع، وهنا يُطرح السؤال، هل ستظل تدخلات الحكومة مجرد حلول ترقيعية للجم أفواه المواطنين الغاضبين؟
الملك غاضب .. وتصنيفات متدنية
ما يزكي الطرح القائل بفشل هذا البرنامج، هو ما أكده الملك محمد السادس في خطاب العرش يوم السبت 29 يوليوز 2017 حين قال :”فإذا كنا قد نجحنا في العديد من المخططات القطاعية، كالفلاحة والصناعة والطاقات المتجددة، فإن برامج التنمية البشرية والترابية، التي لها تأثير مباشر على تحسين ظروف عيش المواطنين، لا تشرفنا ، وتبقى دون طموحنا. وذلك راجع بالأساس، في الكثير من الميادين ، إلى ضعف العمل المشترك ، وغياب البعد الوطني والإستراتيجي، والتنافر بدل التناسق والالتقائية ، والتبخيس والتماطل ، بدل المبادرة والعمل الملموس”.
أكثر من ذلك فإن العديد من التقارير الدولية الصادرة عن مؤسسات عالمية ومنظمات حقوقية أقرت بأن المغرب لازال يقبع في مؤخرة عدة تصنيفات، أهمها مؤشر التنمية البشرية الصادر عن منظمة الأمم المتحدة حيث احتل المغرب منذ سنوات الرتبة 123 متأخرا بدرجات عن دول تعاني من الحروب والفقر المذقع كليبيا والعراق والجزائر وسوريا.
كما احتل المغرب المرتبة الـ87 عالميا في ترتيب الأنظمة الصحية العالمية الذي يصدره معهد لغاتوم البريطاني (2016)، إضافة إلى احتلاله المرتبة الـ66 في مؤشر الجودة الاقتصادية والبيئة، والمرتبة الـ84 في محيط الاستثمار، والمرتبة الـ118 في الحكامة والتعليم والحريات الفردية، و المرتبة الـ44 في قطاع الأمن، والمرتبة الـ144 في مؤشر الرأسمال الاجتماعي.
سؤال مشروع
تناقضات كبيرة وصارخة، تلك التي تم تسجيلها على مشتوى هذا الورش الإجتماعي والإقتصادي الكبير، فرغم المبالغ المالية الباهضة التي تضخ في صندوقه، ورغم المشاريع العديدة التي تم إطلاقها في مختلف مناطق المملكة، إلا أن النتائج باتت هزيلة جدا ولم ترق إلى مستوى تطلعات المواطن المغربي، وهنا يٌفتح الباب على مصراعيه لطرح سؤال عريض، ماذا استفاد المغرب من برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟