لماذا وإلى أين ؟

سخاء نظير وجشع المشاهير

قليلة هي الشموع التي تنير هذا الوطن بمبادراتها القيمة، ولم تكن نجاة نظير، المواطنة التي تبرعت بمليار ومئتي مليون سنتيم لتعزيز البنية التحتية التعليمية في العالم القروي عبر التكفل ببناء ثانوية وقسم داخلي وإعادة تهيئة مدرسة ، إلا إحدى هذه الشموع في عتمة نهب المال العام ومراكمة الثروة على حساب الكادحين، وظلام تهرب الأغنياء من المسؤولية الاجتماعية إتجاه المجتمع.

مبادرة نظير تعطي درسا بليغا لمن يفهم من الساسة ورجال الأعمال ومشاهير الرياضيين والفنانين الذين راكموا الثروات ولم تسمع يوما عنهم أنهم تبرعوا لمؤسسة خيرية تعنى بالعجائز أو بمرضى السرطان، أو أنشؤوا مدرسة في جبال الأطلس أو دشائر الصحراء، أو ساهموا في شق طرق تفك العزلة أو إشتروا حافلة للنقل المدرسي تقل التلاميذ الذين يمشون ساعات لطلب العلم، أو سيارة إسعاف تنقذ حاملا وجنينها بدلا من أن تلده في الخلاء أو يموتان معا.

جاءت مبادرة نظير لتكشف جشع بعض السياسيين الذين جعلوا من تدبير الشأن العام وسيلة للاغتناء والعيش برفاهية، إذ أن دفاع بنكيران بشراسة عن إستحقاقه لتقاعد بقيمة 7 مليون سنتيم شهريا عن ترأسه للحكومة، وإمتناع أخنوش بكل الوسائل عن إرجاع 4.5 مليار من الأرباح التي حصدتها شركته على حساب القدرة الشرائية المتدهورة للمواطنين، وتفاخر بنشماس بشراء فيلا بمئات الملايين، وهو وإن جمع مختلف موارده المالية منذ تحمله للمسؤولية العمومية لن يستطيع إقتناءها، وغيرهم من السياسيين الذين تسابقوا للاستفادة من أرضي “صوديا وسوجيطا” بدلا من أن يحصل عليها من يستحقها من الفلاحين، يؤكد أن السياسة في بلادنا أقصر طرق للاغتناء، وأن دفاع الساسة، الذين مثلهم مثل المنشار يأكل صعودا ونزولا، عن مصالح المواطنين خاصة الفقراء منهم مجرد إدعاء وإستغلال لآلامهم.

وليس الساسة في بلادنا وحدهم الذين يغلب على ممارستهم الجشع، فحتى “مشاهير الفنانيين” لا تكاد تسمع لهم القيام بعمل خيري إحساني، فدنيا بطمة التي تجني أموالا طائلة من المال العام من مهرجان موازين، لم تفكر في أن تساهم في إنشاء دار للشباب أو معهد للموسيقى في الحي الشعبي الفقير الذي ولدت وترعرعت فيه، كما أن سعيدة شرف التي نصبت عليها إحداهن في مليار سنتيم بعدما أوهمتها بتضاعف الأرباح في مشروع وهمي، لم تهتم يوما بأن تساهم في التبرع لمؤسسة خيرية في مدن الصحراء المغربية التي “تتاجر” بالزي التقليدي لأهلها، ناهيك عن بعض الفنانين الذين كانوا لا يملكون ثمن تناول فنجان قهوة، وبقدرة قادر أصبحوا يركبون سيارات فارهة ويشيدون فيلات بحصولهم على أموال مهمة من مرورهم “الحامض” بقنوات الإعلام العمومي ومشاركتهم في المهرجانات التي تمول من المال العام.

ويسير الرياضيون المحترفون في نفس إتجاه جشع الساسة وبخل الفنانيين فالعداء العالمي ورجل الأعمال هشام الكروج “طمع” في أجرة شهرية من وزارة الشباب والرياضة برغم من أنه في غنى عنها، فكيف للمجتمع أن ينتظر منه التبرع بجزء من ثروته لصالح إحدى قرى مسقط رأسه (بركان). وكذلك اللاعب الدولي المهدي بنعطية الذي قال إنه إنتقل إلى صفوف فريق الدحيل القطري من أجل تربية أبنائه تربية إسلامية، في حين أن بيئة البترودولار التي تزكم رائحتها الأنوف إستهوته، ومثله مثل زملائه من أبطال الفرق الأوروبية الذين لم تحرك فيهم معاناة أبناء جلدتهم إحساس الواجب الأخلاقي.

ولا يخرج رجال الأعمال عن هذا المنوال، فأغلب الشركات لا تتحمل مسؤوليتها الإجتماعية أمام أجراءها فما بالك بأداء الواجب الإجتماعي نحو المجتمع الذي يشكل سوقا تجني منه أرباحا. بل منهم من يتهرب من أداء الضرائب ويحتكر السوق مستغلا حاجة المواطنين ويستعمل مختلف الوسائل لمراكمة الثروة دون أن ينتبه إلى أن للمجتمع عليه حقا.

إن جشع بعض الأغنياء في بلادنا يصح فيهم قول أحد شعراء “الجاهلية”:

قومٌ إذا استنبحَ الأضيافُ كلبهُمُ   قالوا لأمّهِمِ: بُولي على النّارِ

فتُمْسِكُ البَوْلَ بُخْلاً أنْ تجودَ بهِ     وما تبولُ لهم إلا بمقدارِ

إن الحديث عن ضرورة تبني الساسة والفنانيين واللاعبين ورجال الأعمال لثقافة التبرع لفائدة الفقراء لا تعني أنه ليس على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في توفير العيش الكريم للمواطنين، لكن من المطلوب والضروري أن يتحمل هؤلاء مسؤوليتهم الإجتماعية إتجاه وطنهم وفقرائه، فخدمة  الوطن مرتبطة بما يمكن أن تقدمه له من فوائد. ويبقى السؤال أخيرا هو: هل ستكون مبادرة نظير الخطوة الأولى في مسافة ميل لبناء وطن متضامن يسع الجميع فقراء وأغنياء؟.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x