لماذا وإلى أين ؟

تعاقد الأساتذة وتقاعد بنكيران بين الإجبار والاختيار

يحظى ملف الأساتذة المتعاقدين”، أو “الذين فرض عليهم التعاقد”، كما يسمون أنفسهم، وموضوع التقاعد الاستثنائي لرئيس الحكومة المعزول، عبد الإله بنكيران، (يحظيا) باهتمام شريحة واسعة من المغاربة، خاصة نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، ورواد المقاهي والأماكن التي تدور فيها دردشات ثنائية وجماعية.

قد يتساءل البعض عن سبب الجمع بين الملفين في هذا الموضوع، والإجابة تدخل في باب البسيط الممتنع، البسيط منها يتجلى في أن كل من بنكيران والمتعاقدين يقولان إن ما هما عليه من تعاقد وتقاعد فرض عليهما. فالأساتذة المتعاقدون يعتبرون أن العمل بعقود فرض عليهم فرضا ولم يكن اختيارهم، أما بنكيران فيقول إن سبعة ملاين التي يتقاضاها نهاية كل شهر كتقاعد استثنائي، هي مكرمة من ملك البلاد، ومكرمة الملوك لا ترد، بمعنى أنها فرضت عليه ولا حيلة له في رفضها، والممتنع يأتي ذكره لاحقا.

فما حقيقة هذا الأمر؟

انقسم المتتبعون لملف الأساتذة المتعاقدين إلى قسمين، قسم غير متفق مع تسميتهم بـ”الذين فرض عليهم التعاقد”، وقسم أخر يرى بأن التعاقد فرض عليهم فعلا، ولكل فريق منهما حججه ومبرراته.

فالفريق الأول، يرى أن الأساتذة الموظفين بموجب عقود، أو المتعاقدين، كما تمت تسميتهم أول مرة، أو الذين فرض عليهم التعاقد”، اختاروا هذا النوع من العمل بطواعية، وهم من تقدموا للمباراة التي أعلنتها الأكاديميات الجهوية للتربية والتعليم بمحض إرادتهم، واجتازوا الاختبار الكتابي والشفوي ونجحوا فيه من بين مئات الآلاف آخرين لم يوفقوا في ذلك، ووقعوا عقود العمل بعد اطلاعهم على كل شروطها، وصادقوا عليها لدى السلطات المحلية وهم في كامل قواهم العقلية والبدنية، والتحقوا بمقرات العمل التي عُينوا فيها ودرّسوا بها لأشهر على نفقتهم الخاصة قبل أن تصرف لهم رواتبهم. لهذا لا يجب تسميتهم بمن فرض عليهم التعاقد، حسب هذا الفريق.

وإلى جانب كل ما ذكر، يرى الرافضون لتسمية “الذين فرض عليهم التعاقد”، أنه في وقت كان فيها مئات الأشخاص يحتجون ضد هذا النوع من التشغيل، وينظمون وقفات، بعضها فرقه الأمن بالهروات، لمقاطعة ما سموه “نظام السخرة”، كان هؤلاء الذين يقولون إن التعاقد فرض عليهم، يجتازون المباراة التي بفضلها تم التعاقد معهم، والعقد شريعة المتعاقدين، فمن فرض عليهم التعاقد إذا؟

جواب من فرض عليهم التعاقد يمتلكه الفريق الثاني، الذي يُحمل سياسة الحكومة في مجال التشغيل المسؤولية في فرض هذا النوع من العمل في القطاع العام.

ويرى ذات الفريق أن أول إجراء قامت به الحكومة التي أفرزتها موجة 20 فبراير، والتي ترأسها حزب العدالة والتنمية، كان هو الحصول على قرض من البنك الدولي، كان من أهم شروطه التقليص من النفقات العمومية في القطاعات الاجتماعية (التعليم والصحة والتشغيل)، والتي بموجبها عمل بنكيران على الحد من التوظيف بشكل كبير، وتراجع عن اتفاق سابق كان قد وقعه سلفه عباس الفاسي مع آلاف المعطلين، وألغى إجراء كان معمولا به في الحكومة التي سبقته، يتيح 10 في المائة من مناصب قانون المالية لحملة الشواهد العليا، وهو ما ساهم في تراكم مئات الآلاف من حملة الشواهد المعطلين.

ويضيف أنصار الفريق الثاني أنه بفعل تراكم أفواج المعطلين، وعدم جدوى احتجاجاتهم الميدانية، بالرغم من كل ما قدموه من تضحيات، والتي وصلت إلى حد وفاة أحد المعطلين، عبد الوهاب زيدون، حرقا في احتجاجات من أجل الإدماج في الوظيفة العمومية، لم يبق أمامه إلا سلك تكتيك جديد لولوج الوظيفة العمومية، وتمثل في القبول بالتعاقد كخطوة أولى في الطرق نحو هذه الاستراتيجية.

ذات الفريق يرى أنه بالإضافة للعوامل التي ذكرت، هناك عوامل أخرى ذاتية، فرضت على هؤلاء قبول العمل بعقود، فكلهم ينحذرون من فئات فقيرة أو تحت عتبة الفقر، وظروفهم العائلية لا تسمح لهم بمواجهة متطلبات حياتهم اليومية، ومنهم من له أو لها أسرة يُعتبر هو أو هي المعيل الوحيد لها، فما كان له من مفر غير القبول بشروط العقد الذي جاءت به الحكومة، مستغلة الظرفية المواتية.

أما تقاعد بنكيران، فلم ينقسم حوله المتتبعين إلى قسمين، بل أجمع جلهم على أنه حق أريد به باطل، وأمر يتنافى وما كان يدعو له ذات المسؤول عندما كان رئيسا للحكومة، وقبوله أو رفضه هو أمر بيده، وسبق أن فعلها مسؤولون سامون من قبله.

الممتنع في العلاقة بين تقاعد بنكيران وتعاقد الأساتذة، أن الأول سيظل يجني من وراء تقاعده 7 ملايين إلى آخر حياته، دون أن يساهم فيه بدرهم واحد، فيما المتعاقدون رزقهم مرتبط بوم عملهم، فإذا اشتغل سينال أجرته وإذا تغيب سيقتطع له وقد يقطع رزقه بطرده في أي وقت وحين.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

4 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
بلال
المعلق(ة)
1 مارس 2019 12:29

“..”
… التعاقد مع موظف يمارس مهنة سامية يراهن عليها العالم كله من اجل ضمان مستقبل افضل هو عنوان لدولة تضع مواطنة رعاياها في وضعية هشاشة ايضا ..

محمد بن موسى
المعلق(ة)
1 مارس 2019 08:09

عندما يحجم الموظفون والمستخدمون عن التصويت بقلب رجل واحد، ضد حزب استهدفهم بالأساس فإن النتيجة ستكون الضرب الممنهج لقوتهم الشرائية والقضاء على آمالهم والإسهام في تعميق آلامهم بوضعهم في وضع هش أقرب إلى السخزة.

كاره الظلاميين
المعلق(ة)
28 فبراير 2019 22:31

أنا شخصيا عندما استشارني تلامذتي في هذا الأمر شجعتهم على القبول…أولا لأن الشغل حق من حقوقهم…ثانيا وكما ذكر في المقال فقد كان هؤلاء المعطلون يخوضون أشكالا نضالية غير مسبوقة من أجل الشغل…لكل هذا نصحتهم بقبول التعاقد والإنخراط بعد ذلك في معارك نضالية لانتزاع حقهم في الإدماج

hassia
المعلق(ة)
28 فبراير 2019 20:58

فهدا لحلايقى البهلوانى ضلم اصحاب محضر20يوليوز قبل المتعاقدين

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

4
0
أضف تعليقكx
()
x