لماذا وإلى أين ؟

لماذا يستمتع المغاربة بمشاهدة الحياة الخاصة للآخرين؟

ما المقصود بالحياة الخاصة للأفراد، وما هي تجلياتها إعلاميا؟ سؤال بقدر ما هو اجتماعي يمكن الإجابة عنه بعد دراسة القوانين والقواعد الاجتماعية، إلا أنه يأخذ طابعا فلسفيا في حالات عديدة اكتشفناها في أكثر من مرة على وسائط التواصل الاجتماعي تطرقت إليها الصحافة المغربية، بطرق مختلفة وبخطوط تحريرية مختلفة منها الفضائحي والجاد والتحليلي.

فالقانون الكوني أعطى للإنسان الحق في حماية حياته الخاصة من التدخل التعسفي فيها، ومن صور الاعتداء على هذه الحياة الخاصة أو التقاط أو نشر أي منتوجا إعلاميا بدون إذن، يعتبر انتهاكا لحرمة ذلك الشخص الذي يوجد في وضع خاص وهو الوضع الذي لا يعرفه إلا المسموح لهم بذلك كالمسكن والمكتب، وتفاصيل الجسم واللباس والعلاقات، إلا أن بعض المغاربة لا يفرقون كثيرا بين هذه الجزئيات التي تشكل الهيكل الأساسي للحياة الخاصة، وهو ما يمكن استشفافه من الفيديوهات الكثيرة والحالات التي تناولتها الصحافة الوطنية في الآونة الأخيرة .

إن هذه التجاوزات التي تدخل في صميم بعض التقلبات والظواهر الاجتماعية التي يندرج فيها المجتمع المغربي بصفته مجتمعا متحركا، تتمظهر في بعض السلوكات التي عايناها بوتيرة مرتفعة في الآونة الأخيرة، فهناك من صور وسرب فيديو لمجموعة من الأطباء يخرجون علبة “كانيط” من دبر شخص في حالة غير طبيعية، وممرضات صورن وسربن فيديو لشخص مريض على السرير في المستشفى يقوم بـ”الاستمناء” في حالة خاصة أيضا، إضافة إلى العديد من الحالات التي تناولتها الصحافة الوطنية سابقا.

“آشكاين ” ستحاول تناول هذه القضية من وجهة نظر اجتماعية وستحاول تسليط الضوء على بعض الجوانب النفسية والاجتماعية التي تجعل المتتبع المغربي ينصهر في مثل هذه السلوكيات لدرجة أنها أخذت الطابع المألوف، فأصبح المواطن يشاهد ويرى منتوجا إعلاميا إما عبارة عن صور أو فيديوهات، تخص أشخاصا أو ضحايا أو متهمين، بطريقة إعتيادية مألوفة، دون رد الإعتبار إلى الخصوصية النفسية والإجتماعية للتأثيرات السلبية، التي يمكن أن يسببها هذا المنتوج على صاحبها.

لماذا نشارك حياتنا الخاصة في فضاء افتراضي مفتوح ؟

“آشكاين” طرحت هذا السؤال على الدكتور والمحلل النفسي والاجتماعي محسن بنزاكور حيث يرى :”أن هذا السؤال هو المنطلق الأساسي في الإجابة عن القضية بصفة عامة، لماذا نشارك حياتنا الخاصة في فضاء عام ؟”، ويقول “إنه لفهم هذه المسألة يجب طرحها على عدة مستويات أولا : أن مجتمعاتنا تعطي قيمة أكثر للشخصية المشهورة والتي لها جمهور افتراضي كبير على الوسائط، وبالتالي فإذا شارك حياته الخاصة يسهل على نفسه الوصول  إلى هذه المرتبة بسرعة فائقة، ثانيا : فهو يبحث عن الاعتراف، فالإنسان بصفة عامة لا يمكن أن يجد توازنه النفسي وثقته بنفسه إلا من خلال الاعتراف، وبما أن الاتصال المباشر في مجتمعنا أصبح فيه الاعتراف مغيبا أصبحت وسائط التواصل الاجتماعي بوابة لهذا الاعتراف ”، حسب بنزاكور .

أما العامل الثالث، وهو الأخطر حسب المتحدث فهو :” الفضول أي أن يجد لنفسه صورة مثالية، تخالف تلك التي يبحث عنها، بمعنى أن مشاهدته للحياة الخاصة للآخر ليس من أجل الاستكشاف والاستفادة بقدر ما يجد فيه  ثغرات، تجعل منه يعتبر نفسه أسمى من هذا الآخر أو مما رآه”.

وعن الحدود الزمكانية لمفهوم الحياة الخاصة، يقول المحلل النفسي والاجتماعي : “إن الحياة الخاصة إجتماعيا تبدأ في اللحظة التي أقرر فيها أنا كذات تصنيف مسألة معينة مسألة خاصة، إما أن أكون في مكتبي أو أكون في غرفتي أو في منزلي أو حيثما اخترت أن يكون عالمي الخاص، وبالتالي فكل اقتحام لهذا المجال يعتبر مسا بالحياة الخاصة “.

واستدرك المحلل ذاته أن: ” الإشكال لا يتعلق بفهم بعض المغاربة للحياة الخاصة، وإنما حينما يقررون تحويل حياتهم من خاصة إلى عام ، هنا يكمن الخلل، فالصحافي مثلا أو المسؤول عن نقل أو نشر تفاصيل الحياة الخاصة محكوم بالقانون ، بالرغم من بعض التجاوزات، إلا أن الأمر لا يمكن أن يصل لدرجة ما ينقل على وسائط التواصل الاجتماعي، والحالات التي سبق وأن ذكرناها هي مثال حي على عدم احترام الحياة الخاصة “، حسب بنزاكور.

ويختم المتحدث كلامه بأنه” عندما يقرر الشخص تحويل حياته من العامة إلى الخاصة، يفتح الباب بمصراعيه للجريمة، بكل أصنافها، فالمراهقون مثلا، حينما يقومون بمثل هذه الأفعال  هم غير مسؤولين قانونيا لكن مع الأسف يسقطون في الابتزاز الجنسي  والتحرش والتشهير، إلى غير ذلك من الجرائم كما أن عدم التمييز بين الحياة الخاصة والعامة، من شأنه التسبب في مجموعة من الأمراض النفسية والجنسية للأفراد ” .

هل نحن أمام انفصام بين شخصية واقعية وأخرى افتراضية؟

وللبحث في مدى واقعية هذا الإشكال، “آشكاين ” حاولت استمالة رأي بعض النشطاء في وسائط التواصل الإجتماعي وتفاعلت مع مجموعة منهم حول هذا الموضوع، حيث أيد أغلبهم فكرة أن المواقع الإجتماعية تساعد على خلق شخصيتين ونوعين من الخصوصية، الأول افتراضي ومتاح، والثاني واقعي وعليه تحفظات.

أحمد العلمي، طالب في مجال الصحافة، يقول لـ”آشكاين”،  “أنا أحتفظ بمعلوماتي الشخصية بعيدا عن وسائل التواصل الاجتماعي، فأستخدم اسما مستعارا لأنني أحس بحرية التعبير أكثر عندما تكون شخصيتي مجهولة”، مضيفا “أن وسائل التواصل الاجتماعي بطبيعة الحال لا تعكس واقع الشخص الحقيقي، لأننا ننتقي المعلومات التي نشاركها والتي نخفيها. نعم، لم يعد هناك اهتمام بالخصوصية كما في الماضي، لكن لازلنا نجد أن هناك اهتماما كبيرا في هذا المجتمع على المعلومات التي نقوم بمشاركتها والتي نحتفظ بها”.

أما محمد عادل، وهو طالب باحث في سلك الدكتوراه ، يعتقد أن ” وسائل التواصل الاجتماعي  قامت بزيادة حرصنا على خصوصيتنا وليس العكس، ففي الوقت الذي أصبح الناس فيه أكثر انفتاحا على مواقع التواصل الاجتماعي، باتوا أكثر تحفظا في الحياة الواقعية على خصوصياتهم وأصبحوا إنفراديين أكثر”، مضيفا ” أنه في زمن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، كل يوم يخبئ تقنية وبرنامجا جديدا يدخل على حياتنا ويؤثر في تفاصيل يومنا”، وتسائل محمد:  “هل سنهجر خصوصيتنا أكثر فأكثر مع مرور الزمن لتصبح طي النسيان، أم هل ما نمر به من قلة اهتمام بالخصوصية هو مجرد صيحة جديدة لها تاريخ نهاية الصلاحية؟ والسنوات القادمة تحمل إجابات وافية لهذه التساؤلات “، حسب المتتبع الذي تحدث لـ”آشكاين”.

الحياة الخاصة سلاح للاغتيال المعنوي :

الحق في احترام الحياة الخاصة، هو حق من حقوق الإنسان الكبرى، ودور الدولة في هذا الصدد يكمن في الالتزام بسن قوانين، عن طريق السلطات القضائية والتشريعية والإدارية، لحماية و حفظ هذا الحق، واستنادا على هذه المبادئ، “آشكاين ” طرحت الموضوع على الناشطة الحقوقية ورئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سابقا، خديجة الرياضي، التي اعتبرت أن “هذا الأمر أصبح غير كافٍ وغير مؤطر بكيفية كاملة وصحيحة في المغرب “، وقالت: “إن السلطات نفسها هي من تخرق هذا الحق عن طريق خلقها لمنابر ووسائط هدفها النبش في الحياة الخاصة للنشطاء والمعارضين، ومحاولة تسويد صورتهم والمس بمصداقيتهم، فالسلطة التي يتوجب عليها في إطار التزاماتها في مجال حقوق الإنسان، تربية المغاربة على احترام الخصوصية والحق في الحياة الخاصة، هي أول من ينتهك هذا الحق “، حسب تعبير الرياضي.

المتحدثة، عزت أيضا تدني مستوى الوعي بهذا الحق الذي اعتبرته من حقوق الإنسان الكبرى، إلى غياب الإرادة السياسية للدولة، في تكريس الحق في الحياة الخاصة، وأكدت “بأنه حتى القضاء لا ينصف المتضررين من النبش في الحياة الخاصة”، موضحة  ” أن الجمعية التي كانت ترأسها دائما ما تمنع أنشطتها الموجهة للتربية على الحقوق، بخلاف التقارير والبلاغات التي تصدرها، فالدولة تخاف من تربية الأجيال على احترام الحياة الخاصة للآخرين لأنها سلاحها الوحيد لتشويه معارضيها ومنتقديها “. حسب الرياضي.

وفي نفس الإطار، حاولت “آشكاين” الوصول إلى وجهة نظر رسمية للتعليق على هذه الظاهرة غير أنه تعذر ذلك، رغم المحاولات العديدة التي تمت مباشرتها مع عدد من المسؤولين المعنيين في قطاعات ذات صلة بهذا الموضوع.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x