2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

ليست كرة القدم النسوية اليوم مجرد واجهة رياضية تزين المشهد الكروي المغربي، بل تحولت إلى ورش استراتيجي يعكس عمق التحول الذي يقوده فوزي لقجع على مستوى تدبير الشأن الرياضي. فقد انتقلت هذه الرياضة، التي طالما وضعت في الهامش، إلى صدارة الاهتمام الوطني والدولي، بفضل رؤية واضحة، وتخطيط محكم، واستثمار ذكي في الطاقات النسوية.
ولعل ما شهدناه مؤخرا في نهائي كأس الأمم الإفريقية للسيدات أكبر دليل على نضج هذا المشروع. فقد قدم المنتخب المغربي اداء راقيا ومشرفا أمام منتخب نيجيريا، الأكثر تتويجا قاريا، وكاد أن يحرز اللقب لولا أخطاء تحكيمية فادحة حرمت لبؤات الأطلس من التتويج التاريخي. ومع ذلك، خرج المنتخب مرفوع الرأس، بعد أن رسخ مكانته بين كبار القارة، وأكد أن المغرب لم يعد مجرد مشارك، بل منافس حقيقي على الألقاب.
هذا التألق لم يكن ليحدث لولا مجهودات جبارة بذلتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بقيادة فوزي لقجع، الذي جعل من تطوير كرة القدم النسوية خيارا استراتيجيا، لا ترفا سياسيا ولا استجابة ظرفية. فقد أطلقت برامج تكوين غير مسبوقة، ووفرت بنية احترافية لفرق البطولة الوطنية، واستثمر في العنصر البشري من لاعبات ومدربات وأطر تقنية وتحكيمية.
إلى جانب ذلك، نجح لقجع في جعل المغرب محطة قارية لتنظيم كبريات التظاهرات النسوية، من تنظيم كأس إفريقيا للسيدات، إلى استقبال البطولات والمنتخبات الدولية، وصولاً إلى التحضير لاحتضان تظاهرات كروية نسوية إلى غاية 2030، بفضل ثقة الاتحادين الدولي والإفريقي في البنية التحتية المغربية وقدراتها التنظيمية.
لكن ما هو أهم من كل ذلك، أن المشروع يحمل في طياته أبعادا اجتماعية وتنموية عميقة، تتجاوز حدود الملاعب. فالكرة النسوية أصبحت اليوم مدخلا لتمكين الفتيات، ومحاربة الهشاشة، وربط الرياضة بالتعليم، وفتح آفاق جديدة للجيل النسوي الصاعد في القرى والمدن.
وفي خطوة أكثر طموحا، يضع المغرب نصب عينيه هدفا استراتيجيا يتمثل في الترشح لاحتضان كأس العالم للسيدات لعام 2035، وهو رهان يعكس الرغبة الواضحة في ترسيخ موقع المملكة كقطب عالمي لكرة القدم النسوية، ليس فقط في مستوى التنظيم، بل أيضا في مستوى التنافس على أعلى المستويات. هذا الطموح، الذي يندرج في إطار الرؤية الملكية لتعزيز صورة المغرب كوجهة رياضية عالمية، سيكون تتويجا طبيعيا لمسار طويل من العمل الجاد والتراكم المؤسساتي، بقيادة لقجع وفريقه.
ولا يمكن الحديث عن هذا المسار دون التوقف عند المكسب الاستراتيجي المتمثل في تنظيم المغرب المشترك لكأس العالم 2030 للرجال إلى جانب إسبانيا والبرتغال، وهو حدث تاريخي جعل من المغرب ورشا مفتوحا لتحديث شامل للبنية التحتية الرياضية والتنموية، التي باتت اليوم في مراحلها النهائية. فقد تم بالفعل إنجاز وتطوير عدد من الملاعب والمرافق وفق أعلى المعايير الدولية، بما يعزز مكانة المملكة كقوة كروية عالمية. هذا التحول لا يقتصر على كرة القدم الرجالية، بل انعكس ايجابا على الكرة النسوية، من خلال توفير تجهيزات احترافية، وتوسيع الاستثمارات، وتحفيز اهتمام إعلامي ورعاية أكبر للمنتخبات النسوية. كما يشكل ذلك نموذجا عمليا لتجربة تنظيمية متقدمة يمكن استثمارها لاحتضان كبرى التظاهرات النسوية، ضمن رؤية مندمجة تجعل من الرياضة رافعة للتنمية الشاملة.
في خضم هذا المسار، قد لا تكون الكأس قد عانقت المغرب هذه المرة، لكن الإنجاز الحقيقي تحقق بالفعل.. لقد ربحنا احترام العالم، وكتبنا صفحة جديدة في تاريخ الرياضة النسوية بإرادة جماعية ورؤية قيادية.
وإذا كان الحاضر قد أنصف هذه الرؤية الطموحة، فإن المستقبل يبدو أكثر وعدا تحت إشراف قيادة رياضية تؤمن بأن التميز لا يمنح، بل ينتزع بالمثابرة والبصيرة. وفوزي لقجع، بما راكمه من تجربة وجرأة في اتخاذ القرار، يقدم اليوم نموذجا لمسؤول لا يكتفي بإدارة الحاضر، بل يصنع المستقبل. وهو ما يمنح كرة القدم النسوية المغربية كل مقومات التألق الإقليمي والعالمي في قادم السنوات.