لماذا وإلى أين ؟

التوجيه المدرسي “أدبي أو عِلمي”، يا له من زلل!

و يستمر التعليم في أخطائه ليرتكب هفوة عظيمة من خلال مطالبة المراهقين باختيار التوجه العلمي أو الأدبي. و يلد هذا التوجه نوعين من العقول، من ناحية الأدبي ومن ناحية أخرى العلمي.

يُرسِّخ هذا الخطأ في أذهان المعلمين وأولياء الأمور والتلاميذ، قناعات خاطئة تماما: من ناحية، الدماغ الأدبي لا يمكنه أن يكون علمياً في أي حال، ومن ناحية أخرى لا يمكن للدماغ الأدبي أن يكون علميًا كذلك. كما لو أن الإنسان يولَد بعقل علمي أو أدبي منذ البداية!

وقد أدى هذا الاقتناع إلى أضرار بالغة لمستقبل التلاميذ. والأكثر خطورة، أنه أدى إلى الفصل بين التلاميذ (علمي، أدبي) بإملاء طريق كل تلميذ رغما عنه. أيضا، حرم هذا الاقتناع التلميذ العلمي من اكتساب المعرفة في العلوم الأدبية والفلسفية والفنية. وبالتالي، لقد أنتج هذا التوجيه المجرم، أدمغة علمية جامدة و روبوتية، دون تطوير حب الطبيعة والإنسانية. ولقد أنتجت هذه العقول العلمية العمياء في نهاية المطاف، متطرفين ومتعصبين وإرهابيين يخترعون كل ما يدمر الإنسان والطبيعة. والأخطر من ذلك، أن زلل هذا التوجيه جعل الأدبيين يُنظر إليهم وكأنهم ناقصين عقلا “الأدبي مْكْلّْخْ”، بينما نجدهم الأكثر فائدة للبشرية وللبيئة!

عند الولادة لا نجد عقلاً علميًا ولا أدبيًا، بل نجد العقل منذ نشأته يميل إلى حب المعرفة التي تشمل جميع العلوم العلمية والأدبية والفنية. صحيح أننا نجد دماغًا يميل أكثر إلى العلوم أو الآداب أو الفنون، ولكن هذا لا يعني على أي حال أنه علمي أو أدبي!

زلقة التوجيه هذه، أقنعت المعلمين والآباء والتلاميذ بأن تشخيص الدماغ الأدبي يحصل عندما لا يستطيع فهم وإتقان الرياضيات مثلا وهذا يبرر النقط السيئة “مَعْنْديشْ مْعَ الماطْ أو مَكَيْدْخْليشْ الفيزيك فْرّاسْ”. والعكس صحيح أيضًا بالنسبة للدماغ المحدد للنوع العلمي ” مَعْنْديشْ مْعَ الْحْفاظَة”. يا لها من كبوة!

وهذا الحكم التوجيهي، من أفضل الطرق لسجن دماغ التلميذ المراهق في صندوق محدد مسبقًا، علمي أو أدبي!

يتمتع الدماغ عند الولادة بمهارات مذهلة، ودور التعليم هو مرافقته للكشف وتطوير كل مهاراته وتوجيهاته التي لا يمكن القيام بها إلا في الباكالوريا. في هذه المرحلة العمرية، يصبح التلميذ على دراية بجميع العلوم والآداب والفنون ويمكنه تحديد اتجاهه وفقًا لما يميل إليه وما يُشعره بالفرح والسعادة.

كيف للتعليم أن يطلب من مراهق لم يبلغ بعد سن السادسة عشر، أن يقرر مصيره ويختار توجهه (علمي أو أدبي) المبني على أحكام مسبقة على نوعية دماغه ويقوم حينئذ بتخدير جزءٍ من دماغه لكي يصبح أدبي أو علمي؟ إنه هراء جميل لنظام التوجيه المدرسي!

*دكتور خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي

*إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

3 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
قبلي
المعلق(ة)
26 أبريل 2019 11:37

صحيح، ليس هناك فصل في عقل الإنسان بين العقل العلمي و العقل الأدبي، العقل آلة تعقل الأشياء التي تدبرها و تمحصها وفق منهج يفرضه العلم نفسه عند الدراسة، و كثرة الاشتغال بعلم من العلوم هو الذي يولد التخصص، لكن أن يكون هذا التخصص حاجزا إلى الأبد عن الاطلاع عن ما أنجزه هذا العقل البشري في مجال العلم أو الآداب فهذا محله مزبلة التاريخ. كل شيء في تعليمنا محله مزبلة التاريخ من أجل إعادة بنائه على ما يفتح هذه الذات البشرية على كل الإمكانات.

rachidoc1
المعلق(ة)
25 أبريل 2019 23:28

متفق معك في هذه الرؤية، لقد كِدت أن أختار الشعبة الأدبية لولا أبي (رحمه الله) الذي نصحني بالعكس.
أنا الآن طبيب في بلدتي و أهتمّ بالمواضيع الأدبية.

حماد
المعلق(ة)
25 أبريل 2019 15:51

ما هو علمي وغير علمي لا يحدد بالموضوع او المادة…..بل يحدد بالمنهج المستعمل في دراسة الموضوع…..
هذا التميز اصلا غير علمي….وغير منطقي ولا تربوي

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

3
0
أضف تعليقكx
()
x