لماذا وإلى أين ؟

حكايات تزمامارت.. “مون أجودان شاف دعي معانا فالحج نخرجو من هاد المصيبة” (الحلقة 12)

تفاصيل الموت البطيء والنجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو  (كان برتبة رقيب ميكانيكي متخصص في الذخيرة) الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو  الذي كُتب له العيش بعد قضائه 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. في هذه الحلقات سنتذكر معه ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر  إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..

في غمرة الانفراج بفضل تدخل زوجة الطويل عبر عبد العالي الصفريوي عن رغبته في الاتصال بعائلته عن طريق الحارس المقيت بوكبش، وقد حذرته شخصيا من خطورة محاولته لأن بوكبش لا ثقة فيه ولم تحرك حالتنا فيه ذرة إنسانية، لكنه غامر، فبدأ بالتقرب منه.

كم كان مفاجئا تمكن الصفريوي من كسب ثقة هذا الحارس الفض، فقد ربط الاتصال بعائلته، وعندما عاد من لقاء عائلته جلب له بعض الأغراض وحتى النقود أيضا.
لقد كانت مبادرة بوكبش بالاتصال بعائلة الصفريوي غريبة، فقد كان فضا معنا طيلة ما مر من سنوات ولم يشفق لحالنا، وما كان مثيرا هو أن بوكبش لم يكتف بقبول التوسط مع عائلة الصفريوي، بل ذهب إلى حد مطالبتنا بأن نفضح ما يجري عبر رسائلنا على أن يتكلف بإيصالها مهما كان، وأتذكر أنه قال للصفريوي بالحرف “إن ما يهمني هو فضح قضيتكم وأن أكون سببا في إخراجكم من هذا المأزق”، وهذا تغير كبير لم نكن لنتوقعه من هذا الشخص الذي كان سببا في موت الشجعي وزاد وضعنا تأزما بتعامله القبيح.

تأخر “السلك” في إعداد ملف الاستفادة من الحج داخل الأجل المحدد إلى أن جاءنا خبر لقائه ربه في السوق الأسبوعي لمدينة الريش

كنا نعنقد أنه ربما يريد التكفير عن سوئه وإيذائنا لنا، أو أنه غيّر رأيه بعدما لمس أنه هناك انفراجا وشيكا سيحدث. لكن اكتشفنا بعد خروجنا من تزمامارت سبب تبدله هذا، لقد كان حينها بصدد بناء منزل في مدينة الريش وبالتالي توجب عليه توفير المال المطلوب لذلك، أي أنه لم يفعل ذلك رأفة إشفاقا على حالنا وعاد لصوابه بل ليقضي حاجته.

أما الحارس المقيت بندريس فلم يتغير كثيرا في معاملته معنا. في ذلك الوقت كان كثير التغيب، قيل لنا إن السبب هو إصابته بمرض عضال. لعله كان لا يغفل الانفراج الذي بدأ يلوح. وما بقي عالقا في ذاكرتي أنه ذات يوم ولج العنبر الأول وعلى غير عادته كان منشرحا ولم نر ذلك الوجه العبوس المتجهم الذي ألفناه، وبدأ يتجاذب الحديث مع بعض المعتقلين، وحينما غادر رفقة الحراس علمنا من صالح حشاد أن بندريس كان مسرورا وأسر له بأنه سيسافر لأداء مناسك الحج عن طريق القرعة، طالبا منه أن ندعو له بأن يتم مسعاه بسلام!

في اليوم الموالي عندما فتح الباب على حشاد لتزويده بالماء والأكل، تودد الأخير إليه واقترب منه يهنئه مرة أخرى قائلا له “مون أجودان شاف دعي معانا فالحج نخرجو من هاد المصيبة”، وكان حشاد يبتغي من ذلك الإبقاء على الباب مفتوحا قدر ما يسمح به الوقت ليدخل إلى رأيته ما بقي من هواء نقي، لكن بقي الشر غالبا على بندريس المقيت رغم أنه كان في صدد الذهاب إلى الديار المقدسة طالبا المغفرة ومحو ما تقدم من ذنوبه وما تأخر منها، فدفع حشاد بعنف إلى داخل زنزانته وأوصد الباب قائلا له “إوا حتى نمشي بعدا”. وكأنه كان يعلم أن القدر لن يكتب له أن يطأ ذلك المكان الطاهر وهو الملوث والمطلي بعذابنا، إذ تأخر “السلك” في إعداد ملف الاستفادة من الحج داخل الأجل المحدد، إلى أن جاءنا خبر لقائه ربه في السوق الأسبوعي لمدينة الريش حيث سقط فوق كومة طماطم.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x