2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
حكايات تازمامرت.. “قول عاش الملك أولا نرجعك للحبس هاهما حوايجك مزالين هنا” (الحلقة 16)

تفاصيل الموت البطيء والنجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو (كان برتبة رقيب ميكانيكي متخصص في الذخيرة) الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو الذي كُتب له العيش بعد قضائه أكثر من 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. في هذه الحلقات سنتذكر معه ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..
بعد المسيرة الشاقة المجهولة الوجهة، وقفت بنا الشاحنات وشرع الدركيون في إنزالنا واحدا واحدا، بالطريقة الخشنة نفسها، مصفدين ومعصبي الأعين. تلمست طريقي بساقي الواهنتين وصعدت درجا إلى أن وجدت نفسي في غرفة.
أخيرا ولثاني مرة طيلة 18 سنة من العتمة والسواد أبصرت عيناي الغائرتان نورا لم تستطع تحمل ضوئه للوهلة الأولى قبل أن تتعودا شيئا فشيئا.
لا أعرف إن كانت الغرفة فسيحة بهية بأثاث وتير ومرتب ومرحاض نظيف أم أن أنسة الضيق والظلام والمصطبة الإسمنتية جعلتني أراها كذلك. كان فيها سريران ومائدة وكراس، بشكل يوحي بأنها غرفة فندق قبل أن يقول لي صوت إني داخل مستشفى.
بقيت جالسا في مكاني بلا حراك. لاح أمامي بصيص أمل على الأقل بعد الذي وجدته أمامي في هذا المكان الذي سأقبل العيش فيه ما تبقى من حياتي مهما كان مصيري. بعد برهة ولج الغرفة شخص يرتدي بذلة بيضاء وأقبل عليّ حاملا معه طبق وجبة الغذاء وهو يبتسم في وجهي، قدم نفسه بلباقة على أنه طبيب. كان الطبق كالذي تقدمه الفنادق المصنفة من 5 نجوم، أو على الأقل ذلك ما خيل لي فقد طبعت معدتي مع بضع حبات من العدس واللوبيا والحساء والماء حتى صار لكل الأطعمة مذاق ورائحة.
بصعوبة أكلت نزرا قليلا من وجبة الغذاء التي قدمت إلي، فقد أحسست بأن حجم معدتي وأمعائي تقلص ولم تتحمل كمية تزيد عن الفتات الذي اعتدته في تزمامارت. بعد برهة دخل علي دركيان أنيطت بهما مهمة تنظيفي، كان باديا عليهما التقزز وعدم الرضى عن مهمتهم، إذ وجدا أمامهما كتلة من العظام الوسخة كان يتوجب تركها ترقد في الماء لأيام قبل أن تنظف، وشرعا في غسلي ودغدغة عظامي بصابون وماء دافئ أحسست بكل قطراته. لا أعرف هل كان ذلك “الدوش” كافيا لـ”اجتثاث” ركامات السنين لكن جعلني أحس بعظامي قد خفت وعدت إنسانا.
ليلتي الأولى بعد تزمامرت
انتابتني كوابيس لم تترك لي مجالا لكي أستمتع على الأقل تلك الليلة بدفء ورطوبة السرير ونعومة الأغطية والمخدة، بعد سنين من النوم على إسمنت خشن والالتحاف بأقمشة بالية نتنة. حتى الشك والحيرة ظلا يلازماني تلك الليلة، رغم “الرفاهية” التي تمتعت بها، فقد صاحبت ليلتي تلك عشرات الأسئلة، ماذا بعد هذا؟ هل يفعلون كل هذا إعدادا لمعاناة أخرى؟ إلى هنا لم أر أيا من أصدقائي الآخرين الذين كانوا بدورهم موزعين في غرف.
في اليوم الثاني ها هو فضول المشؤوم يلج الغرفة وبرفقته أشخاص ببذل بيضاء وقدمهم لي على أنهم أطباء، وخاطبني “سيدنا أصدر عفوا عنك، وأنت هنا في المستشفى لتلقي العلاج قبل أن تعود إلى ذويك”، لم أجبه ولم أبد رد فعل، فقط صمت وبقيت أحملق فيه، فردد ما قاله لي وفي محياه علامات غضب، فبقيت صامتا لا أتكلم، فانفجر في وجهي قائلا “صافي ماعندك ماتقول”، وخرج غاضبا رفقة طاقمه. لكنه سرعان ما عاد برفقة دركيين هذه المرة، فتوجه بالكلام لأحدهما مهددا بإرجاعي إلى تزمامارت “هذا راسو قاصح جيبو ليه بذلة الزنزانة رقم خمسة”، وأكمل قائلا “إلى مابغيتيش تحشم غادي نرجعك للزنزانة ديالك هاهما حوايجك هنا”. فقط لأني لم أقل “عاش سيدنا” عندما أخبرني بأن عفوا ملكيا صدر في حقي. وقد كانت هذه الواقعة هي سبب العداء الذي بقي يكنه لي وهو يوصلني إلى المنزل.
ولمذا قرأته هل انت مكره حتى تقرأه.
مقال يتيم لا يستحق للقراءة
GOUL LINA CHKOUN HOWA, DKAR LINA
ISMAHO,
NOURID NAARIFAHO.
WA TARIKH YOUDAEINOHO