لماذا وإلى أين ؟

تزمامرت.. حين كاد طبيب أن يلتقط أول صورة لمعتقل قبل عودته لذويه معصوب العينين (الحلقة 18)

تفاصيل الموت البطيء والنجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو  (كان برتبة رقيب ميكانيكي متخصص في الذخيرة) الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو  الذي كُتب له العيش بعد قضائه أكثر من 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. في هذه الحلقات سنتذكر معه ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر  إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..

 

بعد خروجي بعثني المعتقل السياسي والمناضل في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بنعبد السلام عبد الإله، إلى كلية الطب بالرباط لأعرض أسناني على الأستاذ الطبيب عمر بنعمار، وهو أيضا مناضل في الجمعية المغربية نفسها. لم أجده حينها في مكتبه لكن كان هناك طبيب برتبة رقيب في القوات المسلحة الملكية، سرعان ما تعرفت عليه، وهو أيضا تعرف عليّ، فهو الذي كان يحاول الاقتراب مني لكن دركيا منه.

قال لي إنه كان آنذاك يحاول أن يلتقط لي صورة، يريد أن يوثّق حالتي المزرية التي كنت عليها. أخبرني أن الأطباء كانوا تحت أوامر الدرك الملكي بعدم الاقتراب منا والاكتفاء بمداواتنا، ولعل الطريقة التي نهره بها ذلك الدركي تعكس الأوامر الصارمة التي تلقوها بدورهم إذ تجرأ رغم أنه كان أقل منه رتبة، أي أننا كنا مانزال مسجونين في المستشفى.

وفي غمرة حديثنا في العيادة بعد خروجي عرض عليّ أن أتوجه إليه في المستشفى العسكري في الرباط لترميم أسناني وحددنا موعدا كل يوم أربعاء. فعلا قصدت مرتين واعتنى بأسناني، لكن في المرة الثالثة استقبلني على غير عادته وهو مرتبك، استفرد بي في ركن وأخبرني أنه علي أن أقصده في كلية الطب وليس هنا في المستشفى، مبررا ذلك بأن خبر استقباله لمعتقل سابق من تزمامارت شاع، وهذا ما شكل له حرجا.

عودة للمستشفى، لم يتحمل جسمي أشعة الشمس، فبقدر ما كان محتاجا لطاقتها لتشحنه لم يستطع تحمل قرصاتها لأنه أنس الظل الدامس هناك في تزمامرت، لدرجة كنت أحس بالدوران حين تلامسني، وكذلك كان الأمر مع أصدقائي، فلزمنا غرفنا الظليلة.

أتذكر أن فضول ولج غرفتي ذات يوم، ومرة أخرى بعنجهيته المعهودة استفسرني عن عدم إتمام أطباق الأكل التي توضع أمامي، لم يزل غير مصدق أني آكل ما استعطت وشك في أني أمانع عنوة، وليدفعني إلى الإقبال على الأكل مادام هدفه هو تسميننا وتغليف عظامنا باللحم قبل العدوة إلى أهلنا، أخبرني أن من زاد وزنه يغادر على الفور إلى ذويه. وبالرغم من ذلك كنت من بين آخر من غادروا المستشفى.

استمر ترميمنا أياما إلى أن جاء دور الخياط، كي تُغلف أجسادنا النحيلة بلباس، لذلك أتى ليأخذ مقاساتي التي بها سيخيط بذلة مدنية. مع مرور الأيام يكبر بصيص الأمل، وبدأت الحرية تلوح لي من بعيد وهي تقترب، إلى أن دنت ذات يوم عندما أخبرني فضول أني سأغادر. بالرغم من ذلك غادرت كما لو أني أُختطف، إذ لم تتغير الأمور ولم يقطعوا مع عهد الترويع والترهيب والسرية واللاإنساينة…

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
حفيظ
المعلق(ة)
25 مايو 2019 22:18

المغاربة واعرين مع بعضباتهم دراوش و فيران مع البراني

Aadouch
المعلق(ة)
25 مايو 2019 20:59

ربط الحلقات 1 إلى 6 شكرا

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x