لماذا وإلى أين ؟

حكايات تازمامرت.. تركت أمي وفي عمري 25 سنة وعدت إليها وأنا في سن 45 عاما (الحلقة 19)

تفاصيل الموت البطيء والنجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو  (كان برتبة رقيب ميكانيكي متخصص في الذخيرة) الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو  الذي كُتب له العيش بعد قضائه أكثر من 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. في هذه الحلقات سنتذكر معه ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر  إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..

 

أخبرني فضول أني سأغادر. بالرغم من ذلك غادرت كما لو أني أُختطف، إذ لم تتغير الأمور ولم يقطعوا مع عهد الترويع والترهيب والسرية واللاإنساينة…

 

محاطا بدركيين انطلقت بنا سيارة إلى وجهة ما، بلا أكل ولا شرب منذ غادرنا المستشفى على الساعة الرابعة صباحا. كنت أجهل إلى أين سنسير لذلك أصخت السمع لأعرف ما كان يدور في محادثات عناصر الأمن، اكتشفت أنني على متن سيارة تابعة لجهاز الدرك الملكي. بعد برهة جاء صوت من وراء الهاتف، كان المتحدث يستفسر عناصر الدرك عن مكاننا، عندما انتهت المكالمة علمت من الكلام الذي دار بينهم أن المخاطب كان عامل الخميسات.
إلى حدود هذه اللحظة كنت جاهلا وجهتنا وأين وصلت بنا السيارة. في لحظة سمعت دركيا يحدث زميله، سأله مستغربا عما إذا كان شخص لمحله من داخل السيارة مايزال في “سيدي يحيى”، لأكتشف موقعنا أخيرا.

عندما علمت أننا في سيدي يحيى أدركت أنه لم يتبق أمامي إلا 30 كيلومترات عن أهلي. كيلومترات قليلة بعد وسأعانق والدتي وأرتمي في حضنها بعدما غبت عنها قسرا لمدة 18 سنة، لكن إن كانت ماتزال على قيد الحياة، فطيلة هذه السنوات لم تصلني أخبارها، حتى الرسالة التي بعثتها إليها لم يصلني ردها. تسارعت دقات قلبي والسيارة تلتهم الطريق، أسئلة كثيرة نزلت علي، هل سأجد أمي، كيف سألتقيها وبأي حال هذه عدت إليها، وكيف سيكون رد فعلها بعد أن ترى ابنها الذي غادرها وهو في الخامسة والعشرين من عمره وها هوا سيمثل أمامها رجلا ذو خمسة وأربعين سنة. ورغم ذلك غلب عليّ الإجهاد والتعب فسقط رأسي على كتف دركي لأسرق لحظة قصيرة أستريح فيها، لكن هيهات، نهرني وقال لي بالحرف “تكعد” ودفعني، كيف له أن ينظر إلى حالي وقد شحنه فضول ضدي.

أخيرا ركنت السيارة، أخرجوني منها وساروا بي أمتارا قليلة، نزعوا عني الجلباب العسكري فوجدت نفسي أمام دركي برتبة رائد. كنا جميعا أمام مقر قيادة الدرك الملكي لسيدي بطاش. لم ينس الحراس ما أوصاهم به فضول فأخبر دركي الرائد بأن “راسي قاسح” فضحك الأخير غير مستسيغ لهذه الوصية بينما الماثل أمامه مصدوم لا يعي أين هو، فمد يده إلي ليصافحني وقال لي مرحبا بك إنك في بلدتك سيدي بطاش. سألني إن كنت قد تعرفت عليها فالتفتت من حولي ولم أر إلا الخلاء وأخبرته أني لم أحدد مكاني، قال لي إني سأتعرف عليه قبل أن يسأل الحراس إن كانوا قد أخبروا والدتي بقدومي وهل هي في انتظاري. أخبروه بأنها موجودة في مدينة تمارة وأن صهري بوشعيب ذهب ليأتي بها. كانت تعلم بمغادرتي لتزمامارت قبل حوالي 15 يوما من قدومي. ما حصل أنهم أخبروها بأنهم سيرافقونني إلى تمارة لذلك ذهبت إلى هناك لتستقبلني. وكذلك فعلوا مع أختي في الرباط، فبقيت تنتظرني أيضا. لقد ظللوا عائلتي لكي لا أجدها مجتمعة حينا أصل البيت.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x