لماذا وإلى أين ؟

ما بعد تازمامرت.. مخبرون ومحققون في كل مكان وهواتف تتحرك لتنغص علينا حياتنا الجديدة (الحلقة 24)

تفاصيل الموت البطيء والنجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو  (كان برتبة رقيب ميكانيكي متخصص في الذخيرة) الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو  الذي كُتب له العيش بعد قضائه أكثر من 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. في هذه الحلقات سنتذكر معه ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر  إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..

 

في ما يخص تعامل الإعلام مع قضية الناجين من تزمامارت، احتضنتنا جريدة “المنظمة”، لسان حال حزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، والتي كان يديرها آنذاك بنسعيد أيت يدر، الذي كان له الفضل الكبير في إثارة قضيتنا تحت قبة البرلمان حين كنا مدفونين في تزمامارت، وحيدا من بين الأحزاب التي رفضت مناقشة القضية بمبرر الخوف من الوقوع في “مشاكل”! فأي مشاكل كان سيتسبب فيها التحرك لإنقاذ الأرواح المتبقية في ذلك الجحيم؟! لقد غامر بنسعيد فعلا في سبيل إنقاذنا وتعرض للتهديد جراء موقفه لكنه لم يتزعزع وبقي وفيا لمبادئه ودافع عن كرامة المواطن المغربي.

تحفظ ذاكرتي جيدا كيف أضحى مقر جريدة “المنظمة” كما لو أنه منزلنا، وتصادقنا مع صحافيي الجريدة ولم يترددوا في تقديم المساعدة عبر مقالات وبيانات تنديدية، كأحمد نشاطي وبرحو بوزياني ومصطفى روض وآخرين. لكن في مقابل هذا الدعم اللامشروط، لا أنفي وجود طرف آخر لم يعجبه الخط التحريري للجريدة التي كانت تدافع عنا، إلى حد وصفهم الجريدة بأنها “عسكرية”. لكن بنسعيد أيت يدر كان صارما في اعتبار الجريدة منبرا لكل أبناء الوطن عسكريين أو مدنيين.

لا أنسى أيضا دعم جريدة “الاتحاد الاشتراكي”، حيث كان كل من عبد القادر الشاوي ومحمد الأشعري وأحمد ويحمان يعبرون عن تضامنهم معنا وكانوا يحاولون قدر استطاعتهم تسليط الضوء على قضيتنا. وكذلك جريدة “النشرة” كانت متضامنة معنا.

مع مرور الأيام ستتوسع دائرة اتصالاتنا مع من كنا نرى أنهم سيدعمون نضالنا الفردي في سبيل الإنصاف في ظل تنكر الدولة. إذ ربطنا اتصالات مع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ومن خلالها اتسعت تحركاتنا، وانتهجنا أسلوبا آخر، حيث كان يتحتم علينا ربط الاتصال بضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي وعائلات الضحايا وأقاربهم في سبيل انتظام التواصل بين الضحايا والحركات الحقوقية، أي أنه كان من الطبيعي أن ينتظم الضحايا وأن يدفعوا بملفهم في ظل الإهمال التام لهم. هنا بدأنا نستفيد من علاجات طبية، وأنا شخصيا استفدت من عملية جراحية. كما شرعنا في تنظيم موائد مستديرة كنا من خلالها نعاود حكي قصصنا في ما بيننا ونعيد تصوير ما وقع ونعيشه ونتفاعل معه ونفسر ونربط بين الوقائع، وبالتالي كانت بمثابة علاج نفسي ومعنوي مهم جدا كنا في أمس الحاجة إليه.

سيرورة هذه المبادرات التي بدأت تترقى وتنضج أفكارا وأساليب جديدة أدت إلى إنشاء الجمعية الطبية، ثم لجنة العائلات التي سينشأ من خلالها المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، وكان أول من ترأسه إدريس بنزكري.

في ظل الحركية التي كانت ترسم طريقا بعيدا عن اللامبالاة والتحقير الذي ووجهنا به، جاءت فكرة عقد ندوة صحفية بمبادرة من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، احتضنها مقر المنظمة، وحضرتها الصحافة الدولية والوطنية وحتى دبلوماسيين من بعض السفارات، لكن قبل عقدها حدث تحركت الهواتف…

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x