لماذا وإلى أين ؟

نظام البيعة والولاءات داخل الأحزاب المغربية

“إذا أردت الوصول إلى مناصب المسؤولية داخل الأحزاب السياسية المغربية يجب عليك أن تكون من حواريي القيادة”، لازمة أصبح يرددها العديد من الشباب المنخرطين في أحزاب سياسية مغربية، والذين غالبا ما يبررون وصول أحد زملائهم إلى منصب ما بمدى قربه من الأمين العام أو رئيس الحزب أو لصلة قرابة تجمعه بأحد زعماء هذا الأخير.

فما مدى صحة هذا الطرح؟ وهل فعلا نظام البيعة والولاءات موجود داخل الأحزاب السياسية وهو المتحكم في الوصول إلى مناصب المسؤولية سواء داخل الحزب أو تلك التي يقترح لها هذا الأخير أشخاصا من داخله؟

تحول المؤتمرات إلى لحظة للبيعة

علاقة بالموضوع، يقول الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي المهتم بالشأن الحزبي، عمر الشرقاوي، “اليوم حول عدد من الأحزاب السياسية لحظة المؤتمرات إلى لحظة للبيعة وحفل ولاء للزعيم دون أن تتحول لحظة المؤتمرات إلى لحظة ديمقراطية لإعمال آليات الحداثة السياسية واحترام التداول على السلطة الحزبية وتوسيع دائرة النخب وضمان آليات للتنخيب والتجديد”.

ويرى الشرقاوي في حديث لـ”آشكاين”، أن قضية العلاقات التقليدية بصفة عامة داخل البنية الحزبية ليست بالأمر الجديد”، موضحا أن عددا من الباحثين والمفكرين “تحدثوا عن بنية الشيخ والمريد وبنية النظام الأبوي/الأب والأبناء داخل الحزب”، مؤكدا أن “فكرة التقليد دائما حاضرة في البنية الحزبية”.

ويضيف المتحدث نفسه أنه “كان يفترض التوجه نحو التحديث السياسي والديمقراطية وكل مفاهيم الحداثة السياسية وأن تتقلص رقعة الممارسات التقليدية داخل الأحزاب”، لكن “العكس هو الحاصل”، يؤكد الشرقاوي ويردف ” فهناك جنوح داخل الأحزاب السياسية حتى تلك التي تدعي نصيبا كبيرا من الحداثة إلى توظيف مفاهيم التقليد (البيعة والولاء) داخل الأحزاب السياسية ومنها مباركة الزعيم”، مشيرا إلى أن ” هذه العملية حدثت بشكل علني وضمني داخل عدد من الأحزاب كحزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي وكان هناك توجه لحزب العدالة والتنمية كذلك من أجل التمديد في عمر الزعيم، الأمر الذي خلق نقاشا كبيرا داخل هذا الحزب ( البجيدي) بين فكرة الشخص والمؤسسة وهي تعكس هذا النقاش”، حسب تعبير الشرقاوي.

مناصب إدماج الشباب والمرأة وتثبيت الزعيم

“فكرة خلق بعض المناصب التي تعطى فيها امتيازات للشباب كانت بغرض تحديث النظام السياسي ومحاولة إدماج بعض الفئات التي يفرض الواقع تهميشها مثل الشباب والمرأة”، يقول متحدث “آشكاين” ويضيف ” لكن هذه الفكرة الإيجابية تحولت من دوافعها الجميلة والجيدة إلى آليات لتثبيت الزعيم ومصدر لشرعية الزعيم لكونه يقرر من مِن شبابه ونسائه سيتحمل المسؤولية”، مشددا على أن “تأثير الزعيم يصبح مصدرا للحسم في مصير المريدين والأعضاء في المناصب العليا والانتخابية”.

وأبرز المتحدث نفسه أن “جزء من تضخم العائدات المالية في مجال السياسة له علاقة بالولاء للزعيم ولا يمكن أن يُوجد أحد من المنتخبين الذي لهم عدد كبير من التعويضات يُعارض الزعيم، ويظهر ذلك في حزب العدالة والتنمية إذ أن جزء كبيرا ممن كانوا يدافعون عن بنكيران هم من المستفيدين من التعويضات”.

الأحزاب بين المؤسسات والزعامات

أما ميلود بلقاضي، أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، فيرى أن ” المتأمل لتاريخ الأحزاب السياسية المغربية يقتنع أنها لا ترتبط بالمؤسسات وإنما ترتبط بالزعامات”، مشيرا إلى أن “مجموعة من علماء الاجتماع السياسي الفرنسيين وأيضا بعض المغاربة أكدوا على أن الوصول إلى الهياكل العليا للحزب لا تعتمد معايير الكفاءة والموضوعية والتراكمات النضالية وإنما تبنى وتعتمد على معايير الولاء والمحسوبية أو المشاركة في الارتشاء أو الفساد”.

ويعتبر بالقاضي في حديث لـ” آشكاين”، أن هذا الأمر من أهم القضايا المسيئة للأحزاب السياسية حتى في ظل القانون التنظيمي 11/29 لكون كثير منها مازالت تُدبَر وتُسَير على أساس الولاء إلى زعيم الحزب أكثر من الولاء للقوانين والدستور الذي سمى بالأحزاب السياسية إلى مؤسسات دستورية” .

ويشير المتحدث نفسه إلى أنه “من أبرز الكوارث أو الفضائح المرتكبة من طرف بعض المسؤولين الحكوميين تعود إلى مسألة غياب معايير موضوعية في اختيار المرشحين إلى بعض المناصب كيفما كانت”، مبينا أن ” اختيار المسؤولين عبر معايير غير موضوعية تكون لها نتائج وتداعيات كارثية، ليس على الأحزاب وفقط بل على الدولة ككل”، مبرزا (بالقاضي) أن “هذا الأمر يتعارض مع الخطابات الملكية ومع الدستور ومع القانون التنظيمي للأحزاب السياسية الذي وضِع لجعل الحزب مؤسسة وليس دكانا انتخابيا يستغله رئيس الحزب كما شاء”، مؤكدا أن “الدولة تتحمل المسؤولية في ذلك بصمتها على ممارسات بعض المسؤولين الحزبيين أو رؤساء الأحزاب السياسية الذين يتصرفون في الأحزاب وكأنها ضيعات خاصة بهم وليس مؤسسات خاضعة أولا للمراقبة وثانيا مدعومة بالمال العام”، معتبرا أن “كثيرا من المسؤولين السياسيين أصبحوا أغنياء بفضل استغلالهم لمناصبهم الحزبية”.

العلاقة بين المناضل والزعيم

“الخطير أن هذه العلاقة بين المناضل والزعيم تبرز بشكل مثير أثناء تشكيل الحكومة أو تشكيل الأغلبية البرلمانية أو في الانتخابات حيث يصبح الارتشاء من أهم الوسائل الموصلة للحكومة أو للبرلمان”، يقول بالقاضي الذي يعتبر أنه لتجاوز هذا الوضع المختل يجب على الدولة تطبيق القانون، لأن الفصل 7 من الدستور والمادة 2 من القانون التنظيمي للأحزاب واضحان بكون أن الأحزاب يجب أن تدبر بكيفية مؤسساتية وعلى أسس ديمقراطية، وأنه على الدولة أن تطالب الأحزاب السياسية باحترام أنظمتها الأساسية والداخلية وفي غياب هذه الصرامة ستبقى الأمور كما هي”.

وخلص بالقاضي إلى أن “الأحزاب السياسية المغربية مازالت تُدبر على شكل قبائل أو زوايا”، وأن ” المسؤول عن الزاوية أو القبيلة يدبر شؤونها بطرقه الخاصة ووفق مزاجه، فنفس الشيء ينطبق على الأحزاب السياسية التي مازالت بعيدة كل البعد عن الالتزام بالتدبير المؤسساتي المبني على الموضوعية والنزاهة الفكرية وعلى الشفافية والمردودية و الكفاءة”.
يتضح أن نظام الولاءت والبيعة راسخ من داخل بنية الأحزاب السياسية المغربية، وأنه يعيق دمقرطة هذه الأحزاب وبالتالي دمقرطة المشهد السياسي والعملية السياسية ككل وهو ما يعود سلبا على المجتمع عامة الأمر الذي يتطلب تدخلا عاجلا لوضع حد لهذا النظام الذي عشش طويلا من أجل مغرب ديمقراطي بمؤسسات حزبية ديمقراطية وحديثة.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x