لماذا وإلى أين ؟

أيّ حقّ يضيع حين تُحرم المرأة من المشاركة في السلطة؟

تطفو أسئلة كثيرة على السّطح مع حلول اليوم العالميّ للمرأة، في 8 آذار/ مارس من كلّ سنة. هذا اليوم، الذي يعدّ “احتفالًا للدلالة على الاحترام العامّ، وتقديراً وحباً للمرأة لإنجازاتها الاقتصاديّة، السياسيّة والاجتماعيّة”، وفقًا للتعريف الرّسميّ. هو أيضًا تذكير بواقع النساء في العالم، معاناتهن واضطهادهن المستمر في مجالات حياتيّة عديدة؛ خاصّة وعامّة، مع اختلاف الأماكن والظروف.

وعلى الرّغم من المجهود المستمر للتذكير بواقع النساء والحديث عنه دائمًا، علّ ذلك يساهم في تحسين ظروفهن/ ظروفنا، وبالرّغم من الإنجازات العديدة التي وصل إليها نضال النساء، سواء كان ذاتيًا أو جماعيًا، إلّا أنّه ما زال محدودًا، ويختلف من مكان إلى آخر. وفي حديثنا عن الواقع العربيّ اليوم، وفي ظلّ ما تمرّ به المنطقة سياسيًا، نحتاج أكثر مما مضى لمواصلة طرح قضايا النساء على الطاولات والمنصات المتنوعة، حتّى في دوائرنا الحياتيّة اليوميّة؛ الشخصيّة والمهنيّة، وذلك، وعلى وجه الخصوص، لأنّهن أوّل من يدفع الأثمان، في واقع يواصل اضطهادهن والتمييز ضدهن سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.

من ضمن هذه القضايا، هي المشاركة السياسيّة للنساء، بما في ذلك، تغييبهن عن مراكز صنع القرار؛ سياسيًا، اجتماعيًا، اقتصاديًا وثقافيًا، سواء في الأطر السياسيّة، التشريعيّة والقانونيّة وكذلك في مؤسّسات المجتمع المدنيّ، والمهن. بداية، أن هذا المقال لن يفصّل واقع كلّ دولة عربيّة إزاء واقع المرأة فيها ضمن التمثيل السياسيّ ومراكز صنع القرار، إنّما هو يعطي صورة عامّة للواقع العربيّ، الذي في غالبيته غير منصف للنساء، خاصّة في حديثنا عن أنظمة غير ديموقراطيّة وغير منصّفة لحقوق الإنسان عامّة. والجدير ذكره أيضًا، أنّ حضور المرأة مراكز صنع القرار والتمثيل السياسيّ في الدول والأنظمة التي تشكّل النساء فيها نسبة قليلة جدًا، هو بغالبيته العظمى حضور شكليّ ونسبته لا تصل إلى خمسين بالمئة، وفقًا لما يجب على الواقع المثاليّ أن يكون. وهذا بالطبع، ممتد من واقع النساء في مجتمعاتنا وغير مفصول عنه، كما وأنّه كيف يمكن أن يُتاح تمثيل سياسيّ للنساء ضمن أنظمة وقوانين لا تتيح للمرأة حقوقها على المستوى الفرديّ وضمن القوانين الأسريّة؟

في حديثنا عن التمثيل السياسيّ للنساء، لا نتحدث فقط عن المناصب القانونيّة والتشريعيّة، إنّما نتحدث أيضًا عن الحضور النسائيّ في الشوارع والميادين، ففي الفضاءات المسيطر عليها من قبل عقليات وأنظمة ذكوريّة، تقع النساء ضحيّة عملها السياسيّ؛ فأولى الانتقادات التي وُجهت إلى ميادين الثّورات العربيّة، كانت بوجه النساء، وأولى الأساليب لقمع أي حراك سياسيّ، كان بقمع النساء وخلق بيئات عنف ضدهن، من تحرّش واغتصاب جماعيّ، حتى من قبل رجال في السّلطة، هل نسينا كيف ضرب رجال العسكر الفتاة في ميدان التحرير وعرّوها؟ الفتاة التي عُرفت فيما بعد بـ “صاحبة الصدريّة الزرقاء. وكم العنف والكراهيّة الذي تعرضت له؟ فجاء الرّد عليه عبر منابر رسميّة أيضًا: “إيه اللي وداها هناك؟”.

مقطع الفيديو الذي انتشر هو عينة لما يمكن أن تمرّ به المرأة العربيّة، عندما تحاول أن تحارب دفاعاً عن حقها في أن تكون في مركز صنع القرار وتغيير سياسيّ واجتماعيّ، هو امتداد لصورة أوسع للواقع. فحتّى في حال وصول امرأة إلى مركز صنع قرار، أيًا كان، فنرى أن التعامل معها والنقد الموجّه ضدها (والنقد ضروري لأي صاحب/ة سلطة)، هو أبويّ وذكوريّ ومليء بالإهانات التي تخصّ كونها امرأة والاستهتار بقدراتها المهنيّة لأنها امرأة. تمامًا كما يشبه أي نقد يوجّه لامرأة سائقة سيارة: “فهي لا تعرف أن تقود السيارة لأنها امرأة!”.

من هذه الفكرة، تمتد أيضًا الأحكام التي تُفرض على النساء القائدات، سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا، بأن القيادة هي مركز “غير أنثويّ”، وأن النساء القائدات “يخسرن أنوثتهن” مع توليهن لمناصب سياسيّة وغيرها. بداية، لنتفق أن المعايير الجندريّة التي حددت ما هي الأنوثة، هي تمامًا ذات المعايير التي تعمل على التمييز ضد المرأة.

الأمر الثاني هو رؤية أن مناصب السلطة التي يجب أن تتولاها النساء، عليها أن تنحصر فقط في وظائف متعلّقة بالنساء مباشرةً، وعلى الرّغم من أهمية ذلك، لكنه ينطلق من مبدأ بأن النساء يفهمن فقط بما يخصهن كنساء. فالمرأة يجب أن تشغل منصب مؤسّسة نسائيّة، لكن القيادة الثقافيّة أو الاقتصاديّة ليس من شأنها، وعلى أيّة حال، فنحن نعيش في عقلية تؤمن أن تولي نساء لمناصب مهمّة لكونهن نساء فقط، وليس لكونهن يستحققن ذلك. أليس من كل هذا يتجسّد واقع التمثيل السياسيّ للمرأة؟.

بالعودة إلى التمثيل السياسيّ ومراكز صنع القرار، والتي كي تتحقق بشكل منصف، فهذا يحتاج إلى ثقافة ديموقراطيّة ونضال متواصل من أجل حقوق المرأة. لكن، هناك حلول مؤقتة اعتمدتها دول عديدة، بما في ذلك ألمانيا ودول إسكندنافية وغيرها، على مستوى التمثيل السياسيّ، إلّا وهي “الكوتا”. أي تخصيص قانونيّ لمقاعد النساء وضمان وجودهن في المجالس البلديّة والبرلمانات. الفكرة نابعة من أن المجتمعات غالبًا، تحتاج إلى سيرورة عمل طويلة لخلق جوّ ديموقراطيّ للتعامل المتساويّ بين المرأة والرجل. وبالتالي، هذا الحلّ المؤقت يضمن وصول عدد كبير من النساء إلى مراكز صنع القرار، وليس بالضرورة أن تكون نسائيّة فقط، بما في ذلك من تمييز إيجابيّ مبني على الإدراك بواقع المجتمعات تجاه المرأة، والإدراك أيضًا بوجود المرأة في السلطة كضرورة لتغييره.

حديثي عن السّلطة، يدور حول الفرص المتساويّة للنساء والرّجال، حيث يتحقق ذلك ضمن أنظمة ديموقراطيّة حقيقيّة تحترم الإنسان وحقوقه وتضمن كرامته. وبنفس الوقت، ضمن أجواء تتيح النقد تجاه هذه المراكز ومن يتولاها، سواء كانوا رجالًا أم نساء. لأنه بالطبع، وفي الحديث عن السّلطة، نتحدث عن الرّغبة بوجود رجال ونساء يقفون خلفها ممن يتحلّون ويعملون بالفعل ضمن معايير حقوق الإنسان، الديموقراطيّة، النسويّة، العدالة والحريّة، ويطبّقونها، في الشوارع كما في البرلمانات والقوانين.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x