لماذا وإلى أين ؟

السحيمي: لماذا الفرنسية تفرض نفسها في القانون الإطار على العربية والانجليزية؟

بعد المصادقة النهائية على مشروع القانون الإطار رقم 51/17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين في المغرب، في انتظار النشر بالجريدة الرسمية، من المرتقب أن تشرع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي في تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية بسلكي الثانوي الاعدادي والثانوي التأهيلي، ابتداء من الموسم الدراسي المقبل (موسم 2020/2019). وإذا كان مشروع القانون  قد عرف مخاضا عسيرا داخل وخارج قبة البرلمان في موضوع لغات التدريس، قبل أن تتدخل الجهات العليا لتحسم الجدل وتثبث تدريس  العلوم بالفرنسية، فإن أكاديميتي سوس ماسة والرباط سلا القنيطرة، قد شرعتا في تكوين الأساتذة وتدريس العلوم ببعض المؤسسات التعليمية باللغة الفرنسية خلال الموسم الدراسي المنصرم (2019/2018)، وهو أمر غريب تتفرد به الديمقراطية واحترام المؤسسات في المغرب فقط.

وإذا كان الجدل قد انحصر فقط في موضوع لغات التدريس، فثمة إشكالية أكبر وأخطر يتضمنها مشروع القانون تتجاوز اللغط والنقاش الإديولوجي لثنائية (الفرنسة/التعريب)، الأمر يتعلق بموضوع مجانية التعليم  التي لم تأخذ وقتها الذي تستحقه من النقاش. فعكس ما يتم الترويج له، بكون النواب قد ألغوا فرض رسومٍ على الأسر لتمويل التعليم، فالحقيقة أن مشروع القانون الإطار 51/17، أجل مسألة التمويل فقط، حيث أن المادتين 45 و48 منه، لم تنهيا موضوع فرض الرسوم بل أجلتا موضوع تمويل التعليم إلى حين إصدار قانون تنظيمي جديد سيحدد مستوى الدخل والقدرة على الأداء عند الأسر.

أما في موضوع لغات التدريس، وهو النقاش الذي هيمن على جميع مراحل المصادقة على مشروع القانون، فقد انطلق من اعتبارات أيدلوجوية محضة، وبعيدة كل البعد عمّا هو تربوي وبيداغوجي، وكذلك عمّا يستحضر مصلحة الأجيال القادمة. فواقع التعليم المغربي، من خلال نوعية الأطر التربوية ومن خلال ما تراكم في المنظومة المغربية لأكثر من ستة عقود، وكذلك باعتبار نوعية الاستثمارات الأجنبية المقيمة بالمغرب وجنسيتها، تجعل نقاش العربية والفرنسية غير ذي جدوى. فأغلبية الأطر المغربية التي تدرس المواد العلمية في الأسلاك التعليمية المغربية، تلقت تكوينا جامعيا بالفرنسية، كما أن معظم الرأسمال الأجنبي الذي يستثمر بالمغرب فهو رأسمال فرنسي… هذا واقع لا يمكن أبدا القفز عليه لتحديد لغات تدريس العلوم في المغرب.

لا يجادل اثنان، في كون اللغة الفرنسية اليوم أصبحت لغة متواضعة بين اللغات الأجنبية الحية، لكنها على كل حال تبقى لغة لا يمكن مقارنتها مع اللغة العربية. ونحن هنا لا نلوم اللغة العربية او نقوم بالتنقيص منها، وإنما هذا واقع تسبب فيه مسؤولو هذه اللغة وهم من يلام ويتحمل المسؤولية. أما موضوع الانجليزية، فهو حلم لكنه للأسف يبقى بعيد المنال.

فالتدريس باللغة الانجليزية يحتاج عددا كبيرا من الأطر التربوية التي لها تكوين باللغة الانجليزية وهو غير متوفر اليوم في المغرب حيث أن جل الأطر لها تكوين جامعي باللغة الفرنسية، بالإضافة إلى المناهج التعليمية والمقررات الدراسية التي يجب أن تكون باللغة الانجليزية، وهذا مجهود يحتاج وقتا طويلا.

من ينادي بالتدريس باللغة الانجليزية، فهو لا ينطلق من الواقع المعاش، بل ينطلق من تجارب بعيدة كل البعد عن الواقع، وحتى عندما يذهب البعض لهذه التجارب ويريد أن يسقطها على التجربة المغربية، فهو لا يأخذ النهج الذي اتبعته هذه الدول كاملا قبل ان تنتقل للتدريس باللغة الانجليزية بشكل كلي. فالانتقال للتدريس باللغة الانجليزية بشكل كلي يحتاج على الاقل لعقدين من الزمن، مع ضرورة وضع برنامج متوسط المدى لتكوين الاطر باللغة الانجليزية وصياغة جميع المناهج والمقررات بهذه اللغة.

أما موضوع التدريس باللغة العربية او الأمازيغية باعتبارهما لغتَيْ الدستور المغربي، فهذا يحتاج مجهوداً كبيراً وليس فقط شعاراتٍ وكلاماً فضفاضاً. التدريس بالعربية يحتاج إلى تخصيص ميزانية محترمة ترصد للبحث العلمي ولتطوير المختبرات،  ويحتاج كذلك، إلى وضع برنامج واضح المعالم على الأقل متوسط المدى للنهوض باللغة العربية في البلدان العربية.

وبخصوص النقاش حول كون الفرنسية لغةَ المستعمر وأن كل من يدافع عنها فهو يدافع عن المستعمر، فهذا نقاش هو الآخر،  غير ذي جدوى ومردود عليه. فهل اللغة الانجليزية ليست بلغة المستعمر؟ فمن الذي يستعمر البلدان اليوم ويخربها ويعبث بتاريخها  وبحضاراتها وينهب خيراتها ويفتعل الأزمات لتنتعش تجارة السلاح؟ أليست بالدول الانجلوساكسونية؟ فهل الدول التي استعمرتها انجلترا سابقا  كمصر مثلا مطالبة بمواجهة الانجليزية رغم كونها لغة العلم والبحث العلمي لأنها فقط تبقى لغة استعمار للمصريين؟ هذا نقاش متجاوز، والمنطق السليم هو أن تتعامل الدول مع اللغات الأجنبية من زاوية مصلحاتية محضة، يعني ماذا يمكن أن تكسب الدول لو درست بلغة معينة بغض النظر عن هل هي لغة استعمار أم لا؟ وإذا رجعنا للوراء سنجد أن معظم اللغات الحية لها تاريخ استعماري.

وبخصوص الحالة المغربية، فالمسؤولون المغاربة ومن منطق الواقع الذي يفرض نفسه على الجميع، ومن منطق مصلحة الأجيال القادمة، حتى لا تعرف نفس مصير الاجيال التي ضاعت مع سياسة التعريب الفاشلة التي دامت أكثر من أربعين سنة، ملزمون بتبني تدريس المواد بالفرنسية كمرحلة انتقالية بين التدريس بالعربية والتدريس بالانجليزية، على أساس وضع برنامج على الأقل متوسط المدى، واضح المعالم، للنهوض باللغات الأجنبية الحية وعلى رأسها طبعا اللغة الانجليزية واللغة الاسبانية بحكم الجوار، ونعني بالنهوض بهاتين اللغتين، تكوين أطر كفأة وكافية لتدريس جميع المواد العلمية بجميع الاسلاك التعليمية. كما يجب وضع برنامج كذلك للنهوض باللغتين العربية والأمازيغية باعتبارهما لغتيْ الدستور مع التركيز على ضرورة تخصيص ميزانية مهمة للبحث العلمي ولتطوير المختبرات.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

7 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
ذ. المصطفى
المعلق(ة)
11 أغسطس 2019 00:23

كل هذه المقالات التي لا تمث للموضوعية بصلة تنطلق من معطيات احصائية خادعة، عن حصيلة المغربة والتعريب منذ قانون يناير 1965 لحد الان، والحقيقة انه لم يكن هناك تعريب اصلا بل ظل حلما تحول فرنسا بيننا وبينه.

لحسن
المعلق(ة)
10 أغسطس 2019 20:37

تحليلك صطحي جدا وغارق في العموميات، ويفتقد الدقة والمنهجية،

احمد
المعلق(ة)
10 أغسطس 2019 20:03

كلام تبريري وليس علمي.الحقائق هنا ثابتة.فرنسا تستعمل لغتها وسياساتها الفرنكفونية للحفاظ على مصالحها في مستعمراتها السابقةوبادوات محلية تتجلى في جيل جديد من العبيد باناقة فرنسية ولغة متخلفة (وزير التعليم نمودجا)على حساب المصالح الاساسية للوطن:الاستقلال الفعلي لحرية القرار؛التنمية الذاتية بالوسائل المحلية لفتح المجال نحو اللحلق بركب الدول المحترمة .الثابت ان العشرين دولة الاولى المحترمة اقتصاديا وصناعيا تستعمل لغتها الوطنية في التعليم باسلاكه المختلفة بحبث ان هذا الامر اصبح بديهيا الا في بلدنا هذا الذي ما زال ينتج من يهدم مقوماته الثقافية والاقتصادية ومن يدافع على هذه الجرائم بكل اريحية.

يونس العمراني
المعلق(ة)
10 أغسطس 2019 15:25

مشكلة التعليم في المغرب ليست لغة وإنما جودة التكوين الأساتذة والأكاديمية والوزارة

على البرامج الناجحة ورفع ميزانية التعليم والبحث العلمي أما لغة انها مجرد وسيلة للوصل إلى جودة التعليم

الصحراوي
المعلق(ة)
10 أغسطس 2019 13:39

نريد لغة الوطن العربية ولكن في جميع المدارس العمومية منها والخصوصية من الابتدائي الى الدكتوراة وفي الادارة ولانقبل في المغرب الشهادات المحصل عليها خارج المعرب لانها بغير اللغة الرسمية للوطن يعني لا يزظف يعمل في الخصوصي .
وان كان الامر مستعصيا خارج عن قدرة المسؤولين فاللغة العالمية هي الاولى الانطليزية وليس لغة الاستعمار اننا حررنا 1956

ياسر العمراني
المعلق(ة)
10 أغسطس 2019 13:22

إن كانت الفرنسية وخضورها المفروض واقعا لايناقش فنفس الأمر يقال على واقع بيداغوحيا تدريس اللغات في المغرب فهي مهترئة ولنوتوتي أكلها.
موضوع الإنجليزية سياسي إذ كيف يعقل أن الميثاق (1999) تحدث عن إدخال الإنجليزية على المدى المتوسط إلى السنة الرلبعة ابتدائية وهانحن الآن لعد عشرين سنة نتحدث عن صعوبة إدماج الانجليزية وهذا يدل على العداء الفركوفوني للغةةالإنجليزية.
ثانيمن هذا امغربي الذي علمته المدىسة اللغة؟

محمد
المعلق(ة)
10 أغسطس 2019 13:17

لا أتفق معك إطلاقا. كل الدول تدرس بلغتها عندما نصل الى المغرب يكثر اللغط ويكثر المنظرون

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

7
0
أضف تعليقكx
()
x