لماذا وإلى أين ؟

طغيان يحول الجسد إلى كتلة حزن ثقيلة على الروح (2)

بقلم: زورا تانيرت

في هذه النافذة يقدم الموقع الإخباري “آشكاين”، سلسلة من رواية “يوميات أرملة”، تحكي من خلالها الشاعرة والفنانة “زورا تانيرت” زوجة المرحوم الفنان عموري مبارك، عن حياة أرملة شابة بعد وفاة زوجها، ومعاناة المرأة مع نظرة المجتمع إلى الأرملة، حيث تهدف الكاتبة من خلال هذه الرواية إلى وضع نقطة في بحر التغيير في مجتمعاتنا، خصوصا “تغيير المرأة لتفكيرها اتجاه نفسها أولا واتجاه جنسها”.
الحلقة الثانية:
سبعون ليلة بيضاء قضيتها بجانبه في المستشفى، محافظة على ابتسامتي، والصبر والأمل أسلحتي، أخفي معالم تمزق قلبي عليه، وربما التساؤل الوحيد الذي كان يحيرني آنذاك هو من أين لي بكل تلك القوة والصبر اللذان تسلحت بهم، أنا التي كنت أخاف رؤية مريض أمامي، أنا التي كنت أخاف خدشا بسيطا، ما هذه القوة الداخلية التي تدفعني للابتسامة وأنا في قمة ألمي؟

إنها وبكل بساطة، المرأة حين تشهد موت روحها داخل جسد آخر، لم يكن طيف الموت يمر من أمامي، فقد كنت أراه جسدا وروحا كل يوم عند كل صرخةِ من وافت المنية أحد أقربائه، كان كل يوم داخل أسوار المستشفى بقيمة سنة؛ مما رأت عيني من حزن ومرارة فقدان الأمل في عيون المرضى وذويهم، إنه السرطان يا سادة، ضيف ثقيل.
أعز شخصين وعداني أن لا يرحلا، فلم تترك لهم الموت مجالا للوفاء بوعدهم، أخذ أبي أولا وانتقل بكل أنانية ليأخد نصفي الثاني، مصدر أمني وأماني، كانت تلك الليلة جوفاء، ثقيلة الظل، حملتُ فيها أثقل حزن عرفته بعد حزني على أبي، لحظة الوداع الاخير، لا أدري من أين يأتي الموت بكل ذلك الصبر والطغيان.

صبر لإعادة سيناريوهات تخلد لِحلقاتِ أجيال لا تنتهي، و طغيان داخلي يحول الجسد إلى كتلة حزن ثقيلة على الروح، أنا وهو في ليلته الأخيرة وسط ظلام يعم أرجاء الغرفة بطلب منه، وضوء خافت ينبعث من النافدة، تعمد الرحيل في تلك العتمة حتى لا يرى تلك الحسرة في عيني، حتى لا يأخذ معه دموعي، تعمدها حتى تبقى الإبتسامة آخر ما رأى على محياي، أو ربما كان لا يرغب بأن أراه ماضِِ في أن يخلف وعده لي بالبقاء.

أمسكت بيده الباردة وارتأيت أن أغطيها فرفض مبتسما، لقد كان مدركا سبب البرودة، وأنا في محاولة عدم إدراك لأي شيئ، تعمدت التشبت بالأمل الذي كان في الحقيقة ألما يعتصر أحشائي حتى آخر لحظة، لقدكان شامخا ذاك الرجل، ذو كرامة وعزة نفس لم أشهدهما في أحد غيره، متّزن العقل حكيما طيبا، حنونا، عارفا ومدركا لتفاصيله حتى آخر رمق.

كان يتحدى الموت بصبر، لم أشهد رجلا تَمسّك بالحياة مثله، نظرت إليه في حزن رهيب، سألته؛ هل أنت بخير؟ كنت كمن يسأل سائحا في أغوار عالم آخر، كان مبتسما وشارد النظرات، أحيانا يغوص في ملكوته وأحيانا أخرى يعود للإبتسامة في وجهي، وكلما سألته عن حاله يحرك أصابعه وكأنه يقول وداعا، أما في لحظته الأخيرة، فقد نطق اسمي كطفل يتهجى الحروف “زهرة” ثم ابتسامة، ثم ساد بعدها صمت طويل، صمت أبدي، قتلني، صمت لا يعيد لي الإحساس بالحياة إلا بسماعي صوته يردد أغانيه الخالدة.

يتبع..

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x