لماذا وإلى أين ؟

عبد الله العمراني.. شمعة احترقت من أجل الفن (4)

هم مجموعة من الفنانين مغاربة وأجانب احتلوا الصف الأول في عالم الأضواء والشهرة، لكن شاءت الأقدار والأحوال أن بتحولو من شخصيات مشهورة إلى شخصيات منسية بحاضر مليء بالمعاناة والآهات ، منهم مغاربة وأجانب معظمنا أحبهم وأحب شخصياتهم سواء الحقيقية أو التي سحرونا بها على الشاشات، ومنهم من غادر الدنيا وهو لا يملك شيئا بعدما كان يملك الكثير .

« آشكاين « وفي هذه الفسحة الصيفية ستقدم لقرائها سلسة من البورتريهات عن فنانين مغاربة وأجانب سقطوا من عالم الشهرة والأضواء إلى عالم الفقر والحاجة ، إما بفعل منظومة فنية فرضت عليهم تلك الظروف، أو بسبب اختيارات شخصية وسوء تدبير للحياة.

الحلقة الخامسة : عبد الله العمراني.. شمعة احترقت من أجل الفن

طفولة قاسية
ولد عبد الله العمراني سنة 1941 في مدينة مراكش وتوفيّ يوم 14 مايو من العام الجاري، برزَ في عددٍ من الأفلام والمسلسلات المحليّة ذات الطابع السياسي و التاريخي. التحقَ بمدرسة التمثيل للأبحاث المسرحية عام 1959 حيث لم يكن يتجاوز حينها الثامنة عشر من عمره وهي أول مدرسة للتمثيل والفن المسرحي في المغرب ثمّ درسَ بها ثلاث سنوات حيث تعلّم الوقوف على خشبة المسرح كما تعلم مختلف أساليب التعبير والتواصل معَ الجمهور، ليلتحق بعد تخرجه مباشرة بالفرقة الوطنية للمسرح التي كانت قد تأسّست سنة 1952 والتي كانت تجمعُ كبار الفنانين المسرحيين.

ينحدرُ عبد الله العمراني من أسرةٍ محافظة حيثُ كان والده عمر بن حليمة العمراني يعملُ كمدرسٍ للعلوم الدينية بجامعة ابن يوسف في مدينة مراكش، وخِلال سنين مراهقته انجذب عبد الله للتمثيل فعملَ بشكلٍ دوريّ على المُشاركة في المسابقات التي كانت تنظمها مدرستهُ في ذلك الوقت قبلَ أن ينضمّ لفرقةِ الأمل رفقةً عددٍ من نجوم التمثيل بمن فيهم محمد حسن الجندي، عزيز موهوب ومليكة العماري وغيرهم.

عاش عبد الله العمراني طفولة قاسية بين رفض عائلته دخول مجال التمثيل وبين اصراراه الشخصي على تحقيق حلمه للوقوف على خشبات المسارح المغربية، حيث وجد صعوبة كبيرة في التوافق بين متطلبات وبين أحلامه، لكن عائلته قبلت الأمر واستسلمت للواقع خصوا بعدما عرفت عروه المسرحية وفرقته نجاحا باهرا في نهاية الستينات وبداية السبعينات.

مسار متميز لممثل جمع بين الدراسة والموهبة

كان أوّل ظهور فعلي لمولاي عبد الله العمراني كما يحل لإقربائه تسميته لهُ في مسرحيّة “الفصل الأخير” من إخراج وتاليف العبقري المغربي الطيب الصديقي والتي تناولت قصّة ملوك الطوائف بالأندلس. بعدَ ذلك شارك العمراني في العديد من المسرحيات التي كانت عادةً ما تؤخذ من كُتب كُتّاب معروفين على الصعيد العالمي على غِرار شكسبير وموليير وغيرهم.

واصلَ العمراني أعماله التي توزّعت بين مسرحياتٍ وأفلام كانت تُحقّق نجاحًا كبيرا في فترة الثمانينات والتسعينات في تلكَ الفترة ما مكّنه من المُشاركة في عددٍ من المهرجانات والتظاهرات الفنية والتي حصلَ خلالها على مجموعةٍ من الجوائز مثلَ جائزة أحسن ممثل في المهرجان الإفريقي الأول بالجزائر سنة 1969 وجائزة تقدير من وزارة الشبيبة والرياضة فضلًا عن وسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الأولى من الملك الحسن الثاني.

بحلول عام 1962؛ شاركَ العمراني في فيلم «ليالي أندلسيّة» من إخراج العربي بناني والذي يحكي عنِ قصّة حب تجمعُ بين امرأة ورجلان، كما شاركَ في نفسِ العام في الفيلم الروائي الطويل االشهير «لورانس العرب» إلى جانبِ عددٍ من الممثلين الأمريكين من أمثالِ بيتر أوتول وأنطوني كوين والنجوم العرب بمن فيهم الممثل المصري عمر الشريف.

في عام 1976 حصلت نقلةٌ نوعيّةٌ في مسار الممثل المغربي عبد الله العمراني وذلك بعدما شاركَ في مسلسل «الرسالة» وظهر بعدها بعامٍ في مسلسل «يسوع الناصري» ثمّ شاركَ في سلسلة «مريم الناصرية» عام 1995.

ظلّ العمراني حاضرًا على الشاشة المغربيّة كل سنةٍ تقريبًا وتعرّف عليه الجمهور أكثر فأكثر بعد كلّ عمل كان يُقدمه خاصّة من خلال مسلسل “مواكب النصر” للمخرج المصري أحمد خيضر، “و صقر قريش” للمخرج السوري ” حاتم علي، و”مصر القديمة” لطوني ميشيل.

وبحلول عام 2006 شاركَ العمراني رفقةَ الممثل المغربي سعيد الناصري في بطولة فيلم «عبدو في عهدِ الموحدين» الذي حقّق نجاحًا باهرا الذي صدر عام 2010 فيما تُعدّ مسرحية “عودة الملك لير” لهشام الوالي، والتي صدرَت عام 2018 آخر أعمال عبد الله العمراني.

اشتغل مولاي عبد الله العمراني في صمت بعيدا عن الأضواء، ولهذا ظلت الصحافة الفنية بمختلف منابرها المكتوبة والمسموعة والمرئية مقصرة في حقه، إذ لم تنفتح على تجربته التشخيصية الطويلة في المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون، التي تجاوزت عقدها السادس، إلا لماما وبشكل محتشم فبمجرد بحث بسيط على الشبكة العنكبونية لن تجد لهذا الممثل الكبير أي حوار صحفي خاص باعماله وحياته، إلا بعض المقتطفات والتصاريح هنا وهناك، في حين ان مسيرته التي تجاوزت العقد السادس يجب ان تدرس في معاهد التمثيل والتشخيص .

مولاي عبد ورغم المعلومات الشخصية القليلة المتوفرة حول حياته كان يحب عمله كثيرا لدرجة انه لم يكن يسال عن اجره بمجرد توصله ببعروض العمل والأدوار، أدقائه ومقربيهيعتبرونه مدرسة فنية بوحده رسم معالم مسيرته بشكل خاص رغم حياته البسيطة التي حاول فيها القبول بالقليل رغم الكثير الذي قدمه للفن.

هرم الدراما ينتهي بمحنة المرض

عاش عبد الله العمراني آخر أيامه في معاناة طويلة مع المرض، وقلة الحيلة، إذ اضطر إلى بيع سيارته الشخصية لتحمل مصاريف علاجه، وقد خضع إلى عملية على مستوى الرأس، لكن القدر والحياة لم تنصفه فهو الذي حاولت وزارة الثقافة التدخل لمساعدته وتبني حالته الصحية إلا ان أمورا إدارية عقدت ذلك ، ليدخل بعض الفنانين على الخط إلا ان ذلك زاد الأمور سوء حيث رفضت مصحة خاصة ولوج الفنان إليها بداعي عدم توفره على الأوراق والضمانات المالية الكافية، وهو ما أبكى القلوب على نهاية الفنان وما تواردت من اخبار تذمي القلوب حول فنان من حجم مولاي عبد الله العمراني.
حالته الصحية تدهورت كثيرا في اخر أيامه إذ يئس الأطباء منها، وأخبروا ذويه باصطحابه إلى المنزل، وانتظار رحيله، وهو ما كان فعلا يوم 14 ماي، ثامن أيام رمضان للسنة الجارية ليسدل الستار – بلغة المسرح التي عشقها العمراني- على حياة رجل عظيم وفنان بسيط في حياته وكبير بأعماله .

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x