لماذا وإلى أين ؟

تقرير ميداني.. “آشكاين” تكشف كيف تستولي لوبيات العقار على المؤسسات التعليمية (صور)

تحولت عشرات المؤسسات التعليمية في مدينة الدارالبيضاء، كنموذج من بين المدن الكبرى، إلى مدارس وثانويات وإعداديات وإقامات طلابية للتعليم الخصوصي، بعد هدمها أو إفراغها من تلاميذها. وهذا لم يكن ليتحقق لو لم تمهد له الطريق، وعلى مهل، في إطار خوصصة التعليم العمومي. إذ إن عددا كبيرا من المؤسسات دخلت في عطالة بسبب هجرة التلاميذ منها، بطريقة أو بأخرى، إلى مؤسسات التعليم الخاص التي تنبت كالفطر سنة بعد أخرى، وبالتالي تضطر الوزارة إلى إقفالها أو رفع اليد عنها في إطار صفقات.

وتختلف أساليب المافيات اللاهثة وراء العقارات المهجورة، خصوصا أن هذه المؤسسات التي وقفنا عليها في جولتنا توجد في المعاريف وسيدي بليوط وأنفا، وهي التي يساوي فيها المتر المربع الواحد الملايين، أي تصبح مشاريع تذر الملايين فوق أنقاض المدرسة العمومية.

هجرة العلم

تغيب إحصائيات رسمية حول المؤسسات العمومية التي تم إغلاقها أو تفويتها، في وقت تؤكد الأكاديميات أن الوسط الحضري أصبح عقيما لأن التمدن يتجه نحو ضواحي المدن. وفي ظل عدم تقديم الجهات المعنية لقراءة رسمية في هذا الموضوع، يصعب الوصول إلى العدد الحقيقي للمؤسسات التعليمية التي هجرها الطلبة والتلاميذ.

ويتضح من خلال معاينة ميدانية قامت بها “آشكاين” في وقت سابق في الدار البيضاء، أن مدرسة ابن عباد (بنات وبنين) لم يعد لها وجود، بعدما شُيدت مكانها إقامة جامعية خاصة بطلبة المعاهد الخاصة المجاورة. أما مدرسة مولاي يوسف، المعروفة بـ”القبة”، والتي تعتبر أهم معلمة تاريخية في “المدينة القديمة”، فقد فُوتت لشركة خاصة تنشط في مجال تموين الحفلات، لتحولها إلى مدرسة خاصة بكرة القدم.

غير بعيد عن مدرسة ابن عباد، تظهر مدرسة “كندي” وقد أصبحت بناية نصفها مهجور فيما النصف الآخر تحول إلى “مركز كندي للصباغة والديكور”، ومن الجهة اليمنى لها تبدوا مدرسة “باجة” أكثر بؤسا بنوافذها المكسرة بعد سنوات قليلة من إغلاقها. وقد أشار الفاعل الجعموي مولود العمري، الذي صاحبنا في جولتنا، إلى أن تلاميذ هذه المدارس تم توزيعهم على مدرستين مجاورتين في نفس المنطقة وهو ما سبّب اكتظاظا مهولا، فيما المدرسة الأخرى البديلة بدأت في حذف المستويات الثلاثة الأولى منها بالتدرج في أفق إغلاقها، وهو ما ينطبق على مدرسة رحال الفاروقي، التي بدأت بحذف ثلاثة مستويات فيها (الأول والثاني والثالث)، قبل إغلاقها.

ونفس الشيء بالنسبة لمدارس عمر الخيام وابن عبد العزيز و”محمد إقبال” و”المقاوم الوديبي” ومدرستين في “درب غلف”. أما تلاميذ مدرسة خديجة أم المؤمنين فقد تم نقلهم إلى مدرسة المقاومة التي تعاني أصلا من الاكتظاظ، في الوقت الذي أصبحت مدرسة الحنصالي (أمام الإقامة الجامعية التي شيدت) في منطقة “الزيراوي” ملجأ لسكان “كاريان” قُضي عليه منذ سنوات قليلة.

الاغتيال لم يشمل فقط المدارس الابتدائية، فإعدادية المنار (منطقة العُنق) تم إغلاقها، في حين أن كلية الطب الخاصة في تراب مقاطعة المعاريف لم تشيد سوى على أنقاض إعدادية الشابي الكائنة بالقرب من إعدادية محمد عبدو (بنات) التي تحولت بدورها إلى نيابة تعليمية. وكمثال آخر، أشار مصدر مطلع إلى أن ثانوية ابن تومرت (وادي المخازن) وصلتها حمى التفويت أو الإغلاق بعد أن أوقف مقاول أشغال الصيانة فيها بعدما كلفت حوالي 800 مليون سنتيم.

أما مدرسة المنفلوطي بمقاطعة المعاريف، فقد أصبحت ملحقة لجامعة الحسن الثاني بعد أن حُولت العام الماضي إلى”معهد كونفورسيورس لتعلم اللغة الصينية”. في مقابل هذا، فتحت مدارس أبوابها لجمعيات خاصة فأصبحت جزءا لا يتجزأ منها، كمدرسة الشيخ خليل التي تنشط من داخلها جمعية لذوي الاحتياجات الخاصة، ومدرسةالبشيري التي تضم جمعية “الجسر”… ولا يقتصر الأمر على مقاطعات أنفا وسيدي بليوط والمعاريف، بل يتعداه إلى المقاطعات الأخرى، وهذا ينسحب على الرباط والمحمدية وسلا وحتى سيدي سليمان حيث تم فيها إغلاق ثانوية تأهيلية تقع في مركز المدينة، ونفس الشيء لمدرستي ابن زيدون وفاطمة الفهرية الواقعتين في قلب مدينة أكادير، والحال نفسه في مراكش.

زحف التعليم الخاص

بعدما كانت مقاطعة “أنفا” تضم لوحدها 56 مؤسسة ابتدائية، تناقص العدد منذ سنة 2003 ليصل إلى ما يقل عن 30 مؤسسة. الأسباب “الموضوعية” بحسب مدير مؤسسة تعليمية فضّل التقاعد النسبي مباشرة بعد إغلاق المدرسة التي كان يديرها، هي هجرة نسبة كبيرة من سكان دور الصفيح إلى ضواحي المدن الكبرى، كما أن التعليم الخصوصي زحف نحو المدارس العمومية فالتهمها بشراهة، إذ تضم مقاطعة أنفا لوحدها 101 مدرسة ابتدائية خصوصية، مقابل 36 مدرسة عمومية، لذلك تراجع عدد تلاميذ القطاع العام في بعض المدارس على حساب مؤسسات خصوصية شيدت بالقرب منها، ولذلك ترتئي أكاديمية التعليم إدماج مدارس في ما بينها.

مدير المدرسة أحالنا على تقرير مبسط أعدته جمعيات حقوقية، وهو آخر التقارير في هذا الجانب، يتناول عدد المؤسسات التعليمية التي تم هدمها في المغرب، وقد جاء فيه أن حوالي 194 مدرسة عمومية تم إغلاقها منذ سنة 2008، وتعود أسباب ذلك إلى”الهجرة الجماعية نحو مؤسسات التعليم الخصوصي”، فقد جذب التعليم الخصوصي نسبة كبيرة من التلاميذ، ومازال، منهم حتى أبناء ذوي الدخل المحدود الذين يفضلون “الاستثمار” في أبنائهم حتى ولو كان ذلك مكلفا عوض الزج بهم في المؤسسات العمومية، المتهمة بتخريج دفعات من المعطلين. ولعل ما يوضح لنا الوتيرة السريعة التي تم بها تفويت أو إغلاق مؤسسات في الدار البيضاء هو أن أسر المدينة ينفقون أكثر من أي مدينة أخرى لتعليم أبنائها في القطاع الخاص.

لهفة الاستثمار

رغم إجماع الكثيرين على ارتباط إغلاق مدارس عمومية بهجرة التلاميذ نحو التعليم الخصوصي، فضلا عن تمركز عدد من المدارس المغلقة بمدن كبرى خصوصا الدار البيضاء، إلا أن وجود المؤسسات التعليمية، سواء التي تم إغلاقها أو السائرة في طريق الإغلاق، في مناطق استراتيجية وسط المدن، بغض النظر عن مساحتها الغالية الثمن، يسيل لعاب المنعشين وسماسرة العقار، إذ لا مبرر بالنسبة لهم لكي تبقى مؤسسة تعليمية مهجورة ومنتصبة على أرض تساوي ملايين الدراهم، وبالتالي يدفعون في اتجاه الاستيلاء عليها لتشييد إقامات سكنية أو مشاريع، مستقبلا، كما حدث لمدرسة “القبة” بالدار البيضاء، التي حولها شخص ذو نفوذ، بتعاون مع بعض الجمعيات، إلى مركز لكرة القدم يجمع شباب المنطقة بانخراطات سنوية تذر له مداخيل مهمة.

ولأن المؤسسات التعليمية تابعة لوزارة التعليم، فإن الفاعلين الجمعويين تؤكد أنه بمجرد الحديث عن قرب تحويل المؤسسة إلى مركز خاص في التكوين والتأطير، حتى تتأسس جمعيات لنفس الهدف، لتتمكن من دخول المؤسسة وإقامة أنشطتها فيها على أساس تعاقد وشراكة مع أكاديمية التعليم. وتنطبق هذه الطريقة، بحسب مصادرنا المطلعة، على مدرسة في الدار البيضاء تحولت إلى مركز تؤطره جمعية اتضح أن من أسسها هو مدير المدرسة نفسه ليبقى في السكن الوظيفي بداخلها.

الشراكات المشبوهة

يتم إبرام شراكات بين بعض المديريات الإقليمية وبعض الجمعيات المدنية، تحمل بنودا متفق عليها، وهذه الشراكات لا تصبح ذات فعالية حتى تصادق عليها الأكاديمية، وهي لا تأخذ مفهوم التفويت، بل كاستغلال مؤقت خارج أوقات الدراسة، إلا أن توالي السنوات، وتناسل الجمعيات وغلاء العقار، غيّر أهداف الشراكات، مما جعل جمعيات “تسكن” بعض المؤسسات، ولعل أبرز مثال هو مدرسة الغزالي الكائنة في مدينة المحمدية، إذ يظن المارّ من أمامها في شارع الجيش الملكي أنها مؤسسة خاصة وليست مدرسة، بسبب اللافتات الكثيرة الموضوعة على مدخلها، وهي على ذلك الحال منذ خمس سنوات.

ورغم أن استغلال المدارس العمومية التي أغلقت أو في طور ذلك، يكون مؤقتا لأن الجمعيات ليس لها حق الامتلاك، فقد يحدث أن تفوت مدرسة لفائدة جمعية نشيطة لـ”إسكاتها” عبر تركها تستغل فضاء المدرسة إلى حين تحويلها مستقبلا إلى مشروع عقاري.

لكن من وجهة نظر مدير متقاعد، في حديث له مع “آشكاين”، لا يرتبط الأمر بلوبي عقاري أو تفويتات مشبوهة، مبرزا أن جمعيات تدخل مع المدرسة في شراكة تضم بموجبها المدرسة أنشطة الجمعية، وهذا يجري به العمل، وقد أعطى مثالا بمدرسة الشيخ خليل التي من المرتقب أن يغلق نصفها نظرا لقلة التلاميذ فيها لتستغله جمعية مدنية تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة، وهو نفس الشيء لمدرسة البشيري التي تنشط فيها جمعية مدنية. وفي هذا الإطار، يؤكد المتحدث نفسه أن سكان بعض المناطق يفضلون التحاق أبنائهم بالمدارس الخصوصية بعيدا عن أماكن سكناهم، فيما يبقي أبناء حراس العمارات وخادمات البيوت ليدرسوا في المدارس العمومية، وبالتالي يكون عددهم قليلا وهو ما يضطر السلطات إلى إلحاقهم بمدارس أخرى، كحال مدرسة خالد بن الوليد بمقاطعة المعاريف التي كان يدرس فيها 1500 تلميذ قبل أن يتقلص إلى حوالي 100 تلميذاومن المرجح إدماجها مع مدرسة الشيخ خليل القريبة منها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

3 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
مغربي
المعلق(ة)
25 أغسطس 2019 21:59

ونصاب خطير بالشبار له عصابة تمارس هذا الوسيلة في حق عقارات المواطنين قرب الزاوية

Belbachir
المعلق(ة)
24 أغسطس 2019 20:47

Salam. Ces écoles appartiennent au “domaine public de l’Etat”.Le risque qu’elles soient “utilisées” par les associations est qu’il serait difficile un jour de les leur en retrancher .Vous avez bien fait de jeter la lumière sur cette question .La terre et l’argent sont très utiles comme ressources à l’Etat .Merci

Faycal
المعلق(ة)
24 أغسطس 2019 18:34

الرؤية الاستراتيجية نصت على تعميم التعليم الأولي بشراكة مع التعليم الخاص كمدخل لخوصصة الابتدائي بالمناطق الحضرية بنسبة100% كما أن لجوء الدولة للتعاقد
كمدخل للتخلي عن المرسمين بطريقة تدريجية في أفق 2030 مما سيؤدي إلى خفض ميزانية الدولة على حساب المواطن البسيط

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

3
0
أضف تعليقكx
()
x