لماذا وإلى أين ؟

هل يُطبَّق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في المغرب؟

أعادت الإعفاءات التي قام بها الملك محمد السادس، أواخر شهر أكتوبر من السنة الماضية، لعدد من الوزراء (أعادت) نقاش ربط المسؤولية بالمحاسبة إلى واجهة النقاش العمومي.

ففي الوقت الذي ثمن فيه جل المتتبعين والرأي العام الوطني الإجراءات التي قام بها الملك محمد السادس، تساءل البعض الآخر عن نوع المحاسبة التي يجب أن تقابل مسؤولية تدبير الشأن العمومي؟ وما إذا كانت المحاسبة السياسية كافية أم يجب أن تليها محاسبة زجرية؟ ومتى يجب تفعيل هذه الأخيرة؟

ماذا تعني المسؤولية والمحاسبة؟

يُعرف مدير “المركز الدولي للاستشارات القانونية و السياسية و الاقتصادية و الاستراتيجية”، القاضي السابق، محمد الهيني، المسؤولية بكونها “ممارسة أي مسؤول إداري كيفما كان موقعه، يشغل مهمة رسمية “مسؤولية عمومية ” بالتعيين أو بالانتخاب لصلاحياته وسلطاته طبقا للقانون”، أما المحاسبة يضيف الهيني، “فتعني الإجراء الرقابي أو الزجري لترتيب آثار المسؤولية بمحاسبة أي مسؤول عن أي تقصير أو تهاون في ممارسة صلاحياته”.

ويقول الهيني في تصريح لـ”آشكاين”: إن الأساس الدستوري لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة نص عليها الفصل الأول من دستور 2011، الذي جاء فيه: يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة”، فيما يضيف الفصل 154من نفس الدستور أنه: “يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات”، وأن “تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور”.

ويتابع الهيني سرده للفصول الدستورية التي تحدثت عن ربط المسؤولية بالمحاسبة بالإشارة للفصل 155 الذي جاء فيه “يمارس أعوان المرافق العمومية وظائفهم، وفقا لمبادئ احترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة”، بينما ورد في الفصل 156 يضيف المتحدث نفسه أن ” المرافق العمومية تتلقى ملاحظات مرتفقيها، واقتراحاتهم وتظلماتهم، وتؤمن تتبعها، وتقدم المرافق العمومية الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية، طبقا للقوانين الجاري بها العمل، وتخضع في هذا الشأن للمراقبة والتقييم، ويرد في الفصل 157 أنه يحدد ميثاق للمرافق العمومية قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية والأجهزة العمومية، فيما الفصل 158 فيقول أنه “يجب على كل شخص، منتخبا كان أو معينا، يمارس مسؤولية عمومية، أن يقدم، طبقا للكيفيات المحددة في القانون، تصريحا كتابيا بالممتلكات والأصول التي في حيازته، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بمجرد تسلمه لمهامه، وخلال ممارستها وعند انتهائها”.

وبخصوص سلطة الملك في محاسبة المسؤولين خاصة الوزراء يوضح الهيني، الخبير الدولي في قضايا العدالة و حقوق الإنسان، كذلك، أن الفصل 47 من الدستور جاء فيه أنه ” للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامه ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية”.

كيف تطبق المحاسبة؟

وعن أشكال وطرق المحاسبةأشار ذات المتحدث إلى أن “المشرع لم يضع مسطرة تأديبية للوزراء على غرار الموظفين العموميين فتدخل الملك من خلال ابتداع عرف إداري من قبيل عدم الرضى والتوبيخ، والاجراء الثاني هو المنع من مزاولة أي مسؤولية رسمية مستقبلا”، مبرزا أن المحاسبة الحكومية للوزراء تكون “من خلال سلطة رئيس الحكومة على الوزراء باقتراح اعفائهم على الملك”، أم المحاسبة الإدارية يقول الهيني ” وهي المسؤولية التأديبية للموظف العمومي عن أعماله الوظيفية كيفما كانت درجة المسؤول، المهم أن يكون معينا في وظيفة قارة ومرتبا في أسلاك الدولة ويترتب عنه إصدار العقوبات التأديبية من تنبيه وتوبيخ ونقل وتوقيف مؤقت واحالة على التقاعد وعزل”، فيما “المحاسبة البرلمانية عن أعمال الحكومة تكون من خلال الجلسة الشهرية وجلسة الأسئلة وملتمس الرقابة ولجان تقصي الحقائق”، حسب الهيني الذي يوضح أن هناك “مسؤولية إدارية للدولة عن أخطاء موظفيها، والمسؤولية المدنية والجنائية للموظف العام عن أخطائه “.

مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ودولة الحق والقانون

ارتباطا بذات الموضوع يرى رئيس “الجمعية المغربية لحماية المال العام”، محمد الغلوس، أن “ربط المسؤولية بالمحاسبة هو مبدأ وقاعدة دستورية واردة في دستور 2011، وهي من المبادئ والمرتكزات الاساسية التي تقوم عليها دولة الحق والقانون”، معتبرا أن ” تولي قدر من المسؤولية العمومية يقتضي المحاسبة والمساءلة، لأن الأمر يتعلق بتدبير الشأن العام”.

ويوضح الغلوس في حديث مع “أشكاين” أن الملاحظ أن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ” لازال يواجه صعوبات قانونية وسياسية”، بحيث “أنه لازلنا بعيدين عن تنزيل هذا المبدأ على أرض الواقع”، يقول الغلوس ويضيف ” إذ نرى أن هناك تقارير رسمية صادرة عن مؤسسات دستورية، مثل المجلس الأعلى للحسابات، أو لجان تفتيش تابعة للوزارات، إلا أن هذه التقارير لا تعرف طريقها إلى القضاء، رغم أن البعض منها يتضمن وقائع ذات صبغة جنائية”، مؤكدا أنه “حتى تلك التي تحال للقضاء يغلب عليها الطابع الانتقائي وطول المساطر والإجراءات القضائية”، وأنه “غالبا ما يكون المتابعون أو المتهمون في هذه المساطر إما منتخبون وهي الصفة الغالبة أو بعض الموظفين الصغار، وأن الأحكام التي تصدر في مثل هذه الحالات تبقى ضعيفة ودون تطلعات الرأي العام”، حسب تعبير المتحدث.

ويؤكد الغلوس أن ” ربط المسؤولية بالمحاسبة والقطع مع الإفلات من العقاب يقتضي وجود إرادة سياسية حقيقة لبناء دولة المؤسسة في اتجاه ترسيخ حكم القانون وتخليق الحياة العامة”.

وبخصوص عودة بعض الذين تمت محاسبتهم سياسيا عن طريق إعفائهم من مناصبهم إلى المشهد السياسي وتقلد مناصب جديدة، كالوزير السابق محمد أوزين، يقول رئيس “الجمعية المغربية لحماية المال العام”، “بالنسبة لأوزين سبق وقدمنا شكاية في الموضوع قبل إعفائه، وتم حفظها، لأن الوقائع ليس لها صبغة جنائية”، معتبرا أن ” وإعفاءه هو محاسبة سياسية كافية لأن المحاسبة الجنائية والقضائية لابد أن يكون لها أساس”.

وبخصوص عودته للحياة السياسية وتحمل المسؤولية، يرى الغلوس أن الحزب الذي ينتمي له أوزين هو المسؤول عن ذلك وأنه هو من عليه أن يحاسبه ” مبرزا أنه “هنا يمكن الحديث عن دور الأحزاب السياسية وكيفية محاسبة أطرها ومناضليها وأن تُقدم النموذج على التربية على القيم الإيجابية للسياسة كخدمة عمومية وبمرجعية أخلاقية وثقافية” لكن، يستدرك الغلوس ” في الواقع نلاحظ أن مسألة الالتزام الاخلاقي والنضالي بالنسبة لبعض الأحزاب السياسية تأتي في المرتبة الأخيرة، بحيث أن الإستوزار وتولي المناصب داخل هذه الأحزاب مبني على الولاءات وعلاقات المقاربة والمصاهرة وشبكة من المنافع” .

وعن الإعفاءات الملكية لبعض الوزراء والمسؤولين، يعتبرها الغلوس “نوعا من المحاسبة السياسية”، مضيفا “ونتمنى أن يعمَم هذا المنطق على كل الأشخاص وكل الجهات “.

وحول ما إذا كان هذا الإجراء كافي، وكون الموضوع يتطلب محاسبة زجرية، يوضح المتحدث نفسه أن المؤسسات المكلفة بإنجاز تقارير حول المشروع الذي أعفي بسببه الوزراء يقول: “إنه لا يوجد جانب جنائي وإنما هناك فقط اختلالات إدارية، تقصير واهمال، وهنا نتحدث عن مسؤولية مدنية، وإن كان هناك جانب من الموضوع به نوع من هدر المال العام، لأن تأخر أي مشروع يُرتب غرامات و هدر أموال عمومية، لكون التأخر في الإنجاز يمكن معه للمقاولات المعنية المطالبة بالتعويض، وهذا التعويض سيمنح لها من المال العام، وكل تقصير له جانب من هدر الأموال العمومية وهدر الزمان”.

فهل ستفتح إعفاءات الملك محمد السادس لعدد من المسؤولين الحكوميين وحرمان عدد آخر من تولي أية مسؤولية مستقبلا (سيفتح) باب النقاش من جديد حول ربط المسؤولية بالمحاسبة وكيفية إقرار مسؤولية زجرية للمسؤول العمومي؟

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x