لماذا وإلى أين ؟

السحيمي: إلياس العماري.. نهاية قائد

ترجمة: رجاء الشامي

يبدو أن استقالة إلياس العماري من رئاسة جهة طنجة- تطوان- الحسيمة ، لا تزال ثتير نقاشا مستفيضا بين متتبعي الشأن الوطني في المغرب، ولعل مصطفى السحيمي، أستاد القانون الدستوري والعلوم السياسية واحد من أبرز من كتب عن مسار إلياس وتطلعاته منذ بداية تحركات الأخير التي تزامنت مع فتح باب المصالحة مع الريف وطي صفحة تاريخه المثيرة للجدل.

ففي العقدين الأخيرين من العهد الجديد، يقول السحيمي إن “مسار إلياس العمري شكل استثناء لا مثيل له، فالرجل حرص على بناء شخصه والوقوف على رجليه، خطوة خطوة ليصبح ماهو عليه اليوم في المشهد السياسي الوطني، الأمر الذي يذكرني نوعا ما بشخصية “كوزيت” في رواية “البؤساء” للكاتب “فيكتور هيجو”، وفق تعبيره.

وأكد السحيمي في مقال له نشر في مجلة “ماروك إيبدو” الناطقة بالفرنسة، أن ابن الريف “له مؤهلات مكنته من الاصطفاف في المقدمة، فهو يعرف ويفخر بأصله المتحدر من المغرب السفلي، كما أن تاريخ منطقته، سيما في العشرينات والثلاتينات من القرن الماضي وفي زمن محمد عبد الكريم الخطابي، شكل تراثًا تذكاريًا لا يمكن إلا أن يغذي نشاطه ونضاله”.

“لقد تم تحضيره في السنوات الأولى من العهد الجديد، في إطار الفرص التي خلقتها سياسة الانفتاح الجديدة والمصالحة التي أحدثها عاهل البلاد من أجل طي صفحة مثيرة للجدل من تاريخ الريف ونهج سياسة اليد الممدودة بحزم”، وعلى إثر ذلك، يضيف السحيمي أن العماري تحرك في صورة مصغرة من اليساريين الراديكاليين السابقين، مستغلا هذه السياسة، ليشارك بشكل كامل في زخم التضامن الذي أعقب زلزال الحسيمة في عام 2004. وبالتالي ولوج عالم السياسة من خلال واحدة من الدوائر الصغيرة القريبة من القصر.

وشدد السحيمي على أن العماري لم يقتصر على هذا الجانب وحده، وإنما تطور إلى تقديم نفسه كممثل “شرعي” نصب نفسه ليلعب دور الموجه الأساسي في استقرار الريف، من جهة ودور “اللوبي” الذي يخدم مصالح شخصيات بارزة في السلطة، من جهة ثانية، وهذه الازدواجية الوظيفية يمكن القول إنها تخدم الطرفين معا، سكان الريف والسلطة، أي الفوز باختصار لكلا الطرفين.

وتساءل أستاذ القانون الدستوري هل كان سيقتصر العماري على ذلك؟ ليجيب ليس على الأقل، فقد كان حري على رئيس جهة طنجة تطوان المستقيل قيل أن يخطو أي خطوة، أن يزن الأمور أكثر ويلعب دورًا خاصًا في المشهد السياسي الوطني لا من خلال “حركة من أجل كل الديمقراطيين” التي أنشئت في فبراير 2008 أو من خلال حزب الأصالة والمعاصرة الذي تم تأسيسيه في غشت 2008 والمؤتمر التأسيسي له في أوائل سنة 2009.

ولكن مع ذلك، يستطرد السحيمي بالقول إن هذه المنهجية كان بإمكانها أن تؤتي أكلها إن لم يتم إحباطها من قبل “الربيع العربي” سنة 2011، حيث قللت من شأن التطلع إلى التغيير المنعكس في هذه التعبئة الاجتماعية غير المتوقعة. ولكن لمواجهة هذا الموقف الذي لا يمكن السيطرة عليه، تم التوقيع في أوائل أكتوبر 2011 ، قبل سبعة أسابيع من التصويت المشؤوم الذي أجري في 25 نوفمبر، على  اتحاد يسمى “التحالف من أجل الديمقراطية” مع كل من  حزب التجمع الوطني للأحرار ، والحركة الشعبية  والاتحاد الدستوري و التوسع إلى أربعة أحزاب صغيرة في الطيف السياسي تشكلت من الحزب الاشتراكي لعبد المجيد بوسوباع و حزب التجديد والإنصاف الإسلامي لمحمد خلادي (حزب العدالة والتنمية حاليا)، إلا أن صناديق الاقتراع أعطت الأولوية لحزب العدالة والتنمية الذي تصدر الانتخابات ورئاسة الحكومة.

لكن إلياس العمري، يشير السحيمي، أنه لم يشعر بالإحباط وقرر تأجيل المعركة إلى الانتخابات المقبلة، التي انعقدت في 2016، إذ سيتم من جديد و بقوة أكبر انتخاب حزب العدالة والتنمية بقيادة عبد الإله بنكيران، مسترسلا، حتا لو ضاعف الحزب برلمانيه – من 47 إلى 102 –لن ينجح في مشروعه أو في طموحه. ومع ذلك ، وباعتباره رجلا ذا نفوذ  لإعداد هذه الانتخابات الحاسمة ، فقد قام بالكثير من أجل التهليل بالفوز.

“لقد تمت تعبئة الأموال في ظل ظروف استثنائية. حتى أن جهاز الأمن قد تم تفعيله لثني المرشحين ، أو استفزاز الآخرين أو الدفع من أجل حثهم على التصويت لصالح “البام”، وحتى كلا من حزب التجمع الوطنب للأحرار والحركة الشعبية يدركان أنه تم تجريدهما من 20 مرشحا مؤهلا”، يستطرد ذات المتحدث.

وأكد أستاذ العلوم السياسية، أن العماري قام أيضا بانقلاب حقيقي لطرد مصطفى منصوري من رئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار في أبريل 2010، منصوري المتحدر من الناضور والذي شغل منصب رئيس مجلس النواب سابقا، شكل غصة في حلق العماري ليس لسبب سوى أنه لا يعترف بوجود رئيس حزب آخر قد يفوقه في تمثيل منطقة الريف.

وبطريقة أو بأخرى، يورد السحيمي، بدا أن إلياس العماري يستفيد من نوع من الإحسان من قبل الدوائر القريبة من القصر، فقد  لعب ضد حزب العدالة والتنمية ، وبالتالي ، فقد تمت إدارته باختصار ، ولم يتم الحكم على توقعات المخطط  بالسلبية البتة، سيما بعد امتداد نشاطه إلى قطاعات أخرى غير الحزبية، إذ زكى، بنجاح، في الحركة الدبلوماسية لـ72 سفيرا في فبراير 2016، ما لا يقل عن عشرة ترشيحات، يمكن التعرف على ملفاتهم الشخصية بسهولة ، حيث  ينتمون سواء إلى الوسط المجتمعي المعروف أو إلى مسار اليساريين السابقين.

ويرى ذات المتحدث أنه بالرغم من المكانة التي أعطيت للعماري  ووقوف وزارة الداخلية في صفه، فلم يكن راضا تماما إلى أن حشد جهوده للحصول على مكانة مؤسساتية عن طريق رئاسة مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، مستطردا أنه في هذا الإطار، قام العماري، على الصعيد الدولي،  بمضاعفة مبادراته الشخصية إلا أنها لم تتوافق مع السياسة الخارجية للمغرب، سواء تعلق الأمر يقضية مالي مع مختلف الجماعات، أو قضية لبنان، أو  الحركات الفلسطينية المعارضة لمحمود عباس، أو فيما تعلق بقضية كردستان، أو مع حركة الاستقلال الكتالونية في برشلونة التي تلوح بالعلم الريفي.

“لكن طموح العماري لم يكن له حدود ووصل إلى حد التطور في باقي المناطق الأوروبية”، يضيف السحيمي “العماري جعل من نفسه محور نظام بناه بنفسه في علاقة مع شبكات من الداخل والخارج، في إسبانيا وهولندا وأماكن أخرى، لكن لحظة التقييم العام والتكلة السياسية قد حان، سيما حين خفق في إنجاز المشاريع المعلن عنها في الريف.

وأكد أستاذ العلوم السياسية أن حزب الأصالة والمعاصرة أخفق في محاولة لإفشال أي قوة دفع جديدة، كما أن العماري رسخ صورة سلبية للغاية عجلت بتدمير ثقة داعميه، ولذلك لم يكن هناك أي خيار آخر سوى إنهاؤه في 28 سبتمبر 2019، من على رأس مجلس جهة الشمال، مسترسلا “وإلى الآن فهذه تعتبر مجرد تصفية للحظة سياسية يمكن أن تتطور إلى مساءلة وتصفية حسابات”.

نهاية هذا الرجل “القائد” ، يشدد أستاذ القانون الدستوري، تطرح علامات استفهام كثيرة، أهمها لماذا يصنع النظام هكذا نوع من “البروفيلات” التي تكرس للقيادة الزائفة والإغراء الذي بجسد تراجعا في تجديد الأخلاق السياسية وكذلك في الانتقال الديمقراطي الصعب؟، وفق تعبيره.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x