لماذا وإلى أين ؟

القايد أخنوش الذي يريد إعادة تربية المغاربة

“باش نكونو واضحين، راه مكاينش مزايدات، لي حسابو يجي يدير القذف ويسب المؤسسات راه ماعندوش بلاصتو فالبلاد، اللي بغا بلادنا خاصو يحتارم شعار الله الوطن الملك، والمؤسسات والديمقراطية، ماشي بالقذف باش نزيدو للأمام، سمحولي.. ماشي غير العدالة لي دير خدمتها لأن واحد سب، المغاربة حتى هما خاصهم يديرو خدمتهم، المغاربة لي ناقصاهم التربية نعاودلو التربية ديالو”.

من يسمع مثل هذه العبارات، التهديدية، الفتانة، التحريضية، يتخيل نفسه أمام أحد قياد فترة الاستعمار الأجنبي للمغرب، أو أمام إحدى خطابات بنوتشي وفرانكو، أو زعيم إحدى الفصائل المتناحرة بأفريقيا خلال فترة تسعينيات القرن الماضي. لكن الحقيقة أن هذه الكلمات هي مقطع من خطاب للملياردير عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار”، خلال تجمع حزبي بإيطاليا.

القايد أخنوش 

خطاب أخنوش أنعش ذاكرة العديد من المغاربة، ودفعهم إلى تذكُّر ما رواه لهم أباؤهم وأجدادهم، أو ما رأوه في بعض الأفلام التاريخية عن قياد المستعمر المكلفين بـ”استتباب الأمن والاستقرار”، بالمنظور الاستعماري، بين القبائل وتأديب السايبة منها. وأبرز هؤلاء، الباشا التهامي الكلاوي، الذي كان يمسك بزمام الأمور في منطقة شاسعة من المغرب، بيد من حديد، مستغلا سلطته المطلقة على المنطقة وبمباركة الحماية الفرنسية لكل ما يقدم عليه من إطفاء نور كل من حاول الخروج عن الخطاب الاستعماري.

وأوجه التشابه بين أخنوش والكلاوي لا تقف عند حد الخطاب المستعمل، بل يتشابه الرجلان في الغناء الفاحش، والرغبة التي تصل إلى حد الجشع من أجل امتلاك السلطة، والعقلية الإقصائية لكل من لم يسايرهما فيما يريدان ويعارض ما يقولان أو يفعلان.

أخنوش الفتان

خطاب أخنوش يشكل تهديدا مباشرا على السلم الاجتماعي والتعايش بين المغاربة، فقوله “سمحولي.. ماشي غير العدالة لي دير خدمتها لأن واحد سب، المغاربة حتى هما خاصهم يديرو خدمتهم، المغاربة لي ناقصاهم التربية نعاودلو التربية ديالو”، هو دعوة مباشرة إلى إقامة شرع اليد، والخروج عن المؤسسات المخول لها إنفاذ القانون، وتشجيع على فرض سلطة البلطجية والشبيحة والميليشيات.

بل الأكثر من ذلك، أخنوش حرض المغاربة على الكراهية، كراهية بعضهم لبعض، وكراهية كل مخالف للرأي، وهي المقدمة التي تسبق الحرب الأهلية والعرقية، فما معنى أن يقول هذا الرجل الذي يهيئ نفسه لقيادة حكومة المغاربة، كل المغاربة أن ” المغاربة حتى هما خاصهم يديرو خدمتهم” غير المطالبة باستعمال العنف اتجاه المخالفين والمعارضين، وهو الأمر الذي لم تعد تمارسه حتى السلطة الرسمية بكل أجهزتها الأمنية.

السيد أخنوش، بالمغرب يعيش المساند للنظام الملكي كما يعيش المعارض له، من داعيين للجمهورية وحالمين بقومة وخلافة إسلامية، بل يعيش بين المغاربة من يطالب بفصل جزء مهم من ترابه عن سيادته وتشكيل دولة بأراضيه الجنوبية، لكن لم نسمع يوما أن الدولة المغربية، خلال العهد الحالي على الأقل، طالبتهم بمغادرة ترابها أو زجت بهم في السجون لأنهم لا أدلوا برأي لا يتفقون من خلاله مع نظام الحكم القائم، ولم نسمع أنها أسقطت عنهم حقوق المواطنة وحرمتهم من امتيازات ومتعت بها مخالفيهم في الرأي والموقف. لكن السيد أخنوش وهو يخاطب المغاربة، تهيئ له أنهم مجموعة من عمال إحدى شركاته التي تجاوزت الخمسين، أو خماسة لديه بأحد ضيعاته التي لا تحد.

فأي اعتداء سيتعرض له أي مواطن خالف الخطاب الرسمي، سواء بتظاهرة أو أغنية أو قصيدة أو لوحة فنية… سيكون لأخنوش دور في ذلك.

الخطاب الهدية والضربة القاضية

خطاب أخنوش الإيطالي الأخير، أظهر أن ما بين هذا الرجل وممارسة السياسة غير “الخير والإحسان”، ولا يعرف فيها أكثر مما “تعرف تلك الدابة فسكين جبير”. فخروجه هدية من السماء لم يكن يحلم بها خصومه السياسيين، وبالأخص حزب العدالة والتنمية، فكما وظف هذا الأخير ما عرف بـ”مسيرة ولد زروال”، وكانت أحد أسباب اكتساحه الانتخابي، أكيد لن يضيع هذه الهدية، وسيعمل على استثمارها أحسن استثمار، وهو الحزب الذي له آلة دعائية من المريدين، جد متغلغلة بين مغاربة الهوامش والأحياء الشعبية، وتعرف كيف توظف أخطاء وهفوات الخصوم.

أخنوش بخطابه وجه ضربة قاضية لكل ما سبق له ولحزبه أن قاما به، على علته، من أجل الوصول إلى كرسي رئاسة الحكومة. فبتحريضه للمغاربة بعضهم على بعض، ودعوته لهم بعصيان المؤسسات وتطبيق شرع اليد وتهديده لهم بالطرد من المغرب، أبان على أنه لا يصلح حتى لإدارة جماعة، فما بالك بحكومة تمثل كل المغاربة، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال ومن أقصى اليمين على أقصى اليسار.

وكما يقول كثير من المحللين، البيجيدي قوي بأخطاء خصومه.

الوطن غفور رحيم

كان على السيد أخنوش أن يطالع بعضا من تاريخ المغرب قبل الحديث مع المغاربة بلغة التهديد والوعيد، وسيجد أن الكثير من الدماء سالت بفعل عنجهية مسؤولين كان لهم نفس قاموس خطابه، قبل أن يتم استدراك بعض مما فات، ويفتح المغرب في عهد الملك محمد السادس صفحة الإنصاف والمصالحة، وطي صفحة ما عرف بزمن الرصاص، وهي إشارة مباشرة إلى القطع مع سياسة “لي هدر يرعف أو يغبر”.

بل الأكثر من ذلك، وقبل الانصاف والمصالحة، كان الملك الراحل، الحسن الثاني، قد تبنى سياسة “الوطن غفور رحيم” في وجه من حملوا السلاح في وجهه يوما ما، الذين حلموا بجمهورية الوهم، فكان لهذه السياسة آثارها الفعالة والإيجابية لدحض خصوم الوحدة الترابية وجمع اللحمة الوطنية.

فهل سيعي أخنوش الدرس ويعتذر للمغاربة عما صدر منه من إهانة في حقهم؟

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

8 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
صفاء
المعلق(ة)
11 ديسمبر 2019 14:58

اللهم افضح كل فاسد، حتى يتبين لناس من يريد لهم الخير .
المغاربة اكرم الناس مربين من زمان بدينهم او بتقاليدهم او علمهم .

حميد
المعلق(ة)
11 ديسمبر 2019 13:44

كون كان هو مربي ما يقولش هاذ الكلام على فمو هو خصو يتعاود فالتربية

nadahas70@hotmail.com
المعلق(ة)
10 ديسمبر 2019 14:22

هذا الواقع في المغرب الحبيب

nadahas70@hotmail.com
المعلق(ة)
10 ديسمبر 2019 14:22

نعم هذا الواقع في المغرب الحبيب

نبيل
المعلق(ة)
10 ديسمبر 2019 13:37

اللهم الطف بنا واهد حكام البلاد إلى تحكيم العقل وعدم الرد على من يعبر عن نفسه بما يكنه من شر وحقد…. لأن الوطن يكونه الشعب والشعب هو الذي يشكل الوطن ….والوطن للجميع بكل انتماءاته اللغوية و الحزبية والانتماءات على اختلافها في الدين كذلك….فاللهم احفظ بلادنا في كل مكان وكل حين واحفظ جميع الشرفاء والغيورين على مهامهم التي…يسندها لهم الشعب… واحفظنا اللهم من عمل كل متطفل على اي عمل لا يتقنه…واجعل الدائرة عليهم… آمين

CatchMeIfYouCan
المعلق(ة)
9 ديسمبر 2019 23:54

اخناتوش لم يعبر الى على شخصيته الحقيقية المتصفة بالعنجهية و الاقصاء،و كان له تعليق ايام المقاطعة المجيدة في حق المغاربة

جد ريم و زياد
المعلق(ة)
9 ديسمبر 2019 22:17

كيف تسمح الداخلية لزعيم حزب بأن يشرع في حملته الإنتخابية قبل الأوان , إن كذبة 100يوم 100 مدينة حول ماذا تتمحور ؟ أليست حول استقطاب المواطنين للتصويت على حزب الأحرار , الذي أسس من أجل أن يكون مكملا للأحزاب داخل الحكومات منذ نشأته , إذ يصطلح عليه بحزب الوسط , وها هو اليوم وبعد تقوية عضلاته بالمراس والتمرن مع المدرب الجديد الذي يتخيل أنه سيحقق ما يزعم تحقيقه سيرا على نهج المدربين الذين تتعاقد معهم جامعتنا الوطنية لكرة القدم , وفي الأخير نحصد السراب وكأن شيئا لم يقع سوى هدر المال العام , كذلك صاحبنا يصول ويجول خارج وداخل المملكة ممهدا الطريق لأكتساح الإنتخابات المقبلة على مرأى ومسمع الداخلية والعدل والنيابة العامة ورئاسة الحكومة والأحزاب , عندما يقيم الولائم على عينيك يا بن عدي , هل يؤلمه احساسه بفقر المغاربة ام نقص المعدات والأطر بالمستشفيات ام تعبيد الطرقات والمسالك بالمناطق الصبة الولوج , من يقف خلف هذا الأخطبوط الذي سيأتي عل الأخضر واليابس والذي يسعى ألى إعادة التربية إلى المغاربة , إنه يفكر بعقلية استعمارية مافتئ المغاربة ان تخلصوا منها , يريد العودة ألى سنوات الرصاص , فحذاري أيها المغاربة من الإنسياق وراء من ولد وفي فمه ملعقة من ذهب , على أن يترككم حفاة عراة تفترشون الأرض والحطب .

السعيد
المعلق(ة)
9 ديسمبر 2019 20:46

عندما يفقد الضعيف الضحل التفكير القدرة على إقناع الآخر يلتجئ إلى القوة ، وهذا النموذج من السياسيين الذين نزلوا بمظلة على الحياة السياسية وابتلينا بهم دون أن يكون لهم تاريخ يخافون على تلطيخه لا يؤمنون بدولة المؤسسات ويعتقدون أن المغاربة رعاع ولا حق لهم إطلاقا . وهب أن المغاربة ناقصي تربية كما يدعي أخونا فمن الملام ؟ أليس هو وأمثاله من المسؤولين الذين نهبوا الثروات برا وبحرا وحلبوا الضرع حتى جف أو كاد دون أن تكون لهم أية قيمة مضافة للارتقاء بالعنصر البشري لأنه لبنة الحاضر وثروة المستقبل. المغاربة عجين أيديكم ونتاج سياسات تربوية فاشلة أنتجت للشارع جحافل من العاطلين والمحرومين دون أن يكون لكم أدنى تصور لمخطط اقتصادي واجتماعي بإمكانه أن يستفيد من هذه السواعد ويرقى بالاقتصاد المغربي إلى الدرجة التي تجعل المواطن يِؤمن بكم ويذوب في حب هذا الوطن

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

8
0
أضف تعليقكx
()
x