لماذا وإلى أين ؟

يا وزير “التعليم” المرجو منك وقف هذه “الجريمة” في حق الشعب

المحفوظ الطالبي

لن تكون وجهة نظرٍ مبالغ فيها تلك التي ستقول: يستحيل أن يكون الفرد مواطناً، ويعي ما يجري حوله، إن كان يجهل على الأقل مبادئ القانون. على أساس أن هذا الأخير، بمختلف فروعه، يتدخّل في كل مناحي الحياة، ويؤطرها تأطيراً بـ”بيان العلاقات فيما بين الأفراد، وبينهم وبين مؤسسات الدولة”، وبـ”تحديد الحقوق والواجبات أو المسؤوليات بشكل عام ومجرد”، وبـ”تحديد الجزاء للمخالفين؟ ومن يوقعه؟ وكيفية توقيع؟..”.

فالذي لم يطلع على مبادئ القانون، يصعب عليه إدراك مفهــوم الدولة، ومـؤسساتها، ودورها، ومعنى “المواطن” وحقوقه واجباته، بل إنه لن يستوعب حتى ما يجري على مقربة منه، من نقاشات عمومية، وسيُصدم إن وقع يوماً تحت مقتضى قانوني معين يلزمه أو يمنعه من فعل ما، أو مثلاً تحت نص جنائي تسبب له في دخول ردهات المحاكم..

بعد الصّدمة سيردّد اللاّزمة التي يردّدها غالبية المغاربة: “مَا كَايْنْشْ القَانُونْ فْهَاذْ لْبْلادْ”، أو سيخرج مستنكراً ذلك في تساؤل: “وَاشْ هَذا حَقْ؟”. والمشكلة هــي أنه لم يكن يعلم بوجود المقتضى الذي بواسطته أُلزم أو مُنع أو تُوبع.. أو لا يعرف كيفية الدفاع عن نفسه إن كان قد ظُلم..

هناك مبدأ قانوني يُردّده فقهاء القانون، وأساتذته وطلابه، يقول: “لا يُعذر أحد بجهله للقانون”. والمبــرر الذي يُبرّر هذا المبدأ هــو الحفاظ على قُدسية القاعدة القانونية المجرّدة العامة، وبالتالي الحفاظ علـى الإستقرار والنظام والعدل ضداً في الفوضى والهروب من المسؤولية واللاّعدل.

هذا المبدأ جسّده المشرع المغربي في الفصل الثاني من مجموعة القانون الجنائي، الذي ينص على ما يلي: “لا يسوغ لأحد أن يعتذر بجهل التشريع الجنائي”.

طيب، لـكــن: لماذا لا تُحارب السلطة الحكومية، هذا “الجهل” في صفوف أفراد الشعب، بشكل جدي؟ وبتعبير آخر: لماذا لا يتم تدريس القانون -على الأقل المبادئ الأولية المتعلقة بنظرية الحق والقانون-، في مرحلة “الثانوي التأهيلي” مثلا؟

لماذا؟ ما المانع؟ ألا تريد السّلطة محاربة الجهل القانوني، وبالتالي احترام المبدأ المذكور أعلاه؟ أم أنها تخاف من صناعة “أفراد” يحترمون حقوقهم وحرياتهم ومؤسساتهم، و يفهمون ما يجري من نقاشات حولهم؟

أتخاف من صناعة “المواطنين” بدل “الراعية”؟ نتمنى ألا يكون الأمر هكذا.

الدستور ينص في الفقرة الأولى من الفصل الـ6، على ما يلي: “القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصاً ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوُون أمامه، وملزمون بالامتثال له”.

لكن كيف يمكننا الحديث في هذا المستوى، مع وجود سياسة تعليمية لا تُساهم في إعداد “المواطنين” وتساهم في إعداد “الراعية”؟!

نفس الفصل من الدستور يُضيف في فقرته الثانية: “تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية”.

أما الفصل الـ31 فنصَّ ضمن ما نصّ عليه، على الآتي: “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة”.

إذن، لما لا تعمل الدولة أو السلطة العمومية المكلفة(وزارة التعليم)، على تدريس النظرية العامة للحق والقانون قبل المرحلة الجامعية، للتلاميذ المغاربة، كمدخل أساسي لتعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، ولضمان المساواة بينهم، ومشاركتهم في الحياة العامة بمسؤولية؟

إن ما يُميز الدولة العصرية هـو قيام مؤسساتها على القانون، الذي يُحدد العلاقة فيما بينها، وبينها وبين مختلف الفاعلين، ومن هذا يمكن القول أن “الحق” المذكور أعلاه في الفصل الـ31، أي “التعليم العصري”، سيبقى بلا معنى في ظل حرمان أبناء المغاربة من معرفة معنى الدولة، وأسس قيامها، وعلاقتهم بها.. وكل هذا لا يمكن فهمه بعيدا عن “القانون”.

فلو مُكنت الأجيال الماضية، من حقهم هذا، المرتبط بالدولة العصرية، لتمّ تجاوز الكثير من الظلم، والكثير من الغموض بخصوص عدة قضايا (نموذج: موضوع الحريات الفردية الذي يدور نقاشه اليوم، ولا يستطيع البعض فهمه في إطاره الجنائي وبعده الحقوقي).

لهذا، فالمرجو منك يا وزير “التعليم” أن تُساهم في وقف هذه “الجريمة” في حق الأجيال المقبلة، وتمكينهم من حقهم في “تعليم عصري ميسر”!

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x