لماذا وإلى أين ؟

الحرب على الاستثمارات التركية في المغرب.. لمصلحة من؟

إدريس بنيعقوب* 

“لا نريد مغربا بسرعتين، أغنياء يستفيدون من ثمار النمو، ويزدادون غنى وفقراء خارج مسار التنمية، ويزدادون فقرا وحرمانا”. هكذا قال الملك محمد السادس في خطاب ثورة الملك والشعب لسنة 2014.

نستدعي الخطب الملكية، لكونها تميزت دائما بعمق اجتماعي، يهدف إلى تقليص الفوارق الاجتماعية، حتى أصبح هذا العمق محددا رئيسيا لكل مبادرات الفاعلين المنشئين لثروة البلاد، ومن بينهم الحكومة طبعا.

غير أن التحول الشارد الذي يقوده عضو الحكومة ورجل الأعمال مولاي حفيظ العلمي، يبدو أنه لا يستقيم مع مراد التوجهات الملكية بدعم جميع المشاريع التي تسد الفجوات الاجتماعية، و تساهم في السكينة العامة. بل يمكننا أن نقول أن تهديده بتمزيق الاتفاق مع تركيا، دون غيره من الاتفاقيات، رغم  تقاسمها جميعها نفس العجز التجاري، يوحي بأن الوزير أو حزب الوزير ينقلب على التوجهات المذكورة.

علينا ألا نغفل بداية، أن اتفاق التبادل الحر مع تركيا، هو اختيار اقتصادي لحكومة التناوب، عندما فكرت في تنويع الشركاء الاقتصاديين لفك الضغط عن الطبقات المغربية المتوسطة والفقيرة. ثم إنه اختيار يخفف حدة التوتر الاجتماعي ويرفع من القدرة الشرائية للمغاربة، ويزيد من مداخيل الخزينة العامة. جاء ذلك كله في سياق هيمنت عليه مقولة الملك الراحل الحسن الثاني بأن البلاد على حافة السكتة القلبية.

اتفاق التبادل الحر مع تركيا، قدم للمغرب خيارات اقتصادية ذات عمق اجتماعي لم تأت ولن تأتي من الغرب، من فرنسا أو الولايات المتحدة الأمريكية مثلا.

استثمارات تركيا في المغرب، انتعشت عندما كان فتح الله ولعلو مشرفا على الاقتصاد المغربي. وهو رجل ذو بعد نظر وفكر اقتصادي بعمق اجتماعي. وهو نفسه من أبرم الشراكة بين الرباط واسطنبول أيضا قبل مجيء إسلاميو العدالة والتنمية للعاصمة. ولم يكن خافيا عليه وعلى الحكومة، أن الاتفاق التجاري مع تركيا قد يسبب للمغرب عجزا تجاريا، وهو عجز طبيعي،  لكون اقتصادها مركز بشكل ملحوظ على الصناعة التصديرية.

العجز التجاري أو المالي، أحيانا يكون شر لابد منه. نظر له الخبراء وتصطنعه الدول في مراحل نموها العصيبة، بحثا عن السلم الاجتماعي وتفكيك أزمات القدرة الشرائية لتشجيع الاستهلاك والإنتاج والرفع من مداخيل خزينة الدولة. ولا يمكن اعتبار العجز التجاري تهديدا مباشرا لخزينة الدولة عكس العجز المالي الداخلي. وهو مرتبط بعدم قدرة التاجر المغربي على اختراق الأسواق المتعاقد فيها في إطار اتفاقيات تبادل حر. وبدل أن يعتكف الوزير العلمي، باعتباره وصيا على القطاع، لإبداع صيغ جديدة لمواكبة المنتوج المغربي في الخارج ودعم المستثمر المغربي في الأسواق الدولية، يفضل المسؤول الحكومي التهديد بهدم البناء الاتفاقي ككل، ما يترتب عن ذلك من اختلالات اجتماعية واقتصادية. كان من الأولى أن يدرس أسباب عدم قدرة المقاولة المغربية على التنافس الخارجي، والبحث في الأسباب التمويلية والضريبية والتقنية لذلك، بدل إلقاء اللوم على اتفاقية وقعت بإرادة الطرفين لفتح أسواق بعضهما البعض في إطار تنافسي واضح.

ويمكن القول أن تركيا هي المستثمر الأجنبي الوحيد الذي ساهم بصدق في فك القيود عن المستهلك البسيط، بل تفهمت وامثتلت  للتوجهات الاجتماعية للدولة المغربية في العهد الجديد. منتوجاتها توازن بين الثمن والجودة، في مقابل استثمارات غربية نالت النصيب الأكبر من خوصصة مؤسسات عمومية تنتج ذهبا، كمؤسسة اتصالات المغرب، وشركات توزيع الماء والكهرباء وغيرها، غير موجهة لدعم القدرة الشرائية للمغاربة، بل على العكس خلقت حاجيات جديدة مرهقة ماديا.

والمفارقة أيضا أن نفس مايسري على الاستثمارات الغربية، ينطبق أيضا على الاستثمارات العربية وتحديدا الخليجية، التي غاب فيها البعد الاجتماعي العميق الذي يساهم في استقرار الأنظمة وانتشار الأمن العام.

ولا ينبغي أن نغفل عن مسألة التشجيع على التبضع لدى الأتراك، من خلال انخراط الإعلام الرسمي مما يقدمه من مواد تلفزية خلقت ثقافة استهلاك الصورة والمنتج التركي، فكيف نأتي اليوم وبشكل مفاجئ وبدون مقدمات واضحة ونلوح بمقاطعة تركيا تجاريا؟

خطورة ضغط رجال الأعمال، الذين يطوفون ببيت حزب التجمع الوطني للأحرار، الذين تضايقت مصالحهم، جراء التواجد الاجتماعي للمستثمر التركي، بهدف إزاحة الأتراك من المغرب، إنما بسلوكهم المصلحي هذا على حساب المصلحة العامة وحماية قدرات الفئات الفقيرة، يوجهون المغرب نحو سياسة خارجية جديدة مع تركيا تتجاوز التجاري وتلامس السياسي والثقافي.

رجل الأعمال ينبغي ألا يسمح له كثيرا بالتطفل على اختيارات المجالات المحفوظة للملك وللأمة، وأن يفكر نيابة عنهما في صناعة سياسة خارجية جديدة للبلاد، تنطلق من منطق اللوبيات، ذات عواقب سياسية واقتصادية وثقافية غير مدروسة، أو أن يستعمل السياسة من أجل الابتزاز.

العلاقات بين المغرب وتركيا منذ تاريخ بعيد، تميزت بالاحترام والتوازن لأسباب دينية وثقافية. وموقفها من قضية الصحراء المغربية واضح ومتقدم على دول نعتبرها شقيقة، موقف لايعترف بالبوليساريو، ويشيد بالتجربة السياسية المغربية الفريدة في المنطقة غداة الربيع العربي.

التجمعيون مطالبون بتدقيق واستبيان موقفهم، بين اختيارات المال والأعمال، وبين اختيارات السلم الاجتماعي، وعلى رأسها دعم استقرار القدرة الشرائية. غير ذلك عليهم ألا يأملوا كثيرا في الحصول حتى على الرتبة الثالثة إن لم تكن الرابعة في الانتخابات المقبلة، لأنها ستكون فترة قصاص جماهيري ممن زادوهم حرمانا.

* باحث في العلوم السياسية

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

5 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
أمين
المعلق(ة)
الرد على  Terry bek
3 مارس 2020 15:01

أقل ما يرد به على قولك اسثتمارات فربسية بالمغرب، هي أن هذi الإستثمارات تمول بنسبة تفوق 80 بالمائة بأموال البنوك المغربية …

said
المعلق(ة)
2 مارس 2020 21:39

اي استثمارات التركية في المغرب تتكلم عليها يساهم في غلق عدد هائل من المحلات التجارية بكل اصنافها والمعامل الواقع في اتجاه وما تتكلمون عنه كانكم اتراك فمصلحة البلاد هي الاولى

Terry bek
المعلق(ة)
الرد على  ياسين
2 مارس 2020 21:24

كلام طويل عاطفي وفيه الكثير من التحايل ومحاولة تزييف واقع الأمور. أولا لت يمكن مقارنة التبادل الخر بين تركيا والإتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا. لان فرنسا تعتبر من أكبر المستثمرين في المغرب وتشغل الآلاف من اليد العاملة كما تفيذ المغرب على مستوى التكوين التكنولزجي. وهي تساهم في خلق الثروة. أما تركيا فهي تعتمظ على تسويق سلعتها وبيعها وإن بأثمان منخفظة وتجني من وراء ذلك أرباح تحولها لنفسها. وهي بهذا تغلغلت في الأحياء الشعبية لمعدل محلين(بيم) في كل حي وهي بذلك تضرب في الصميم شريحة كبيرة من ااتجار بالتقسيط ( مول لحانوت) وتشريد هم وعائلاتهم. والمغرب في الحقيقة ليس محتاج لمن يسوق بضاعته مهما كان ثمنها ولكن لمن يستثمر في مشاريع كبرى تشغل اليد العاملة المدربة وعالية التكوين. وهذا ما لا تفعله تركيا.ثم إن السلعة التركية على مستوى النسبج فقد كانت وراء إغلاق العديد من وحدات الإنتاج في قطاع النسيج وتشرد الآلاف منهم. وقد كان قطاع النسبج قبل الغزو التركي يشغل حوالي 42% من اليد العاملة النشيطة. أما اليوم أصبحت هذه الوحدات تعد على رؤوس الأصابع.

ياسين
المعلق(ة)
2 مارس 2020 11:46

مقال موضوعي جدا ومتزن ولا يسعى نحو دغدغة المشاعر . وهذا ما نرجوه و نتمناه من صحافتنا الراءدة. بالتوفيق.

احمد
المعلق(ة)
2 مارس 2020 11:09

لا تنتظر الا الخراب والافلاس حين يكون اصحاب الشكارة وزراء

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

5
0
أضف تعليقكx
()
x