لماذا وإلى أين ؟

نص التحقيق السري مع حسني مبارك

كان المكان فسيحا موحشا. أشبه بقاعة كبيرة جرداء تماما. لامقاعد ولا أرائك ولا موائد ولا حتى جدران. وجد حسني مبارك نفسه واقفا في طابور طويل مع أشخاص لا يعرفهم. كانوا عراة وكان مبارك عاريا مثلهم ماعدا قطعة من قماش تغطى عورته.

كان الجو شديد الحرارة لكن مبارك لم يكن يعرق مما ضاعف احساسه بالحر حتى خيل إليه أنه سيفقد وعيه في أي لحظة.

كان هناك ثلاثة مشرفين يجوبون القاعة وقد ارتدوا ثيابا بيضاء تشبه ثياب الاحرام وبدا على وجوههم تعبير جاد منضبط يكاد يكون صارما.

استوقف مبارك أحد المشرفين وقال بصوت ودي:

– لو سمحت يافندم. أنا محمد حسني مبارك. رئيس جمهورية مصر. أنا تعبان جدا. فهل يمكن أن أخرج من الطابور وأستريح في أي مكان حتى يحين دوري.

نظر المشرف إلى مبارك لحظة ثم تركه ومضى بغير أن يرد عليه. ظل مبارك واقفا في الطابور الذي كان يتحرك ببطء حتى حان دوره أخيرا. اصطحبه المشرف إلى مكان آخر يقف فيه رجل مسن يرتدي مثل المشرفين ولحيته كبيرة بيضاء.

اقترب مبارك من الرجل المسن فبادره قائلا:

– انت محمد حسني مبارك؟

– أنا يا فندم

– قل والله العظيم أقول الحق

– والله العظيم أقول الحق

في تلك اللحظة بدا المحقق وكأنه يقرأ المعلومات فوق لوح ما لايراه أحد سواه. سأل المحقق مبارك بلهجة رسمية:

– ماهي الذنوب التى ارتكبتها في حياتك.؟

– للأسف ارتكبت ذنوبا كثيرة

– كلها مسجلة عندنا. أخبرني بأسوأ ذنوبك

– أحيانا كنت أسهو عن أداء الصلاة في موعدها

– وماذا أيضا؟

بـــــدا التردد على وجه مبارك وقال:

– اذا كانت ذنوبي جميعا مسجلة عند سيادتك. أرجوك اعفني من الحديث عنها لأنني أستحي من الله سبحانه وتعالى.

بدا على وجه المحقق ما يشبه الابتسامة وقال:

– ونعم التقوى يا حسني

انهمك المحقق في مطالعة اللوح غير المرئي وقال مبارك بحماس:

– أدعو الله عز وجل أن يغفر ذنوبي .أنا يافندم أديت الحج أربع مرات . والحج كما تعرف سيادتك يمحو الذنوب جميعا

رمقه المحقق بنظرة متفحصة وقال :

– الحج يمحو الذنوب صحيح لكنه لا يمحو الجرائم

ساد الصمت لحظة واستطرد المحقق قائلا :

– الذنوب أعمال سيئة لكنها تؤذيك وحدك ولذلك فان الحج يمحوها. أما الجرائم التي ارتكبتها في حق آخرين فلن تمحوها ولو حججت مائة مرة.

بدا الفزع على مبارك وقال:

– لا يافندم أنا الحمدلله ارتكبت ذنوبا فقط. لم أرتكب جرائم اطلاقا

– بل أنت قتلت ياحسني

– يافندم أنا قتلت الأعداء في الحرب. كنت أدافع عن بلدى الحبيب. أنا عاشق لتراب بلدي. أرض أبي وأجدادي

قاطعه المحقق قائلا:

– بص يا حسني. أحسن لك تتكلم في الموضوع. الأناشيد والشعارات لن تفيدك هنا أبدا. أنت قتلت آلاف المصريين.

– ماحصلش يافندم

قال المحقق وهو يقرأ من اللوح غير المرئي:

-أنت أمرت وزير الداخلية حبيب العادلي بقتل المتظاهرين بالرصاص الحي فمات أكثر من ألف شخص

قال مبارك بصوت عال:

ــ أعترض يا فندم بشدة. لقد تمت محاكمتى بتهمة قتل المتظاهرين وحصلت على البراءة من القضاء المصري الشامخ

قال المحقق بهدوء:

– نحن لا نعترف بمحاكماتك لأنها كلها خالفت القانون وأنت تعلم ذلك.

سكت مبارك واستطرد المحقق وكأنه يقرأ بيان الاتهام:

– بالاضافة إلى قتل المتظاهرين فقد تسببت في قتل الآف المصريين. هل تذكر عبارة السلام التي غرقت بألف وأربعمائة شخص بسبب الفساد الذي تورطت فيه انت وولديك وحاشيتك؟ هل تذكر عشرات الألوف الذين ماتوا في عهدك من الفشل الكلوي والسرطان بسبب الأغذية الفاسدة والإهمال الطبي. كل هذه الجرائم أنت ارتكبتها وستحاسب عليها

بدا الخوف على مبارك وقال بلهجة متوسلة:

– عندي فكرة يا فندم ممكن سيادتك تسمعها؟

– تفضل

– أنا على استعداد لدفع تعويضات مالية لأهالي كل الذين فقدوا حياتهم بسببي

– ولماذا لم تدفع هذه التعويضات وأنت على قيد الحياة؟

– كل شيء نصيب

– أنت لم تدفع في الدنيا لأنك ظننت انك أفلت من العقاب لكن ربك هو العدل ثم أخبرني يا حسني من أين لك المال لتدفع تعويضات لآلاف الناس. سيكلفك ذلك مليارات الجنيهات.

– الحمد لله الحال مستورة

– عندما تملك مليارات وأنت موظف عام مرتبه محدد معروف لا يعني ذلك ان الحال مستورة وانما يعنى انك لص كبير

– يا فندم اني ما شئت ..

أنت يا حسني لص وقاتل ومجرم ولقد أعانك الفاسدون والمجرمون من أعوانك على الافلات من العقاب لكنك هنا في دار الحق ولسوف تلقى الجزاء العادل

أمسك المشرفون بحسني مبارك وتطلعوا إلى المحقق الذي قال:

– اذهبوا بهذا المجرم إلى حيث يلقى جزاءه

جر المشرفون مبارك إلى خارج القاعة وعبثا حاول الافلات منهم وراح يصيح:

– أنا حسني مبارك رئيس الجمهورية.

أخرجه المشرفون حتى اختفى عن الأنظار وفجأة علا صوته باستغاثة ثم أطلق صرخة تردد صداها في انحاء القاعة.

عاد المشرفون إلى المحقق الذى قال بهدوء

– احضروا الشخص التالي في الطابور

الديمقراطية هي الحل

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
مغربي
المعلق(ة)
8 مارس 2020 23:07

في نظركم كم من حسني موجود في الدنيا.
اللهم لا تتبعنا في الاخرة امور الناس اللهم غلبنا على هوانا واطماعنا في الدنيا.
قال احد الفقهاء مادام الله معك وان عرفت الله فلا تخف وان اخدت غير الله معك فاعلم ان الله عليك بالحساب لانه العادل

Younes
المعلق(ة)
8 مارس 2020 13:19

كاتب داعشي بنكهة يسارية….مثقفو آخر الزمان

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x