مازال وباء كورونا “كوفيد19” يجتاح العالم إذ تخطت الإصابات حاجز 400 ألف مصاب، بينما تقترب الوفيات من 20 ألفاً، ولم يتم المصادقة من طرف منظمة الصحة العالمية على أي دواء لعلاجه لحد الآن.
ومن المعلوم أنه يتم الكشف عن الحالات المؤكد إصابتها بفيروس كورونا بعدما تُجرى لها الفحوصات المخبرية، وفق برتوكول خاص ومواد خاصة، وهي الوسيلة الوحيدة، لحد الآن، من أجل محاصرة هذا الفيروس والحد من انتشاره حسب مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الذي صرح أنه للانتصار على الجائحة “يجب علينا مهاجمة الفيروس باستراتيجيات شديدة الوطأة وموجَّهة من خلال إخضاع كل حالة مشتبه فيها للفحص، وعزل كل حالة مؤكدة والعثور على كل الأشخاص الذين كانوا على اتصال وثيق بها، ثم عزلهم”.
المغرب من بين البلدان التي تم فيها، لحد الآن، الكشف عن حالات إصابة مؤكدة، تعد قليلة مقارنة بما تم الإعلان عنه في دول مجاورة كإسبانيا أو إيطاليا، والتي يها جالية مغربية مهمة دائمة التنقل بين المغرب وهذه البلدان.
فهل تعبر الأرقام المعلن عنها عن حقيقة الوضع؟
المعروف عالميا لحد الآن أن عدد الإصابات بفيروس كورونا المعلن عنها يحدده معدل عدد الحالات التي يجرى لها الاختبار من أجل الكشف عن مدى إصابتها من عدمه بهذا الفيروس، وفي المغرب، إلى حدود الساعة السادسة من مساء يومه الخميس مارس الجاري، تم الإعلان عن تسجيل 275 حالة مؤكدة، منها 8 حالات تماثلت للشفاء و10 حالات توفيت نتيجة مضاعفات هذا الفيروس.فيما تم استبعاد 931 حالة مشتبه فيها بعد تحليل مخبري سلبي، مند بدأ هذا العملية أواخر شهر فبراير المنصرم، مما يعني أنه بعد حوالي شهر لم يستطع المغرب إجراء الفحوصات إلا في حدود 1206 حالة فقط.
بألمانيا مثلا أعلن فيها مدير معهد “روبرت كوخ” لوتار فيلر، أن “المختبرات الألمانية تجري نحو 160 ألف فحص في الأسبوع، أي ما يناهز 740 ألف فحص في الشهر، ويقدّر عدد الإصابات بها حتى اليوم بحوالي 37 ألف حالة، توفي منها 206 حالة. أما إيطاليا فرفعت تعبئتها إلى 20000 تحليل يومي، ما يفسر العدد الكبير من الإصابات المؤكدة التي كشف عنها ووصلت إلى أكثر من 75 ألف إصابة.
وبمقارنة النسبة المئوية لعدد الإصابات المعلن عنه في المغرب من مجموعة الحالات التي أخضعت للفحص، المعلن بمثيلتها في الدول المذكورة يمكن أن يستنتج منه أن نسبة الإصابة في المغرب قد تكون مرتفعة جدا، لأن عدد الفحوصات القليل لا يظهر العدد الحقيقي للإصابات.
لماذا لا يجري المغرب الفحوصات والتحاليل لعدد أكبر من المواطنين؟
سبق لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ووزير الصحة في حكومته، خالد آيت الطالب، أن طمأنوا المغاربة بخصوص عدد مختبرات الفحوصات، وأكدت الوزارة أن عدد المختبرات المخول لها إجراء فحوصات اختبار “كوفيد19” المعروف بـ “كورونا” ومتابعتها، هي ثلاثة وذلك لما له من خصوصية وتوصيات خاصة من منظمة الصحة العالمية.
وأوضحت الوزارة سابقا أنه، وبالنظر إلى الوضع الوبائي في بلدنا، وخصوصية الاختبارات، فإن المعهد الوطني للصحة بالرباط التابع لوزارة الصحة، ومعهد باستور المغرب بالدار البيضاء التابع لوزارة الصحة، ومختبر مستشفى محمد الخامس العسكري، هم فقط المخول والمصرح لهم بإجراء هذه الفحوصات بمختبراتهم.
ويتكلف معهد باستور بالتشخيص المخبري الجيني لفيروس “كورونا” بالمنطقة الترابية لجهة البيضاء سطات إلى جنوب المغرب، بينما يتكلف المعهد الوطني للوقاية بالرباط بالمنطقة الترابية من الرباط صعودا إلى مدن الشمال والشرق.
ومن المعلوم أن الاختبارات المتوفرة تسمح حالياً بالكشف عن إصابة المريض في الوقت الذي يُجرى فيه الفحص. وهي تستند إلى التحليل الجيني وتحتاج إلى عينة عن طريق إدخال مسحة (نكاشة قطنية طويلة) بعمق في أنف المريض. وتُعرف النتيجة في غضون ساعات.
بالإضافة إلى إشكالية المختبرات يعاني المغرب، على غرار عدد من الدول الأخرى كفرنسا وإسبانيا، من مشكل توافر الكواشف الكيميائية (المواد التفاعلية للكشف عن الفيروس) المصنعة بشكل رئيسي في الصين والولايات المتحدة، التي تضاعف عدد الطلبات عليها عشرات المرات، أو حتى من النقص المحتمل في المسحات القطنية. فما العمل إذا؟
النموذج الكوري
تعتبر كوريا الجنوبية تجربة رائدة في مجال إجراء الفحوصات الطبية للكشف عن حالات الإصابة بفيروس كورونا.
فحسب ما نشرته شبكة “أورو نيوز” قامت كوريا الجنوبية بحملة فحص واسعة النطاق أجري خلالها نحو 300 ألف اختبار، وعُزل المصابون وجرى تتبع كل من اختلطوا بهم، عبر المراقبة بالفيديو أو تتبع استخدام بطاقتهم المصرفية أو هواتفهم الذكية، من أجل إجراء فحص لهم.
ونجحت هذه الاستراتيجية أيضًا في سنغافورة. حسب نفس المصدر، وقد حد هذا من تفشي الوباء وسمح للبلدين بتجنب تدابير الإغلاق المشددة التي اتخذتها اليوم دول أخرى كثيرة، بما لها من عواقب اجتماعية واقتصادية جسيمة، لكن اختصاصي الأمراض المعدية الفيليبيني إدسيل سالفانا نشر تغريدة على تويتر قال فيها “الاختبارات الكثيفة فكرة رائعة نظريًا، لكن المختبرات المتخصصة لا تنمو على الأشجار”. حتى أنه اعتبر توجيه منظمة الصحة العالمية تعليمات بإجراء اختبارات كثيفة “إجرامياً” لأنه لا يأخذ في الاعتبار “ظروف” كل بلد. وكتب “أنا معجب بما قامت به كوريا الجنوبية وكنت سأفعل ذلك لو كان لدينا الكثير من المال والموارد. الأمر ليس كذلك، زملائي يستخدمون أكياس القمامة كمعدات واقية”.
وخلاصة القول هو أن مواجهة هذه الجائحة تتطلب تظافر كل الجهود وتعبئة كل الموارد والإمكانيات الطبية والشبه الطبية والمالية، والإمكانيات التي يتوفر عليها المغرب لا تمكنه من إعمال التحاليل لكل المواطنين لتسهيل التحديد الحقيقي لخارطة انتشار هذا الوباء بالمملكة وبالتالي اكتشاف الرقم الحقيقي لعدد الإصابات، لدى وجب الالتزام بالحل الواحد المضمون حاليا للحد من انتشار الوباء، وهو الحجر الصحي والبقاء في المنازل وتجنب الاختلاط.