لماذا وإلى أين ؟

خبير يكشف أرقاما صادمة لخسائر الإقتصاد المغربي من جائحة كورونا

أحمد الدحماني*

تدفعنا الجائحة يوما بعد يوم أن نعيشها بواقعية أكبر ، بعدما تجاوزنا الصدمة النفسية التي تزامنت و أول قرار  حكومي بإغلاق المدارس والمقاهي، لهذا ونحن نعيش هذا الوضع موزعين بين فئات متعددة من المجتمع ، منهم من يعيش في الحجر الصحي ، ومنهم من يوجد في الصفوف الأولى لكبح انتشار الجائحة على المستوى الصحي والاقتصادي والأمني والتربوي والخدماتي ، ومنهم من لا زال يجوب الشوارع والأزقة بحثا عن لقمة العيش، ضمن هاته الفئات يمتد خيط رفيع من الاطمئنان لدى غالبية المواطنين والمواطنات بقدرة ماكينة الدولة على تجاوز هاته المحنة والجائحة في شقها الصحي و الوبائي، بل  ساهمت الجائحة في بناء إجماع شبه كلي على التدابير المتخذة من قبل أجهزة الدولة استباقا ، لكن مقارنة بسيطة بين الموجود و المعبأ في الدول  الغربية التي تضخ مليارات الدولارات لمواجهة “كورونا”( أمريكا تبحث توفير اثنين  تريليون دولار. وهولندا تنفق 22 مليار دولار. وفرنسا تضخ 45 مليار يورو. بريطانيا توفر 400 مليار دولار. وإسبانيا تخصص 200 مليار يورو …) وما نحاول تعبئته بالمغرب يفرض علينا الآن مساءلة مقدراتنا وإمكانياتنا كدولة ثالثية لهذا سنتداول العديد من العناصر والإجراءات التي اتخذتها الدولة وكذا أدوار الفاعلين الاقتصاديين مع التفكير المسبق في أثار الجائحة في الأمد القصير والمتوسط:

سبع عناصر لفهم ما يتهدد المالية العمومية جراء الجائحة :

العنصر الأول في المعادلة : صندوق محاربة الوباء إلى حدود يوم 24 مارس  بلغ حسب تعداد لاماب 23 مليار درهم ونصف دون احتساب المبالغ التي عبر عنها بعض الموظفين و ذوي المناصب السامية والمنتخبين والتي اعتقد ستحول في متم الشهر لكنها على كل حال رمزية ولا يمكن أن تشكل رقما كبيرا وهذا أقصى ما يمكن الوصول إليه إذا سلمنا انه عادة أقوى المساهمات تكون في الأيام الأولى.

العنصر الثاني في المعادلة : عملت الدولة على إقرار تحمل الضمان الاجتماعي لمدة ثلاث أشهر بما قيمته 5000 درهم في المجموع وإذا علمنا أن عدد المنخرطين في الصندوق يتجاوز ثلاث ملايين ونصف  وأن فقط النصف من سيفقد مرحليا أو نهائيا وظائفهم فسيكون الاعتماد المالي حوالي عشر مليار درهم  ، إذا أضفنا إليه الإجراء الخاص بالنساء الأرامل والنساء معيلات الأسر فسنكون تقريبا ضمن الخمسة عشر مليارا.

العنصر الثالث في المعادلة : إذا افترضنا أن عدد رجال الأمن وقوات التدخل ورجال وأعوان السلطة والجيش والأطباء والممرضين والمهن الشبه الطبية المجندون ليلا نهارا هو مائتي ألف وهو رقم متواضع وغير واقعي مقارنة مع ما نشاهده ليل نهار واحتسبنا كلفتهم الخاصة بالتغذية والتجهيزات الشخصية والوقود تقريبا في 70 درهم نكون أمام معدل إنفاق يومي يناهز 14 مليون درهم يوميا ومعدل إنفاق 420 مليون درهم شهري.

العنصر الرابع في المعادلة : الإجراءات الخاصة بالفئات الهشة والمشتغلين في القطاع الغير مهيكل وهي الغالبية لازالت الإجراءات الموجهة لها قيد الدراسة ، والتي قدرها  عبد الله بوانو، رئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، بحوالي مليوني مواطن يشتغلون في قطاعات غير مهيكلة، والتي إلى جانب الإجراءات المذكورة أعلاه  سنتجاوز بها العشرين مليار درهم الموجهة فقط لوقف النزيف الاجتماعي وصد الهشاشة مؤقتا.

العنصر الخامس المجهول في المعادلة : هو كلفة الاستعداد الطبي اللوجيستيكي والدوائي والشبه دوائي والبشري والذي أكيد تكلفته جد مرتفعة وتحتسب بالمليارات من الدرهم.

العنصر السادس في المعادلة : مالية الدولة هي المالية العمومية هي المعبر عنها في قانون الميزانية العامة والموزعة بين نفقات التسيير ونفقات الاستثمار وللعلم بناء الميزانية يتم وفق تقديرات مرتبطة بتعبئة موارد على رأسها الصادرات وهي متوقفة بشكل شبه كلي،  الجبايات والضرائب وهي متوقفة ، العائدات من التحويلات بالعملة الصعبة وهي متوقفة نسبيا ، موارد المؤسسات والشركات العمومية والشبه عمومية وهي تقريبا متوقفة يعني نحن في شبه انهيار مالي للمالية العمومية، لان التقديرات التي بنيت بموجبها الموازنة العامة انهارت ، وأصبحنا تقريبا أمام ميزانية بعمود واحد عمود المصاريف،   كما عمل بنك المغرب منذ بداية الجائحة على تخفيض الفائدة على الأبناك بدل 2,5 أصبحت فقط 2 في المائة وهو إجراء يروم الاستقرار المالي لكن مقابله هناك تبعات مالية على توقعات البنك المركزي ومداخيل الدولة في الاستثمار المالي ، نفس الشيئ بالنسبة لمداخيل الرسوم والتنبر التي توقفت بشكل شبه نهائي

التبعات:

ما سنخسره بالتأكيد هو تحويل الاعتماد المخصص للاستثمار إلى المالية لمواجهة الجائحة مما يعني تقهقر بسنتين حيث إن كانت ستشيد طريق أو مسالك أو ربط بالكهرباء و الماء ـ الشيء الذي يعني  الإبقاء على الأوضاع  أو اللجوء إلى تدابير الحد من التشغيل أو الترقية الداخلية وهو ما يعكسه منشور رئيس الحكومة ليوم 25 مارس  الشيء الذي يؤكد  أمام خصاص مهول في الموارد البشرية السنة القادمة أو اللجوء إلى المؤسسات المانحة الدولية مما يعني تبعات على مستقبل الفئات الهشة والطبقة المتوسطة بإجراءات تقشفية.

في مقابل هذا قدمت الدولة العديد من التحفيزات للقطاع الخاص حيث  تم احتساب  مساهمتهم  في الصندوق ضمن المصاريف المحاسبية مما فوت علينا مداخيل ضريبة مهمة كما أن الصندوق سيأدي بشكل غير مباشر  وجزئي تكاليف الضمان الاجتماعي الخاص بأعوان وعمال العديد من الشركات ذاتها و الذين تم تسريحهم خلال هاته المدة  كما يتم البحث في الحين ذاته  عن إجراءات من المال العمومي لتعويض النساء والرجال الذين كان جزء منهم يشتغلون لديهم دون تسجيل في الضمان الاجتماعي .

مع كل ما يعتري الأرقام والمعطيات السالفة الذكر  من نسبية شديدة فان منطق التضامن الوطني وحماية المال العمومي وحماية الماكينة العمومية من الانهيار يفرض علينا مطالبة الدولة بسن إجراءات تروم إجبارية مساهمة   الأثرياء و كبار الشركات التي ضلت لعقود عديدة تستفيد إما بالريع أو الامتياز الضريبي أو الامتياز المالي و الصفقات العمومية في مكافحة الوباء ، والمساهمة بالضرورة يجيب أن تكون وفق رقم المعاملات وليست الأرباح ، فما وفره حضن وثدي الدولة لهؤلاء يفرض إلزامهم بالجبر وليس بالعطف ، فخارج كل القواعد لا يمكن الاستفراد بالغنى لحظة البؤس، ولا يمكن للمساواة في الحجر الصحي أن تنسينا ما أعطتكم  الدولة لأزيد من خمسين سنة  و ما غضت عليه بصرها لصالحكم  ،

*أحمد الدحماني، اإطار دولي اشتغل لستة سنوات في برنامج تدبير المخاطر والكوارث لدى قسم التنمية والتعاون السويسري التابع لسفارة سويسرا في المغرب، ما بين 2007 و2013، وأشرف على برنامج تكوين الأطقم المسعفة la gestion communautaire des risques ووضع خرائط الإنذار المبكر واستراتيجيات التدخل في المناطق المنكوبة

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
توصيات السراب
المعلق(ة)
27 مارس 2020 17:30

سيدي، لو طالبت إلزام الفقراء بضراءب جديدة لما طبقت في الحين.
انما من تطالبهم هم الأغنياء وأصحاب الريع والقرار، وبهاتين الصفتين لن يطبق عليهم للاسف شيء من كل أو بعض ما تقترح والأيام بيننا.
ربما نسيت أنهم المفصولين على بقية الشعب.

أنس
المعلق(ة)
27 مارس 2020 12:47

مفردات لا معنى لها
_خبير
_اقتصاد مغربي

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x