لماذا وإلى أين ؟

المغرب المنتظر..

لحياني أحمد

في أي ظرف استثنائي تاريخي هناك أشياء تتغير، وأشياء تتمدد فتصبح أكبر من حجمها الطبيعي، وهناك أشياء تظهر على حقيقتها كما لم يسبق لها الظهور. هكذا هي فلسفة التاريخ أخبرتنا في أبجدياتها أن التماهي في الزمن المادي هو مجرد خدعة أو أحجية لا بداية ولا نهاية لها، وبالتالي فإن التاريخ على ضوء هذه الأحجية تكشفه سياسات طائشة تعيد دورة الزمن المادي إلى الصفر ويصبح العالم على حافة العودة إلى زمنه الحسي الحقيقي، أو على حافة الانتقال القيصري إلى زمن مادي آخر معد له مسبقا كما وقع بعد الحرب العالمية الثانية.

من الواضح أن (الماكروكوزم)- الكون الأكبر- له انعكاس على (الميكروكوزم) الدولة، وهو انعكاس لحظي دقيق يكاد يوحد العالم على نفس القرار ونفس التوجه دون الحاجة لأي مركز قرار، كما هو الحال في ظاهرة الحجر الصحي وما واكبها من اجراءات وقرارات فردية لم تحتج فيها الدول لاستشارة أي مركز قرار دولي: منظمة الصحة العالمية، منظمة التجارة، الأمم المتحدة… وهذا جزء من انكشاف الحقائق.

انخراط المغرب في ظاهرة الحجر الصحي بالشكل الذي نراه اليوم يستدعي منا الوقوف عند الأدوات قبل فهم الرسائل واستنتاج ما الذي ينتظرنا بعد انجلاء الوباء.

أكيدأن الحماس والاجتهاد الذي أبان عنه المكون السياسي والأمني والإعلامي… أحدث استنفارا في نفوس الجماهير التي لم تألف هذه التعبئة إلا عندما تعلق الأمر بالصالح الخاص لجهاز المخزن. يبدو أن الأمر يتعلق هذه المرة بظاهرة تحقق الرغبة أو لنسميها انعتاق الرغبة داخل الحلم كما فسر فرويد ذلك، وبالتالي يبدو الأمر كأن الدولة كانت تتمنى مثل هذا القرار بعدما دخلت في اكتئاب حاد على جميع الأصعدة والمستويات لم ينفع معها تعديل ولا لجنة نموذج تنموي ولا اعتقال النشطاء ولا التضييق على الحريات..

في المقابل لا يغدو سلوك القائمين على تحقيق حلم حظر التجول أن يحمل في طبيعته نزعة الأستاذية في إخبارنا بحقيقة ما وأحيانا باللغة التي نفهمها في مغزى “أعبدوا رب هذا البيت الذي..” لكن في المقابل الخطاب المبتذل الذي أصبح يستعمله المخزن لما يمتد إلى التهديد والتعنيف، هو نوع من السباحة مع تيار المتخيل أي الحفاظ على رمزية السلطة، وإقناعنا بضرورة احتكارها للعنف من أجل الصالح العام. هذا كله يجري بدون جمهور حقيقي وهو ما يجعل الصورة غير مكتملة، رغم تفطن المخزن لهذا الأمر و ترك الإعلام وحده في الشارع كضمير جماعي مستتر لكنه يوظف في الغالب لصالح السلطة.

من المؤكد أن جنوح السلطة إلى هذا التدافع الدلالي في ظل غياب مقابل له التدافع الاجتماعي على أرض الواقع إنما هو محاولة انتاج أو الترافع عن تدافع جديد وهو تدافع (ميتادلالي) أي يفوق الدلالي خصوصا إذا استمرت السلطة في انتاج قيم جديدة دون رجع صدى ودون ممانعة الشارع، وهذا ما سيمنح السلطة أسلحة جديدة وهنا نكون أمام المفاهيم و الأشياء التي تتمدد داخل زمن الحظر كما أشرنا في البداية.

قادة العالم اليوم خرجوا من شرنقتهم الانسانية وأصبحوا يتحدثون بلغة المال والمركنتيل وبدؤوا الاستعداد لما بعد انجلاء الكوفيد، فالتفكير كله ينصب اليوم حول الاقتصاد خصوصا بعد تعافي الصين قبل العالم، ما يعني تركز اقتصاد العالم فيها ولو لحظيا، لكنها قد تكتسح أسواق جديدة وتقلب أنظار العالم إليها.. وقد بدأت ببرتوكول جديد اسمه “حسن النية” عبر اعلانها استعدادها لتقديم المساعدات للدول العاجزة أمام الوباء لما قد يمتد إلى منحها قروض بفوائد بخسة، ولما لا شرائها ديون دول أخرى تحت رحمة الأندية الاقتصادية الأوروبية، ما سيضطر الصناديق العالمية إلى التعامل مع الصين ككفيل اقتصادي جديد للعالم هذا إن لم تتحرك القوى الكبرى لقطع الطريق عليها..

ما بعد الجائحة هل يملك المخزن رد فعل قائم بذاته للمخلفات الاقتصادية الكارثية التي سيعاني منها البلد خصوصا في ظل تأخر سقوط الأمطار ما يعني موسم فلاحي كارثي مرتقب، وموسم سياحي كارثي هو الأخر بسبب إلغاء أغلب الحجزات السياحية، وبالأخص إن استمر الحظر الجوي على الطيران ما يعني بقاء الجالية المغربية في موطنها الحالي، وما يحمل ذلك من انعكاسات على سوق الشغل وكذلك على احتياطي العملة الصعبة كأحد أهم المؤشرات التي ستجعل من معدل النمو يسجل أقل نسبة أقل من 1% الأمر الذي قد يعيدنا إلى زمن انتفاضة الكوميرة..

هل يملك المغرب حلولا عبقرية غير تحرير مطلق لسعر الصرف؟ غير الاستفادة من “خط الوقاية والسيولة” بقيمة 2.15 مليار وحدة بحقوق سحب خاصة (حوالي 3 مليارات دولار أمريكي) الذي صادق عليه صندوق النقد الدولي في ديسمبر 2018 ؟

المتوسط للتعجيل بفتح الحدود مع جزائر الحراك ومع تونس السكرانة بتعبير أحد مثقفيها ومع ليبيا الجريحة..
لا يمكن محو أثر خيبة الدولة عبر فرض هيبة الدولة..

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x