لماذا وإلى أين ؟

هل فتحت وسائط التواصل الإجتماعي مجالا لحرية التعبير في المغرب؟

فسحت وسائط التواصل الاجتماعي مجالا رحبا لتبادل النقاشات في عدة مواضيع خاصة منها تلك التي تهم الحياة العامة للمواطنين والتي كان يصعب في ما مضى الحديث فيها، خصوصا داخل الدول التي تعرف تضييقا على حرية التعبير بحسب تقارير لمنظمات حقوقية عالمية.

المغرب بدوره عرف هذه الظاهرة، فهل ساهمت وسائط التواصل الاجتماعي في توسيع هامش حرية الرأي والتعبير أم خلقت فوضى في هذا الشأن؟ وكيف تعاملت معها الجهات المعنية؟

يقول رئيس “منظمة حرية الإعلام والتعبير بالمغرب”، محمد العوني “من المؤكد أن الوسائط الحديثة للتواصل، خاصة منها شبكات التواصل الالكتروني، ساهمت وتساهم في توسيع مجالات حريات الرأي والتعبير وحرية الإعلام أيضا”.

ويضيف العوني في تصريح لـ”آشكاين”، “يمكن أن أشير إلى بعض المؤشرات الدالة في هذا الباب، منها أولا توسيع مجالات حرية الرأي والتعبير وادماج عدة قضايا ومواضيع كانت إما مغيبة أو قليلة الحضور في النقاش العام، مثلا قضية العفو عن سجناء بشكل عام وهنا نستحضر حادثة العفو عن البيدوفيل الإسباني كالفان على وجه الخصوص”، وكذا “إدماج أناس لم يسبق أن أتيحت لهم إمكانية المساهمة بآرائهم وأبحاثهم وتعبيراتهم في النقاش العمومي، إذ هناك العديد من الشباب والأدباء والمفكرين الذين أصبحنا نكتشفهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي والالكتروني عامة”، بالإضافة إلى ” إتاحة الفرصة للاشتغال وغالبا بتطوع للدفاع عن قضايا وطرح آراء بإمكانيات أكبر وبسهولة لم تكن الفرصة متاحة لها كما هو اليوم”.

ومن بين مؤشرات مساهمة وسائط التواصل الاجتماعي في نشر حرية الرأي والتعبير كذلك، يقول العوني ” العمل الذي برز خلال انتفاضات ربيع الديمقراطية الذي أزهر في 2011 بالمنطقة العربية وهذا بفضل تلاقي عدة عناصر ومكونات أهمها الشباب والوسائط الحديثة للتواصل ولاسيما شبكات التواصل الإلكتروني”.

وعن المقاربة الرسمية في التعامل مع هذه الوسائط يعتبر المتحدث ذاته أنه “مهما كان التحكم والتلاعب والمنع والقمع فهو لن يؤثر إلا جزئيا على هذه الدينامية التي انطلقت ولا رجعة فيها، لأنها ذات طبيعة تاريخية”، مؤكدا أنه “مهما توهم الحاكمون والسلطات السياسية والأمنية والإعلامية هنا أو هناك، أنه بإمكانهم إيقاف هذا الإزهار فبالتأكيد سيصطدمون بتطور الواقع الذي لن يعود إلى الوراء كما يريدون، فلا يمكن مثلا للأجهزة التي تحاول منع التواصل الالكتروني أن تمنع التفاعل الخارجي في هذا الباب”، مبرزا (العوني) أن “الخطير في الموضوع هو سعي بعض الأجهزة في الدول الكبرى للتواطؤ مع هذا المنع والقمع من أجل الحجب”، لكن السؤال، يردف المصدر نفسه، هو ” إلى متى ستستطيع الأجهزة منع هذا التواصل؟ لأن المستحدثات والاختراعات في هذا المجال تفيد أن هناك ثورة داخل ثورة المعلومات التي نعيشها”.

وأكد متحدث “آشكاين” أن “محاولة التحكم في الفاعلين داخل الوسائط الحديثة وخاصة الفيسبوك مستمرة منذ 2011 إلى غاية اليوم وجعل القانون يمنع حرية التعبير الالكتروني بشكل تعسفي وما نعيشه من نقاش في هذا الجانب للأسف يغيب نقطة حرية التعبير وحرية التواصل الرقمي، أو ما نسميه في منظمة حرية الإعلام والتعبير حرية التواصل الرقمي وتركيز الموضوع على أن هناك سعي لاجتثاث حرية التواصل الرقمي “.

ويشير العوني إلى أنه ” في 2014 و 2013 كان هناك مشروع لسن قانون رقمي، سمي بمدونة القانون الرقمي، وأنهم قاموا بحملة مع فاعلين عبر الفيسبوك لإسقاطه وأسقطوه وأوقفوا المشروع رغم أن الوزير المكلف بالقطاع قد أنجز في ما بعد مشروعا جديدا دون طرحه للنقاش”، معتبرا أن “هذه المحاولات للمنع والحجب عن طريق القانون ليست جديدة”، موضحا أن “المتابعات الأخيرة للداعمين لحراك الريف تبين مستوى التعسف الذي بلغته السلطة في التعاطي مع حرية التواصل الرقمي”، لكن، يستدرك ذات المتحدث “المؤسف أنه ليس هناك عمل موحد ومشترك للمتضررين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمدافعين عن حرية التعبير في الموضوع”.

عبد اللطيف اليوسفي، عضو المجلس الأعلى للتعليم ومدير أكاديمية التعليم بجهة الرباط سلا القنيطرة، سابقا يرى أنه، “لا يمكن لأحد أن يقلل من القيمة العالية لأدوات و قنوات التواصل الاجتماعي و الأدوار الكبرى التي ما فتئت تضطلع بها في عالم اليوم، وخاصة في مجال التواصل الذي أضحى بفضل هذه القنوات يتسم بالسرعة والفعالية “.

وبخصوص المغرب، يقول اليوسفي في حديث لـ”آشكاين”، “فهو مندرج في هذه الصيرورة ولا يمكنه الخروج من منطقها أو الفكاك من قوتها الإعلامية والتواصلية الضاربة أو حتى تسييجها مهما بذلت السلطة من محاولات “، مشيرا إلى أن” التجربة الممتدة دلت على فعالية قنوات التواصل الاجتماعي المختلفة في تنظيم و توجيه حركات الشعوب وتأطير الحركات الاجتماعية والاحتجاجية سواء في إسبانيا مع بوديموس أو في اليونان مع سيريزا كما لعبت أدوارا طلائعية في دول أمريكا اللاتينية” بل يضيف المتحدث ذاته ” أضحى من المؤكد أنها لعبت أدوارا فعالة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية منذ حملة أوباما …”

“أما الدور الفعال الذي لعبته هذه القنوات التواصلية في حركات ما عرف بالربيع العربي”، يقول متحدث “آشكاين”، ” فكبيرة ومتعددة ومتنوعة ؛ وضمنها الدور الفعال الذي قامت به هذه القنوات في دعم وتنظيم مبادرات وفعاليات حركة 20 فبراير2011 وما تلاها من حراكات وتحركات إلى غاية اليوم”، مردفا “النتيجة أن هذه الثورة التواصلية أصبحت إحدى الثمرات الهامة والقوية لعصر التكنولوجيا و التطور العلمي والتواصلي في الغالبية من دول العالم ومنها المغرب مما انعكس إيجابا على العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وأسهم في محاربة بعض مظاهر الفساد وفضح بعض حالات الارتشاء وعدد من الممارسات التي اضطرت المسؤولين إلى التدخل العاجل الشيء الذي لم يكن متاحا من قبل “.

ويشير اليوسفي إلى أنه “من النتائج الهامة لهذه الثورة التواصلية أنها يسرت بقدر كبير الولوج إلى المعلومة وأسهمت في دمقرطتها حتى أن هذه المعلومة أضحت متاحة للجميع بغض النظر على المستوى التعليمي وبصرف النظر عن صدقية المعلومة أو مصدرها، وبها تكون قنوات التواصل الاجتماعي قد غيرت نمطية الإعلام التقليدي وطورت آليات التواصل بشكل غير مسبوق “، مشددا على أنه “إلى جانب هذه الايجابيات – التي لا تُنكر- برزت خلال الممارسة الميدانية العديد من السلبيات التي واكبتها إذ لم تكن المواد الاعلامية كلها صادقة و منصفة؛ بل كان منها الظالم والمضلل والمؤجج للمشاعر الدينية أو العرقية وثم توظيف بعضها للمس بأعراض الناس وضرب الحريات الفردية والجماعية واستبيحت الحياة الشخصية وحتى الحميمية للناس …”، ومن تلك السلبيات، حسب اليوسفي ” أن التعامل مع قنوات التواصل الاجتماعي يعرف إقبالا وصل حد الإدمان المؤثر على العلاقات الاجتماعية والإنسانية لأن آليات ترشيد الاستعمال أمست مستحيلة مع الانفجار المعلوماتي والتواصلي “.

ويتابع اليوسفي بالقول “إنه إذا كانت هذه القنوات التواصلية قد أدخلت في حياة الناس بعض عوامل الترفيه والتسلي فإنها ليست بعيدة عن أغراض التلهية عن المشاكل المعيشة، وأنها ساهمت في نفس الآن وبقوة في ترويج مضاعف للفكر التقليدي والفكر الظلامي؛ إلى جانب تشجيع العودة إلى العادات التقليدية البالية والمتجاوزة وفي مقدمتها الترويج للشعوذة وممارسيها، وبالمقابل لم يستفد الفكر التنويري كثيرا من هذه القنوات، كما لم يستفد منها الفكر التوعوي وقيم حقوق الإنسان الكونية بالقدر الكافي”، حسب تعبير المتحدث.

وعن مقاربة الدولة للتعاطي مع هذا الحقل يردف اليوسفي أنه “في الحالة المغربية كنموذج، سجلنا تفاوتات واختلافات بل حتى تناقضات في سلوك الدولة الرسمي من هذه القنوات، مشيرا إلى أنه “في البدايات انطبع سلوك الإدارة بالتسامح الحذر فانفتحت أدوات التواصل الاجتماعي ونشطت في لحظة انفتح فيها السلوك السياسي للدولة وبدأت التحليلات تتحدث عن العهد الجديد خلال السنوات الأولى الموالية لانتقال السلطة يوليوز 1999 ..”.

ويرى متحدث “آشكاين” أن “أقواس الانفتاح بدأت تتراجع مع 2007 وما تلاها، ومع الأدوار التي لعبتها قنوات التواصل الاجتماعي في تنظيم ودعم حركة 20 فبراير 2011، بدأ التوجس الرسمي وبدأت المضايقات المتدرجة لبعض الأصوات المعارضة وبعض الأشكال التعبيرية التي تفضح الواقع وتعزز نضالات الناس واحتجاجاتهم”، موضحا أن “هذه المضايقات وصلت إلى درجة أن قوانين صيغت لضبط الوضع كما أن أجهزة تخصصت في التتبع والتحليل والمواكبة والرصد “، مبرزا أن “النظام المغربي استثمر من جهته قدرات هذه القنوات التواصلية للدعاية له والترويج لسياسته وتلميع الصورة”، معتبرا أن ” لحظة الحراك الريفي تمثل “إحدى اللحظات الأكثر قوة وعنفا في تدخل الدولة وتحول سلوكها من التسامح الحذر إلى المحاكمات، مما تتضررت معه وبه الصورة التي يراد تسويقها للدولة حتى إن تقارير مختلفة تسجل التراجعات في مجال حرية التعبير” .

ويشير اليوسفي إلى أن “تتبع التغريدات المختلفة ومحاكمة النشطاء السياسيين والاجتماعيين بما يعبرون عنه من رأي وما يؤيدونه من مواقف ضرب من العبث والنكوص إلى الوراء؛ ومحاكمة هؤلاء الفاعلين المغاربة بمجرد إعجاب أو إعادة نشر إعلان أو موقف ليس في الواقع العملي إلا محاكمة لرأي سياسي معارض؛ علما أن هذه الممارسة مناقضة للخطابات الرسمية التي تدعي الدمقراطية والحداثة “، يقول المتحدث نفسه ويضيف أن ” دخول مغرب اليوم إلى روح العصر يستلزم فيما يستلزمه التعامل مع منتجات العصر بدون انتقاء ودعم آفاق الدمقرطة الواسعة التي تبقى الضامن الفعلي والقوي للاستقرار المبني على العدالة والكرامة واحترام الحريات وكافة الآراء”.

ومن خلال ما سبق يبدو أن وسائط التواصل الاجتماعي ساهمت في توسيع هامش حريات التعبير والرأي، وهو الأمر الذي أدى إلى خلق عدة حركات احتجاجية وتسريع وثيرة عملها، لكن هل ستسمح الجهات الرسمية ببقاء هذه الوسائط خارج رقابتها أم أنها بدأت في تفعيل مخطط لإحكام قبضتها عليها؟

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x