لماذا وإلى أين ؟

عصيد يكتب: حتى لا نظل فئران تجارب

التصريح العنصري الذي صدر عن طبيبين فرنسيين، والذي تحدثا فيه بدم بارد عن تجريب لقاح على الأفارقة، علاوة على تناقضه مع المبادئ الكونية لعلم الطب، والتي يجسدها القسَم الذي يؤديه جميع الأطباء عند تخرّجهم وقبل مزاولتهم لمهنتهم، يطرح أمامنا معضلة استمرار وهم المركزية الأوروبية لدى العديد من النخب الغربية، كما يطرح مشكلة بلدان الجنوب التي ما زالت عاجزة عن الخروج من الوصاية، وبناء أنظمتها الاقتصادية والسياسية الوطنية المستقلة، التي ستتيح لها من ضمن ما ستتيحه امتلاك أسس البحث العلمي بمعاييره الدولية، وتحقيق الاكتفاء  الذاتي في مجال الطب والعلوم كافة.

فمن المعلوم أن بلدان الجنوب ما زالت تُستعمل بموافقة من الأنظمة السياسية التي تحكمها، على جعل إفريقيا مقبرة لدفن النفايات السامة للبلدان الصناعية، واستعمالها في خطط دولية لحماية مصالح الدول القوية، كما أن الحكومات الأوروبية وعلى رأسها فرنسا ما زالت لا تتورع عن دعم وحماية الأنظمة الاستبدادية التي تحرس شعوبها لفائدة  المصالح الغربية، لكن ما الذي يسمح باستمرار هذا الوضع ؟ لماذا لا يغير الغربيون نظرتهم إلينا نحو مزيد من الاحترام ؟ هل يمكن أن يحترمنا الآخر إذا كنا لا نحترم أنفسنا وبعضنا البعض، ولم نعمل على تغيير ما بأنفسنا ؟

نعم لقد قام ديمقراطيو الغرب بنقد الخطاب العنصري الذي صدر عن الطبيبين المذكورين، وهو ما يدلّ على أنّ الضمير العالمي ما زال يقظا ضدّ الفاشية وكل ما يخالف القيم الإنسانية النبيلة المتعارف عليها في العالم، لكن في اعتقادي لا يكفي أن نأمل أن تتغير أفكار الآخر عنا، إذا لم نعمل على دفعه إلى احترامنا، فمن بين أسباب التأخر الذي ما زالت البلدان الإفريقية تتخبط فيه، أن الحركات المعارضة التي انتقدت الغرب وعادته لم تتمكن من تقديم بدائل حقيقية للمضيّ إلى الأمام، كما أن هذه الحركات ظلت محدودة التأثير وعاجزة عن تغيير موازين القوى التي تكبلها.

ماذا لو نجحت البلدان الإفريقية في إرساء أنظمة ديمقراطية ناهضة، تضمن سمو القانون والتوزيع العادل للثروة، والمساواة التامة على أساس المواطنة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وفصل السلطات ، واحترام الحريات الفردية والجماعية ؟

ماذا لو أنها شيدت أنظمة تربوية قائمة على العلم والجودة والكفاءة والحرية والإبداع ؟ لا شك أنها ستتمكن من تغيير العقليات التي صنعها الاستبداد الطويل الأمد، هذه العقليات التي أصبحت هي نفسها أفضل حارس لهذه الأنظمة من الداخل قبل الخارج.

إن التحديات التي تواجه بلدان الجنوب كثيرة، وقد تزداد وضعيتها تبعية وتدهورا إذا لم تضع خططا مستقبلية للخروج من أزماتها، ولعل الترسيخ الديمقراطي هو السبيل الأوحد لذلك.

إن الذي جعل بلدانا كانت إلى أمد قريب فئران تجارب وتحولت إلى بلدان مستقلة وناهضة بقوة وممسكة بزمام أمرها، هو الحكامة الجيدة والقيادة الرشيدة وسيادة الوعي المواطن، وفي غياب هذه المقومات جميعها سنظل نمارس الدفاع البلاغي عن أنفسنا، دون أن نغير من حقيقة أوضاعنا شيئا.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
عز الدين طيري
المعلق(ة)
6 أبريل 2020 16:40

كلام في الصميم.أفريقيا يجب أن تنهض.المستقبل لها متى تمكنت الشعوب من حكم نفسها بعيدا عن الحكام بالوكالة

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x