لماذا وإلى أين ؟

خلق مجلس وطني للأخلاقيات

د. مراد علمي

إن التطورات الراهنة وتفشي جائحة فيروس كورونا والمدة المحتملة التي ستجبرنا توخي الحيطة والحذر توضح أننا مطالبون اليوم توحيد قوانا بغية خلق مجلس وطني للأخلاقيات قصد تنوير الرأي العام وتقليص الضغط المفرط على مسؤولي وزارة الصحة المغربية، فهذا سوف لن يقلل من أهمية الأرقام التي تقدم الوزارة الوصية يوميا، بل سيواكب، يكمل ويسد بعض الثغرات ويواجه الشائعات التي ليس لها أصلا أي أساس من الصحة، كما سيعالج بعض المشاكل والمواضيع التي ستلي فيما بعد.

إن انتشار الشائعات والمعلومات الخاطئة والكاذبة لها تأثير سلبي بليغ ليس على قرارات الوزارات الوصية والمصالح العمومية فحسب ولكن حتى على مسار الأمراض المعدية، حيث ستزيد من تعقيدها، كما ستؤدي إلى حالة عامة من الذعر والهلع وسلوكيات خاطئة، لأنها توحي للناس في بعض الأحيان ببث شعور زائف بالأمان، علاوة عن هذا جميع المعلومات التضليلية، عن قصد أو غير قصد، ترفع من وتيرة الريب والإضطراب.

يتحتم علينا إذا كبح الشائعات المغرضة إذا أردنا تطويق وضبط العدوى، بعض الأفكار بعجالة: 1. البقاء مطلعا على أحدث المستجدات والتدرع بالشك في المعلومة، يعني التحقق منها قبل توزيعها، الصورة يمكن لها أن تكون مفبركة كذالك، 2. من هو المصدر؟ لأنه هناك أشخاص و دول كذالك تروج لشائعات وأكاذيب قصد تقويض الثقة في المؤسسات، نمط العيش أو النظام السائد، و زرع بذور التفرقة وتأجيح والإستثمار في الفوضى، 3. إسئل نفسك: أين هما المصادر ومن قام بتوزيع هذا الخبر أو ذاك؟ 4. من هو الكاتب أو الشخص الذي قام بتوزيع هذا الخبر؟ هل هو جدير بالثقة؟ 5. هل الكاتب متحيز أو نزيه؟ وهل تطرق للموضوع من زاوية واحدة؟ هل عثرت على نفس المعلومة في مواقع أخرى موثوق بها؟ وما هي الحقائق التي استغني عنها؟ 5. تجنب التحيز، لأن غالبا ما نصدق المعلومة التي تأكد رأينا، أفكارنا وتطلعاتنا، نظرا لاقتحام هذه العملية دواخلنا بدون أي وعي، 6. هل هذه المساهمة تعتمد على إثارة المشاعر وتحريك العاطفة؟ أو كتبت بطريقة عقلانية، دقيقة، بعيدة كل البعد عن التشهير والإفتراء، 7. إتصل بمن له دراية بالموضوع بغية الإستفسار أو النصيحة، لأنه كل واحد منا يتوفر على مؤهلات، مهارات وخبرات ذاتية خاصة.

أما في ما يخص وظيفة المجلس الوطني للأخلاقيات، ستكون في صلب اهتماماته جميع القضايا المتعلقة بالفكر والعلوم الإنسانية، الطبيعية، الطبية، القانونية وتداعياتها على الفرد والمجتمع ككل، كما سيتم رصدها، تدوينها ونشرها بغية تنوير الرأي العام وتشجيع التفاعل بين جميع الفئات المجتمعية والتوصل إلى استنتاجات ونتائج قابلة للتنفيذ وتقديم التوصيات الملائمة التي يراها ضرورية للحكومة، للبرلمان، للسلطات ومؤسسات دولية أخرى تشتغل بنفس الطريقة وتحت يافطة نفس المؤسسات العمومية.

من الضروري أن يقوم المجلس الوطني للأخلاقيات بمهامه تحت طائلة هياكل الدولة والمؤسسات لتمكينه من المحافظة على سيادة القانون الذي سينظمه في إطار الإستقلالية والشفافية التامة، كما يتوجب على أعضائه أن لا يكونوا محزبون أو يتقلدون مهام معينة في هرم الدولة، سيتكون هذا المجلس من أساتذة جامعيين مرموقين وخبراء مشهود لهم بالكفاءة الفعلية والنزاهة في الطب، العلوم الإنسانية والطبيعية، القانون، علم النفس، علوم الترجمة والدين، اللغات الأجنبية الحية، على الأقل ثمانية، الفكر إلخ، ولهم رصيد غزير وكتابات عدة أدرجت في كتالوجات مكتبات جامعية ودولية تحتل المراكز الأولى والصدارة فى الترتيب الدولي، مثل جامعات هارفارد، برينستون، ييل، ستيندفورد، إم آي تي إلخ أو مكتبات وطنية مثل الولايات المتحدة، ألمانيا، أستراليا، فرنسا، المملكة المتحدة، الصين إلخ، يجب أن يعكف المجلس الوطني للأخلاقيات على جميع القضايا الحساسة والمصيرية الخاصة بالمجتمع برمته أو نبعت عن انشغالات ممثلي المجتمع المدني الحر، لأن تنوع الرأي شيء محمود، علما أن التوافق والتناغم، تهذيب النفس والقدرة على الوصول لحل وسط هو مفتاح النجاح، لأن هذه القدرة تشكل فعلا سمة من سمات الإنسان الناضج والمسؤول.

سيتكلف المجلس الوطني للأخلاقيات بتدبيج وجدولة مواضيع انشغاله بكل اسقلالية وشفافية، كما يمكن للبرلمان أو هيئات حكومية أخرى أن تكلفه بمهمة معينة تدخل في اختصاص ومهام المجلس، سينشئ لهذا الغرض وعند الإقتضاء لجانا فرعية التي سيخول لها الإستعانة بخبراء خارجيين، سيكون هذا التعاون محصورا في الزمن والمكان وليس مقرون بالعضوية، وبعد نشر التقرير أو الخبرة ينتهي التعاون، سينشر المجلس الوطني للأخلاقيات على موقعه الإلكتروني تقارير، خبرات وتوصيات طبقا للقضايا الملحة وجدولة أولوياتها، اللغات المتداولة لهذا الموقع هي: العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية والإسبانية.

من ضمن مهام المكتب سيكون البحث، توفير وتقييم جودة الترجمات العلمية والمستندات، برمجة الجلسات والتظاهرات، الإجابة على أسئلة المواطنات والمواطنين، التجاوب الفعال مع وسائل الإعلام الرسمية والخاصة ومد جسور التواصل مع الهيئات الإقليمية والدولية.

فهذا لا يعني أن المجلس الوطني للأخلاقيات سيقصي أي شخص أو حزب، بالعكس، سيتفاعل مع جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان أو خارجه، كما سيتبادل الآراء والخبرات مع جميع الوزارات قصد بلورة خلاصات وتوصيات قابلة للتطبيق، لا غالب ولا مغلوب، بالعكس: رابح رابح، كي نواجه جميعا بصدق وأمانة الصعاب لضمان التقدم وربح الرهان الآنية، وتضافر جهود الجميع أصبح شرط من شروط النجاح قصد تغيير مسار هذه الجائحة التي رمت بظلالها الثقيلة على جميع دول العالم.

إلى جانب دعم الحوار الإجتماعي من الضروري تعميق التعاون العلمي مع مجالس أخرى، كانت أمريكية، ألمانية، سويسرية، فرنسية، كندية، إسبانية، تونسية، مصرية، غابونية، هندية، إطالية، يابانية، برتغالية إلخ، ومن بين المحاور المحتملة يمكن ذكر التضامن والمسؤولية إبان أزمة فيروس كورونا، علم اللقاحات، الشيخوخة، الغذاء العالمي، مقاومة المضادات الحيوية، أبحاث الأدوية، الأنظمة المستقلة، طب الإنجاب، بحوث الجينوم، الرعاية الصحية، فريضة التلقيح، أبحاث الدماغ، علوم تصميم الإنسان الآلي والتمريض، الخلايا الجذعية إلخ، كما سيمكن خلق لجن مشتركة قصد إيجاد مناخ مشجع للتعاون وتنمية وتطويرالمهارات وتبادل الخبرات والمعارف وتعميمها، والمغزى المتوخاة من هذا المجلس هي خلق دينامية جديدة، تشجيع ودعم “مجتمع المعرفة” واعتبار هذه المرحلة على الأرجح فرصة.

ومن بين الدول التي يمكن لنا أن نتخذ كنموذج فهم كوريا الجنوبية في آسيا وألمانيا في أوروبا، لأن هذان الدولتان يعتبران الديمقراطية ليس مسميات فقط ولكن جوهر نظاميهما السياسي الذي يقوم على الشفافية، خدمة الشعب بتفاني حقيقي وصدق، منذ البداية أجابوا الأساتذة الجامعيين الألمان المختصين في الأوبئة عن كافة الأسئلة التي طرحت عليهم بعبارات صريحة ونزيهة، حيث هيؤوا المواطنات والمواطنين للأضرار المرتقبة التي ستحصل جراء هذه الجائحة، كما كان رد الساسة والمسؤولين على الولايات حازما وشرسا في التعاطي مع هذه العدوى، إضافة إلى التطبيق السريع لنظام الإختبارات التي وصلت في كوريا الجنوبية إلى 140 ألف في الأسبوع و 500 ألف في ألمانيا، دون أن تفوتهم الفرصة إلى تواصلهم اليومي والشفاف مع الجمهور طيلة الأزمة، ورئيسة الدولة الألمانية أنجيلا ميركل حاضرة بقوة في المشهد الإعلام وتخاطب شعبها بانتظام وشبه يومي بغية طمأنته وشرح الخطوات والإجراءات التي ستتخذ بالتوافق مع أعضاء حكومتها، لأن الرصد المبكر هي الطريقة الأنجع لعزل المصابين وعلاجهم، وهذا الأمر ينطبق على كوريا الجنوبية وألمانيا على حد سواء، حيث وصل معدل الوفيات في ألمانيا وكوريا الجنوبية إلى تقريبا %2,5 الذي يعتبر الأقل عالميا، أما المتعافين فيفوق العدد %50 في كلا البلدين، وهذه هي الدول التي يمكن لنا أن نتخذها كقدوة، مع العلم أن كوريا الجنوبية كانت تعتبر من دول العالم الثالث في بداية السبعينات والدخل الفردي للملكة المغربية آنذاك يفوق بكثير دخل كوريا الجنوبية، إذا، النجاح ممكن.

والحمد لله المملكة المغربية تزخر بالنوابغ والطاقات البشرية الهائلة، على سبيل المثال الدكتور منصف سلاوي، رئيس مجلس إدارة اللقاحات في شركة جلاسكو سميث كلاين، ليس هذا الخبير فقط، هناك العديد منهم، جلهم يشتغل في صمت ولكن لهم صيت وباع في قطاعات اختصاصاتهم ويتمتعون بسمعة طيبة على الصعيد الدولي لدى أصحاب المعرفة والعلم، يجب أن نتبنى فقط شعار الكفاءة، عماد الثقة، الجودة، النزاهة والإستقامة، مفتاح التقدم والإزدهار.

*إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x