لماذا وإلى أين ؟

الأزمة الصحية العالمية: اختبار التضامن؟

ادريس المعلم

الأزمة الصحية التي يعيشها العالم لها وقع قوي على الاقتصاد الحقيقي(économie réelle) , عكس سابقتها التي تفجرت سنة  2008  بسبب أزمة قروض الرهن العقاري بالولايات المتحدة، ثم انتقلت إلى البورصات والمصارف وشركات التأمين. عدم سداد الديون المتراكمة عجل بإفلاس بنك Lehman Brothers سنة 2009. كل التوقعات بخصوص أزمة كورونا تنذر بتراجع نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3- في المائة(حسب صندوق النقد الدوليFMI) برسم السنة الجارية، أي سقوط PIB الناتج المحلي الإجمالي  لدول العالم إلى أدنى مستوياته مما سيوسع دائرة الفقر في العالم والتفاوتات الطبقية، وقد أشار التقرير الأخير لمنظمة أوكس فام أن أكثر من نصف مليار فقير سيزدادون بسبب الكوفيد19 .

1.تشخيص موجز للأزمة العالمية الصحية

المثير في الأزمة الصحية هو استثمارها سياسيا من طرف الدول المتحكمة في القسط الأكبر من اقتصاد العالم. بالرجوع إلى كرونولوجيا الأحداث انطلق الوباء صامتا من الصين، إلى أن تم الاعلان رسميا عن تفشيه في  وسط البلد وبالضبط يوهان أواخر 2019. لكن قبل ذلك بأشهر عرف مسلسل شد الحبل بين العملاقين الصين والولايات المتحدة الأمريكية أوجه، والكل يتذكر فرض الرئيس ترامب رسوما على المنتوجات الصينية وأيضا في الطرف الأخر من هذا الصراع السعودية التي خاضت حرب الأسعار بعد رفض روسيا تخفيض إنتاجها للبترول ..وما الحرب الإعلامية التي تقودها أمريكا حاليا ضد الصين واتهامها بالتستر على الوباء إلا امتدادا لهذه الحرب الباردة التاريخية الغير معلنة والتي لن تبشر بتعاون مستقبلي لإيجاد لقاح ينهي شبح الفيروس الصامت.

معطى أخر يفرض نفسه هو طريقة تعامل دول العالم والتجمعات الاقتصادية مثل (UE) و (G8) مع الوباء. عدم تفاعل الاتحاد الأوروبي سريعا مع حالة إيطاليا يطرح علامة استفهام كبيرة! ولا يمكن أن نغفل موقف الرئيس ترامب من منظمة الصحة العالمية حين أوقف دعم بلاده لها تحت مبرر تراخيها في تقديم الأرقام الحقيقية لإدارته!؟ وما تلاه بعد ذلك من عمليات قرصنة لمخزون الأدوية والمعدات والأجهزة بين الدول مما سبب فوضى عارمة و تبادل التهم ..كلها أحداث سترخي بظلالها على المنظومة العالمية وسياسة العولمة والدبلوماسية والعلاقات الدولية.

التهافت على شراء المعدات والأدوية وسط إقفال المعامل وتسريح العمال خلق أزمة عرض وأبان عن وزن الصين في اقتصاد العالم باعتبارها مزودا رئسيا للسلع والخدمات، ويمكننا أن نلاحظ كيف توفقت أنشطة عدة مصانع بالعالم بمجرد أن طبقت حالة الحجر. أمام هذا الوضع  ومن أجل ضمان سرعة توفير الأقنعة والعتاد الواقي من انتشار الفيروس، استخدم الرئيس الأميركي صلاحيات “استثنائية” بموجب قانون صدر قبل أكثر من 70 سنة، وهو قانون “الإنتاج الدفاعي”.

هذا القانون يستخدم في حالات طوارء الحرب ويتيح  تسخير الشركات لتغيير نشاطها لمواكبة الأزمة ومساعدة البلاد، و أيضا لاحظنا في الضفة الأخرى من العالم كيف أن بعض الشركات غيرت نشاطها بين عشية وضحاها تحت ضغط الوباء، وكيف أن بعض الصناع التقليديين بالبلدان النامية تحولوا لتجار المواد الغذائية الخ.. أزمة العرض رافقتها أزمة طلب حيت أن تسريح عدد هائل من العمال (الرقم يفوق 1 مليون حسب منظمة العمل الدولية) تسبب في نقص الطلب وهو مؤشر على نشوب أزمات اجتماعية مستقبلا.  لتفادي السقوط المدوي سارع الاتحاد الأوروبي ومعه باقي الدول إلى ضخ الترليونات في السوق لانقاد ما يمكن إنقاده وللتخفيف من الآثار المباشرة للفيروس.

كما نلاحظ أيضا تخبط الدول النامية في التعاطي مع الاجراءات المواكبة للحجر الصحي، للحد من الانعكاسات السلبية وهو ما كشف تغييب المعايير العلمية والتقنية في صرف الاعتمادات والاكتفاء بعشوائية المبادرات وعدم التنسيق بين الفاعلين(manque de synérgie)، وهنا نتوقف لطرح السؤال التالي:  هل ستكون أزمة كوفيد فرصة لإعادة ترتيب الأوراق وإعطاء الأولوية للقطاعات الإجتماعية و تقوية الاقتصاد الداخلي والبحث العلمي؟ هل ستأمم (la nationalisation) المؤسسات الكبرى؟ بخلاصة هل ستكون الأزمة درسا نافعا؟

2.المغرب وأزمة كورونا: الاقتصاد الإجتماعي نموذجا

المغرب بدوره في عز الأزمة بادر إلى سن إجراءات احترازية لتطويق انتشار الفيروس وقد مكن ذلك نسبيا من السيطرة على الوضع إلى حد كتابة هذه الأسطر، أما من الجانب الاقتصادي قامت الدولة المغربية بمبادرة من الملك بإحداث صندوق مخصص لصد الأثار السلبية للفيروس إلى جانب عدة مبادرات تهم تعويض الأجراء والمواطنين بشكل مباشر المتضررين وكذا المقاولات الخاصة الصغرى والمتوسطة منها التي توقفت عن أداء نشاطها الاقتصادي..لكن في المقابل تم تسجيل تزايد في الدين الخارجي  وهو ما سيكون له تداعيات في المستقبل على التوازنات الماكرواقتصادية، كما أكدت على  ذلك مندوبية التخطيط حيث خفضت توقعاتها لمعدل نمو الاقتصاد المغربي لعام 2020 بنسبة الثلث، إلى 2.2 بالمئة”.

الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وأزمة كوفيد19 ؟

يعد قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من بين القطاعات المتضررة بالنظر إلى حجمه ومساهمته في الناتج الوطني المحلي وكذا عدد المنخرطين،إذ أن عدد التعاونيات تجاوز 27200 تعاونية وذلك إلى حدود نهاية سنة 2019، في حين فاق عدد الأعضاء سقف 653000 متعاون ومتعاونة. تمثل النساء 35 % من بين العدد الإجمالي للأعضاء أي ما يفوق  197000 امرأة. ويتميز النسيج التعاوني باستمرار تصدر التعاونيات العاملة في القطاع الفلاحي بنسبة تزيد 64 % من مجموع التعاونيات متبوعا بتعاونيات قطاع الصناعة التقليدية  بنسبة تفوق 18 %(حسب ODCO).

يلعب القطاع دورا حيويا في الدورة الاقتصادية  إلى جانب الاقتصاد الرأسمالي،  وقد يصبح بديلا حقيقيا عنه في المستقبل لتراكم هفوات الرأسمالية وزحفها العنيف على الجانب الإجتماعي. لكن ما هي الاجراءات التي همت مؤسساته؟ وكيف لهذا القطاع الذي يضم في صلبه فئة هشة يجمعها مفهوم التضامن أن تحرم في هذا الوقت من تضامن حقيقي للدولة?! لقد حان الوقت لرد الجميل لهذا النسيج و ضخ الملايير للتخفيف عن معاناته في هذه الفترة الحرجة، وهنا أتحدث عن  فاعلي الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من التعاونيات والتعاضديات والمقاولات ذات الأنشطة الفلاحية والمختصة في إنتاج وترويج المنتجات المحلية(produit de terroir),او تلك المختصة في الصناعة التقليدية دون إغفال دعم الجمعيات المساهمة في التشغيل والتأطير…  يجب انقاد واستباق سقوطها.(ومن الصدف أن إحدى القنوات المغربية تعرض سيتكوم يعرف بنشاط ودور التعاونيات في النسيج الاقتصادي والاجتماعي)، و هو اعتراف ضمني بدورها في التلاحم الاجتماعيsociale la cohésion. في انتظار الاعتراف التام بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني عبر اعتماد إطار قانوني خاص وجامع يمكن مختلف الفاعلين في القطاع من السلامة القانونية والتنظيمية لأنشطتهم ، ويسمح بوضع آليات سليمة للحصول على التمويل، دون أن ننسى إدماجه في مسلسل الجهوية الجاري تطبيقها، وتمكين القطاع من الولوج للصفقات العمومية وكذا إرساء حكامة خاصة به.

الاجراءات المتخذة لصالح النسيج التضامني إيجابية لكنها محتشمةو لا تشمل مكونات أخرى من جسم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، حيث تقتصر فقط على التعاونيات التي وجهت لها الدعوة لولوج المنصات الإلكترونية لتسويق المنتجات المحلية. وهنا نفتح قوسا للتأكيد على أن عددا كبيرا من أعضاء الجمعيات بدون مستوى تعليمي يسمح لهم بمواكبة الوسائل المعلوماتية المتاحة وهو ما يفرض إعادة النظر تجاه القطاع وتجميعه عوض التداخل الحاصل في المؤسسات والتدبير والرفع من التأطير.. أضف إلى ذلك غياب المعلومة والأرقام تخص القطاع ما يعقد العمل بمعايير علمية لفهم طبيعته ورسم حدوده!  وجب توحيد الجهود من أجل العمل على جعل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني قاطرة حقيقية لخلق الثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة.

طالب باحث في العلوم الإقتصادية والتنمية

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا

 

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x