لماذا وإلى أين ؟

لا نصنع الأساطير .. لكن لا تستهينوا بالأبطال !

الصادق بنعلال *

1 – بمجرد أن تم الإعلان عن وفاة المناضل و السياسي المغربي الكبير ؛ المجاهد عبد الرحمن اليوسفي انبرت بعض الأقلام للإشادة بمناقبه و خصاله الاجتماعية و الثقافية و السياسية و ما أكثرها ، كما سطرت بعض الأقلام مقالات تبنت “الموضوعية و الواقعية” و هي تسعى إلى تجريد الفقيد من عدد كبير من الإنجازات التي تمكن من بلورتها و تجسيدها على أرض الواقع ، في ظل سياق تاريخي طني دولي بالغ الحساسية . و نحن إذ نؤمن إيمانا راسخا بمبدأ حق التعبير عن الرأي و ندافع عنه باستماتة ، و نسعى إلى أن يتمتع كل مواطن مغربي بهذا الحق الدستوري مهما اختلفنا معه سياسيا و أيديولوجيا و ثقافيا ، مادام لا يوظف هذا الأساس الحقوقي ضد جوهر القيم و المواثيق الإنسانية المتفق عليها أمميا ، فإننا في الآن عينه نلح إلحاحا على حتمية الرفع من مستوى التعاطي الأخلاقي و الحضاري مع قضايا الإنسان و المجتمع و الثقافة .

2 – لا نرفع أحدا إلى مرتبة الإله و لا يحق لنا ذلك ، و لا نختلق الأساطير و لا نشيد الأصنام ، لكننا ننزع نزوعا إلى أن نمنح لكل ذي حق حقه ، و نذود بعقلانية و وطنية عن كل من ساهم في خدمة البلد مهما كانت قيمة هذه المساهمة .. و معلوم أن الراحل عبد الرحمن اليوسفي لم يكن مجرد مناضل سياسي يحظى بمكانته في لائحة باقي المناضلين و المجاهدين المغاربة المحترمين ، بقدر ما أنه كان سياسيا و حقوقيا و مثقفا بحصر المعنى ، صحيح أنه كان صموتا و هادئا و مسالما طيلة مراحل حياته النضالية ، لكن متى كانت قيم السلام و الهدوء و الصمت الإيجابي نقيصة بالمعنى السياسي المنفتح ؟ و متى شهد المغرب الحديث وزيرا أولا من طينة الفقيد اليوسفي ؟ الذي جمع بين المعرفة الحقوقية و الثقافة العامة ، و القدرة الهائلة على الحديث الرفيع باللغة العربية و الفرنسية و الإسبانية ؟ متى كان عندنا مسؤول سياسي وازن على مستوى العلاقات الدولية الأخطبوطية السامية ؟ متى تمكن المغرب من إحداث زلزال ديبلوماسي غير مسبوق ، و تراجع كم هائل من دول أمريكا اللاتينية عن اعترافها بالجمهورية الوهمية ، مثلما وقع في عهد عبد الرحمان اليوسفي ؟

3 – و لئن كانت حكومة التناوب التوافقي ( 1998 – 2002 ) لم تنجح في بلورة حلم الانتقال إلى التجربة الديمقراطية المتعارف عليها كونيا ، فإن هذا يعود بالدرجة الأولى إلى الضغط الرهيب الصادر عن “جيوب مقاومة التغيير” و هو المصطلح الذي نحته الراحل ، المباشر و الواضح و المختلف جذريا عن مصطلح لاهوتي سحري يتمثل في ” التماسيح و العفاريت” . لكن و في نفس المضمار استطاع اليوسفي تحريك المشهد السياسي و خلخلته عبر قرارات مفصلية ، من قبيل تشكيل لجان تحقيق برلمانية من أجل التعرية على مظاهر الفساد المالي ، و تسوية الملفات المتعلقة بحقوق الإنسان ، و تعويض ضحايا الاختفاء القسري و الاعتقال التعسفي ، و إصدار عدد لا يستهان به من القوانين في الميدان الاجتماعي ، و تحسين الأوضاع المادية لموظفي الدولة .. و مع ذلك اعترف عبد الرحمن اليوسفي ذاته و في الوقت المناسب ؛ أثناء التخلي عنه و عدم منحه الفرصة القانونية لمتابعة الأوراش التي كان بصدد إنجازها ، بأنه ، و رغم نجاحه الكبير في الدفاع عن الطبقة الوسطى و عموم الشعب المغربي ، قد فشل في تجسيد أمل الانتقال الديمقراطي ، و القطع مع المسلكيات السياسوية التكتيكية ، و أعلن أمام الملأ عن انسحابه من الحياة السياسية جراء التخلي عن المنهجية الديمقراطية ، و لأول مرة شاهدنا مسؤولا سياسيا مغربيا لم يقتصر على الإعلان الشفوي عن استقالته من مهامه الرسمية ، بل كانت استقالة لفظية و فعلية ملموسة ، و كان ذلك درسا من ضمن الدروس الثمينة التي قدمها المجاهد عبد الرحمن اليوسفي للثقافة السياسية الوطنية و الإقليمية و الدولية .

* كاتب من المغرب

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
زكرياء ناصري
المعلق(ة)
3 يونيو 2020 00:59

كثير مِمّن تعوزهم الذاكرة و أدوات البحث بأبعاده التاريخية والسياسية والحقوقية والثقافية و… ينظرون إلى عبد الرحمن اليوسفي تغمده اللّٰه بواسع رحمته ومغفرته وأمثاله ، كأيها عابر في حياة هذا الوطن واسم من الأسماء فقط . بل قد نجدهم كتلك الفراشات التي تستهويها الأضواء ولو كان ضوء قنديل سرعان ما ينطفئ مع أول هَبَّة ريح،فإن سرمدية هذا الإسم أي عبد الرحمن اليوسفي ستنضاف إلى سلسلة أعلام الأرض التي حَوَت سلسلة جبال الأطلس لن تهزها أو تهدَّها رياح التبخيس و الجحود للذين صنعوا التاريخ المعاصر للمغرب

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x