لماذا وإلى أين ؟

حكومتنا تعتبرنا “حوالا” نأكل التبن ففعلت بنا مالم تفعله كورونا

لن أتحدث في هذه السطور عن التقصير والنواقص الكثيرة التي شابت اجراءات الحكومة لمكافحة وباء كورونا، من قبيل الدعم المادي للاسر والمستخدمين والمقاولات، وعن سوء تدبير الأزمة في الكثير من المناسبات، وضعف التدخل السريع والسليم في الوقت المناسب خلال فترتي الحجر السالفتين، لكن الموضوع الآني هو ما بات يعرف بقضية “الفراولة” وهي في نظري و نظر شريحة واسعة من المغاربة فضيحة من العيار الثقيل وجب أن تسقط على اثرها رؤوس كثيرة نظرا لتورطها في ظهور تلك البؤرة أو القنبلة إن صح التعبير، كما يمكننا أن نضع كل مسؤول وقطاع أمام مسؤولياته.

أول المسؤولين بطبيعة الحال، هي وزارة الداخلية، ومادامت قد رخصت للولاة وعمال الاقاليم بتدبير اجراءات رفع الحجر الصحي في مناطق نفوذهم فهم بالأساس مسؤولون أمام القانون والدستور لعدم حمايتهم لحياة عدد كبير من المغاربة، وفي حالتنا هاته فوالي جهة الرباط سلا القنيطرة وجب أن يحاسب لأنه المسؤول الأول عما وقع، هذا لا ينفي مسؤولية وزير الداخلية لكن إذا تحدثنا بمنطق الجهوية التي يدير بها المغرب ترابه الوطني، فأين غابت أعين السلطات التي لا تنام عندما بدأت تسجل جهة الرباط سلا القنيطرة ذاك الكم الهائل من الاصابات كل يوم قبل أن تنفجر البؤرة وتخلف ازيد من 700 مصاب بالوباء القاتل في ظرف يومين، دون احتساب الاعداد المتتالية في الايام السابقة؟ لماذا لم يأمر والي الجهة بإغلاق الوحدة الزراعية لانتاج وتلفيف الفراولة علما أن له كامل الصلاحية لفعل ذلك مادامت حالات الاصابة تتكاثر يوما بعد يوم؟ كيف تُصرف تلك الاموال الطائلة المرصودة لمكافحة الوباء ونحن نشاهد بؤرة تتناسل يوما بعد يوم دون أي تدخل من وزارة الداخلية؟ وكيف يعقل ان تحدث الواقعة في لالة ميمونة وتعمد السلطات المحلية الى اغلاق مدينة القنيطرة التي تبعد عنها بعشرات الكيلومترات، حتى خرج التجار للاحتجاج اليوم مخافة انقطاع رزقهم بعد أن تم أمرهم بإغلاق محلاتهم مبكرا..

وزارة الصحة أيضا لها نصيب كبير من المسؤولية في ما حدث، وهنا استرعاني شريط فيديو لعاملات الفراولة بمنطقة لالة ميمونة وهن يتحدث قبل شهر عن اصابة رب العمل بالوباء كما طالبن بشدة بضرورة إخضاعهن للتحاليل الطبية والكشف عن سلامتهن من الفيروس من عدمها، نعم هذا الفيديو نُشر قبل شهر على منصات التواصل الاجتماعي، ووزارة الصحة المكلفة والمنوط بها اجراء التحاليل لم تحرك ساكنا، بل إن وزير الصحة واصل الاختباء في جحره حتى بعد انفجار البؤرة وكنا نترقب أن يشرح لنا ما حدث بالضبط غير أنه كلف أحد الموظفين في الوزارة بتلاوة البلاغ اليومي، ومَثلُه كمَثل من أعطاك قنبلة موقوتة ووضعها في جيبك وتركك تصارع الزمن والموت، كيف يعقل ذلك؟! وزير الصحة كان دائما يأمرنا بغسل اليدين والحفاظ على المسافة وارتداء الكمامة والجلوس في بيوتنا، لكنه بتصرفه هذا خرق الحجر الصحي خاصة عندما لم يتفاعل مع تصريحات العاملات.

وزارة الشغل، أيضا معنية بالأمر فهي المسؤولة الاولى والمباشرة عن سلامة العمال والمستخدمين، ففي وقت شاهدنا الوزير أمكراز يزور احدى وحدات تركيب الاسلاك الكهربائية للسيارات (الكابلاج) والأرجح انها شركة”رونو” الفرنسية، حيث وقف على اجراءات السلامة هناك داخل المصنع وادلى بتصريح، وقال إن وزارته تسهر على ان تلتزم كل المقاولات باجراءات السلامة لصحية واكد ان وزارته أيضا حددت معايير صارمة لاستئناف العمل بهذه الوحدات الانتاجية، فأين الصرامة هنا يا السي أمكراز؟ هل عاملات الفراولة لسن بشرا وهل هن أدنى مرتبة من غيرهن وهل الوحدة التي يشتغلن بها منزهة عن التفتيش ؟ كل هذه المجازر تستوجب اقالة امكراز ومحاسبته امام القانون على هذا التقصير الواضح الذي يناقض القسم واليمين الذي اداه أمام الملك يوم تعيينه.

قطاعان اخران يتحملان المسؤولية في هذه الواقعة وهما وزارة الفلاحة ووزارة الصناعة والتجارة، فالاولى مسؤولة عن القطاع الفلاحي ومطالبة بالسهر على التزام الضيعات الفلاحية والوحدات الزراعية بكل معايير السلامة اللازمة، أما الثانية فهي ايضا مطالبة بمراقبة التموين الكافي لهذه المقاولات بالمواد الضرورية كالكمامات والمعقمات وباقي وسائل قياس الحرارة وما الى ذلك وقد سبق للوزير حفيظ العلمي ان زار العديد من المقاولات ووقف على مدى احترامها لتلك الاجراءات…

كما لا يمكن استثناء وزارة المرأة والطفولة والتضامن ووزارة حقوق الانسان اللتين يتمحور دورهما حول مدى احترام حقوق الانسان وفقا للتشريعات الدولية والمواثيق التي وقع عليها المغرب ونحن نعلم ان العديد من المقاولات تتصرف مع عمالها وكأنهم عبيد ولا تكترث بصحتهم او حياتهم بل هدفها الاول والاخير هو الربح والمال… هاتان الوزارتان لم نرهما تحركان ساكنا خلال هذه الجائحة رغم ان العديد من النساء قد تعرضن للاضطهاد سواء في بيوتهن او في العمل ورغم ان العديد من المغاربة حرموا من العيش الكريم خلال فترة الحجر الصحي، وجاءت بؤرة لالة ميمونة لتؤكد ذلك وتضع هذين الوزيرين امام مسؤولياتهما.

أما المسؤولية الكبرى في ما يحدث فهي ملقاة على عاتق رئيس الحكومة سعد الدين العثماني الذي دائما ما يسقط في مثل هذه الامتحانات، حيث غابت شخصيته التي لم يستطع فرضها خلال كل فترات اجتياح كورونا للمغرب، والدليل على ذلك أو انه أخلى ظهره من العديد من المسؤوليات وألقى بها على عاتق وزارة الداخلية، وكنا أيضا ننتظر منه أن يتدخل ولو بتصريح أو قرار أو على الاقل تدوينة يشرح فيها ما حصل في لالة ميمونة غير انه اكتفى كما يفعل دائما بنشر الحالة الوبائية دون أن يعير الامر اهتماما رغم أن مواقع التواصل الاجتماعي كانت تغلي بالاستنكار جراء ما حدث، حيث تساءل كثيرون “الحكومة حبستنا لمدة ثلاثة اشهر لكنها لم تستطع الالتزام بواجباتها بعد ايام معدودات من تخفيف الحجر”..

المضحك في الامر هو انه يوم تفجر بؤرة لالة ميمونة، كان منتظرا من حكومتنا الموقرة أن تتدخل بأي شكل من الأشكار كأن تفرض على المشغلين الذين تفجرت في مقاولاتهم بؤر وبائية أن يتكلفوا بمصاريف علاج المصابين، إذ لا يعقل ألا يحترم رب العمل الضوابط الصحية في حين يتكلف دافعو الضرائب بأداء مصاريف العلاج، غير أن الحكومة بادرت إلى التغطية على الفضيحة بإعلان يوم 24 يونيو كتاريخ لرفع الحجر الصحي عن أغلب تراب المملكة باستثناء الاقاليم التي تتواجد فيها تلك البؤر الفلاحية وشبه العائلية، وهذا الإجراء جاء فعلا لإلهاء الشعب وجعله يفرح بـ”الحرية” وينسى بؤرة الفراولة وكأننا خراف نأكل التبن ولا نفهم ولا نعي ما يحصل من حولنا.

وخلاصة القول أن العثماني ومن معه في الحكومة قد فعلوا بالشعب ما لم يفعله به وباء كورونا على مدى أربعة أشهر، وعواقب كل هذا ستكون خطيرة ووخيمة لا قدر الله في قادم الأيام، خاصة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وحتى المعنوي للمواطن المغربي الذي سيفقد الثقة في المؤسسات وخاصة الحكومة والاحزاب المشكلة لها وكافة الوجوه والشخصيات التي ارتكبت الفظاعات في حق المواطنين المغلوبين على أمرهم.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

10 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
عزيز
المعلق(ة)
21 يونيو 2020 15:17

يجب على الحكومة ان تفرض على مسؤولين الشركة التي تظهر فيها بؤرة ان تلزمها بأداء مصاريف العلاج لمستخدميها على الأقل زاءد الغرامة على عدم اتخاد الوقاية الازمه لتفادي هده العدوى.

متتبع
المعلق(ة)
21 يونيو 2020 10:49

الحجر الصحي هناك من احترمه وهناك من خرقه ةالأسباب معروفة وهنا تكمن المشكلة هناك من يطبق عليه القانون وهناك من يدوس القانون

غيور على وطنه بدون مقابل.
المعلق(ة)
21 يونيو 2020 10:35

ابصم على كل ما جاء في هدا المقال الا ان صاحبه استثنى وزيرا -لا اعلم ان كان سهوا او قصدا-وهو وزير “اعادة التربية “..اليس للسيد اخنوش اية مسؤولية في ما وقع رغم انه “وزير الفلا حة والصيد البحري والتنمية القروية “التي خصصت لها الدولة لوحدها(التنمية القروية)50مليار درهم اي 5000مليار سنتيم التي دهبت الى اصحاب الضيعات والمشاريع الكبرى عوض الفلاح الصغير في البوادي(وخاصة الجبال) والدي يعيش احلك ايامه بسبب الجفاف وادار له السيد الوزير ظهره.(يحكي كساب انه يملك اكثر من 200راس من الغنم وتوصل ب3اكياس من الشعير المدعم بوزن 80كلغرام لكل كيس وبتمن 2دراهم للكيلو الواحد ومع دلك يحتسب الكيس على انه يزن 100كيلو عوض 80 الحقيقية ).اليست هده تجارة عوض مساعدة على ظهر الكساب..رب قائل يقول*لما لم يرفض الكساب هدا الا مر وانساق مع الخدعة*الجواب ان المسؤولين طالبوا من الراغبين في اقتناء الشعير تقديم طلب لدلك مع اداء الثمن مسبقا وهدا ما وقع.ولكن عند التسليم وقع ما لم يكن في الحسبان وهدا يعني ان هناك من يتاجر في مئاسي الاخرين.
.

مواطن
المعلق(ة)
21 يونيو 2020 09:50

هده البؤرة نقطة التي افاضت الكاس وفضحت المستور.حسب للميال اعفاء الحكومة باكملها وتنصيب حكومة غير منتمية للاحزاب والكفاءات المختارة من الاحزاب .
لسنا ضد العمل ولكن مع تطبيق الاوامر الاحتياطية هنا يطرح سؤال من هو او هم اصحاب الضيعات ان عرفتموهم عرفتم الجواب على الفضيحة وكيف تسير الامور

بوحتى
المعلق(ة)
21 يونيو 2020 09:44

مضمون النص يشرح تناقض ونفاق حاميها حراميها و المثال القوي حامي حقوق الإنسان السيد الوزير الذي تجاهل حقوق كاتبته ولم يسجلها لا في التضامن الإجتماعي ولا في التأمين الصحي.ما هذا العبث؟

مريمرين
المعلق(ة)
الرد على  احمد
21 يونيو 2020 04:04

ماذا سننتظر من حكومة وزراؤها يملكون وجوها “مقزدرة ” . كم من وزير ارتكب فضيحة و تصرف كأن شيئا لم يكن ! وآخر مثال فضيحة وزير البر و البحر و … في مشروع
“تغازوت باي”، و مؤخرا فضيحة الوزير المكلف بحقوق الانسان ..
” و ما عندهوم علاش يحشمو “.
لك الله با وطني

Ali
المعلق(ة)
21 يونيو 2020 03:22

يمكنك أن تفكر كيف تشاء ولا تشاء، حيث تشاء أو لا تشاء، وقت ما تشاء أو.. يمكنك أن تتوهم كل ما تشاء ولا تشاء.. إنما ليست الحكومة مسئولة على أن يتوهم المواطن شيئاً لا وجود له.. عفواً، المرجو الإيجاز لأني لم أقرأ شيئا: الوقت وإن كان ثالثيا ليس للمضيعة والــ إن شاء.. كل الوهم بلا علة أن تعتقد أن لسويسرا الساعة ولِكحل الراس كل الوقت.. ما الموضوع بالضبط..؟ الضبط؟ لا.. لا موضوع بغياب الواضع

Abdou
المعلق(ة)
21 يونيو 2020 02:49

أخي صاحب المقال الفاضل . لقد أخفقت الحكومة في كل شيء فيما يخص الجائحة . وأتمنى ان تتطرق الى اخطر ملف الذي هو ملف العالقين خارج الوطن الذين ينامون في الشوارع و لا يجدون حتى الاكل طيلة 3 اشهر . وبعد كل هذا العذاب تاتي الحكومة بقرار إعادة 300 بشكل مشبوه من كل بلد تاركة الباقي وفيهم السياح و النساء و الاطفال و الشيوخ و كانها تتعامل مع نظام الري بالتنقيط قطرة ،قطرة .تاخذ قلة و تترك الاغلبية و تذهب الى البلد التالي . شاهد فيديوهات العالقين و بكاء الرجال الذي لم يؤثر في اي مسؤول لانعدام الانسانية و الرحمة . يتعذرون بالخوف من الوباء وهاهم العديد من الذين عادوا لم تلاحظ فيهم إلا بضع حالات محسوبة على الاصابع .و ماذا نقول عن البؤر بالمئات التي في الداخل ؟ يستعملون فقط منطقة السعيدية و تطوان للاستقبال كان باقي المناطق غير مجهزة . يتعذرون بالوسائل اللوجستية و مليلية و سبتة لن تكلفهم اي شيء .يتكلمون عن عملية مرحبا و لم يحلوا حتى مشكل العالقين .فمن سيثق في الحكومة التي لا تعطي لا تواريخ و لا تتواصل معهم و تتخذ قرارات ارتجالية و يدخل ليصبح مصيره مرهون بمن لا يعترف بهم كمواطنين الا عند الحاجة .المرحوم الحسن الثاني حرك350.000 مواطن باكلهم و مواصلاتهم و الحكومة تعيد 300 مواطن كل مرة مما سيستمر 25شهرا .نناشد صاحب الجلالة التدخل لاعادتهم دفعة واحدة و معاقبة المسؤولين و تعويض العالقين عن الاضرار المادية و النفسية .

احمد
المعلق(ة)
21 يونيو 2020 01:16

والصحافيون دفنوا رؤوسهم في الرمال كالنعامات كان هناك انذار اول وثاني ….

المختار
المعلق(ة)
21 يونيو 2020 00:31

كلام في الصميم وحق الله واخا يعتابرونا حوالا ماغادي نقولو ليهوم بااااااع باااااع… بؤرة لالة ميمون فضحتهم وكشفت عن وجوههم
انا شخصيا تنعرف ناس بزاف ساكنين فطنجة ونواحيها وقدرو يمشيو لكازا والرباط ومراكش وفاس واكادير وحتى كلميم هادشي في عز الحجر الصحي الشهر الماضي عندما كان كل شيء ممنوعا… ايوا كيف دارو ليها علاش التساهل وتزوير وثيقة التنقل من طرف المسؤولين اللي كايسينييوها للمعارف والاصدقاء هكذا وصل الفيروس الى جميع جهات المملكة …
اللهم ارفع عنا هذا البلاء وارفع معه حكومة العثماني حتال السما وطلقها فالبحر

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

10
0
أضف تعليقكx
()
x