لماذا وإلى أين ؟

اللي حرث الشعب دكّو العثماني

وأخيرا تم “إطلاق سراح” المغاربة أجمعين بعد شهور طويلة من الحجر الصحي بين أربعة حيطان ليعانقوا بذلك الحرية التي ألِفوها وتعودوا عليها فانطلقوا في الأزقة والشوارع والطرقات يتأملون ما تغير خلال غيابهم عنها، لكن هذا الحرية “المشروطة” دفع المغاربة ثمنها غاليا بعد معاناة طويلة وأزمة بل أزمات استمرت لأسابيع عديدة قبل أن يتفاجؤوا بأن الخروج من الحجر المنزلي سيكون بمثابة مطرقة ستضرب رؤوسهم في قادم الأيام.

يقول المثل المغربي، “اللي حرث الجمل دكو”، نكاية في الفلاح الذي يربط المحراث بالجمل من أجل تقليب الأرض، غير أن هاته الدابة تقوم برفس ما تم حرثه وذلك كلما غيرت اتجاه العملية، لكن في مقال اليوم، فالأمر ينطبق على الحكومة المغربية بكافة مكوناتها، وفي شخص رئيسها سعد الدين العثماني، إذ كنا نحذر -كما العديد من المغاربة- من وقوع كارثة اقتصادية وتهديد للسلم الاجتماعي، لكن حكومتنا كانت تتجاهل ناقوس الخطر وتتغاضى عنه، وفي أحسن الأحوال ترد بكون الوضع قد أصبح تحت السيطرة.

ما حرثه المغاربة خلال هاته الاشهر العصيبة، من صبر والتزام بالتعليمات الصحية، وتفضيل المصلحة العليا للوطن على المصلحة الخاصة، والعيش بدون مورد رزق لمدة طويلة وإغلاق للمحلات التجارية والمقاهي والمطاعم وغيرها، وكذا تقبُّل تسريحهم من المقاولات والمعامل في سبيل أن يحيا الوطن، إضافة إلى المجهود الجبار الذي قامت به الاطر الصحية والتعليمية والسلطات العمومية…. كل هذا (الحرث) دكّهُ العثماني دكاً دكاً، وسوَّاه بالأرض، وضرب عرض الحائط النموذج المغربي الذي كان إلى وقت قريب مضربا للمثل…

كيف ذلك؟ سنبدأ بموضوع البؤر التي أصبحت تتفرخ وتتكاثر كالجراثيم، لكن أين؟ طبعا في المعامل والمقاولات الانتاجية سواء في مصانع السيارات أو وحدات التعليب أو التصبير، ولماذا؟ بكل بساطة لأن حكومتنا الموقرة يدها قصيرة على أرباب المقاولات لكن طويلة على المواطن المغلوب على أمره، فرغم إصدارها لدفتر تحملات يجبر المقاولات على الالتزام بتعليمات معينة إن هي أرادت إكمال أو استئناف نشاطها، إلا أن الحكومة لم تتخذ أي إجراء زجري في حق هذه المقاولات التي ظهرت فيها بؤر مخيفة، ولم تعاقب مرتكبي هذه “الجرائم” رغم أن المسؤولية ظاهرة وواضحة.

وفي علاقة بالموضوع ذاته، فبما أنه تم الاعلان عن فتح تحقيق قضائي في بؤرة لالة ميمونة، وتشكيل لجنة من وزارات معنية للبحث في القضية، فمن المؤكد أن الملف سيتم طيه ولن يحدث أي جديد ولن يحاسب أي مسؤول وفي أفضل الحالات سيتم العثور على حيط قصير وشماعة تعلق عليها تلك الفضائح، وهناك تساؤل صغير أيضا لماذا لم يتم فتح تحقيق قضائي مماثل مع شركة “رونو” بطنجة رغم أن مصانعها أصبحت بؤرة تلطخ يوما بعد يوم حصيلة الاصابات بكورونا، وكذلك الأمر بالنسبة لمعامل تصبير السمك بالاقاليم الجنوبية للمملكة.

من بين نتائج السياسة “المعاقة” التي نهجها العثماني، هي بوادر انهيار السلم الاجتماعي في المغرب مع اول ايام رفع الحجر المنزلي، فهنا نرى أن أرباب المقاهي يرفضون العودة للعمل بداعي أن الحكومة تجاهلت مطالبهم بعد ان تكبدوا خسائر جمة طوال ثلاثة اشهر، أما الذين قرروا فتح محلاتهم فقد فضلوا الاحتجاج عبر وضع شارات حمرات تعبيرا عن غضبهم من الوضعية التي يعيشونها، وهناك أرباب الحافلات العمومية ووسائل النقل السياحي، الذين يرفضون دفتر التحملات الذي فرضته الوزارة الوصية والذي يزيد من أزمتهم المالية، إذ لم تراعى فيه مصالحهم وفق تعبيرهم، وهذا حقهم بطبيعة الحال، فقاموا بشل حركة السفر بأن رفضوا تشغيل حافلاتهم، وبالتالي فالسفر أصبح أمرا شبه مستحيل في هذه الظرفية، وعجلة الاقتصاد لن تتحركة بسلاسة.

ونجد أيضا احتقانا من نوع آخر، هو ذاك الحاصل بين أصحاب المؤسسات التعليمية الخصوصية وآباء وأوليات التلاميذ، وهنا لا يمكن لوم أي طرف منهما، لأن الاول ملزم بأداء الضرائب ومستحقات المستخدمين والوسائل اللوجيستيكية… بينما الطرف الثاني، وهو المواطن أصبح كاهله مثقلا بالديون ولم يعد قادرا على تسديد ما عليه من مستحقات لصالح تلك المؤسسات، والعجيب أن الحكومة أشعلت الفتيل وعادت إلى الخلف لتتفرج دون أن تحرك ساكنا وتتدخل لفض النزاع الذي ينذر بحدوث ما لا تحمد عقباه وسيكون الضحية هو الطفل التلميذ الذي سيحرم من دروسه ومن التحصيل العلمي.

ولا يمكن أيضا أن ننسى الازمة الحاصلة حاليا بسبب ارتفاع فواتير الماء والكهرباء، اذ تفاجأ المواطنون بأرقام خيالية ومطالبتهم من طرف شركات التوزيع بتسديد مبالغ لم يستهلكوا نظيرا لها، وطبعا حكومتنا تجاهلت الأمر ولم يعد العثماني يبوح بشيء في هذا الموضوع وغير مما تم ذِكره، لا لشيء سوى لأنه فعلا “ماعندو مايقول”، فماذا سيقول ونسبة النمو الاقتصادي أصبحت في خبر كان وكذلك نسبة البطالة التي ستعرف ارتفاعا خياليا في قادم الايام والاسابيع، ناهيك عن تزايد الاحتجاجات الفئوية للطبقات المتوسطة والفقيرة وحتى الاغنياء الذين تضررت مقاولاتهم جراء الركود الاقتصادي.

هناك كذلك، العديد من الظواهر التي برزت في الايام القليلة الاخيرة، لا يتسع المجال للحديث عنها مجتمعة نظرا لكثرتها وتشبكها، ولكن الخلاصة هي أن هذه الظواهر والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية هي فقط في بدايتها والأيام القليلة المقبلة ستحمل معها الويلات -لا قدر الله- فمهما كنا متفائلين يا سادة يا كرام، إلا أن ما نراه الآن ينذر بأزمة خانقة سيعيشها وطننا الحبيب بعد أن عبثت به أيادي تفتقد للمسؤولية والجرأة السياسية والصلابة في المواقف والحنكة والتبصر لادارة الازمات، ويقال في الماضي أن “العجل اللي غادي ينطحنا مازال كايرجع للور”، لكن الآن شخصيا تأكدت أن العجل هو العثماني، وهاهو قد نطحنا فعلا.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

8 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
Hassan
المعلق(ة)
26 يونيو 2020 17:05

السلام عليكم.
بداية اقول ان الوضعية التي عاشتها بلادنا طيلة فترة الحجر الصحي صعبة للغاية و لم يسبق لبلادنا ان عاشت تجربة مماثلة و لم تكن هناك اية استعدادات قبلية لهذه الحكومة او سابقاتها لمثل هذه الطوارئ .و شيء طبيعي بل من الواجب ان تتظافرجهود الجميع مسؤولين و مواطنين من اجل مواجهة هذه الظرفية الصعبة و الخروج لا اقول بأقل خسارة ممكنة و لكن اقول بربح كبير ،ربح على مستوى اعادة بناء الثقة بين الدولة و المواطن و ربح على مسنوى التضامن بين افراد الشعب أغنيائهم و فقراءهم و ربح على مستوى اعادة ترتيب الاولويات و التخطيط السليم كي تكون بلادنا في وضع افضل على اعتبار ان صنع التفاهات و تكليخ الشعب و سياسة(الغميق )لم تعد مجدية بلالعلم و المعرفة و المواطنة الصادقة هي التي تصنع المعجزات و تواجه كل التحديات.
و المتأمل لعنوان المقال الذي نحن بصدد التعليق عليه اكاد اجزم انه يراد به باطل فأن تضع الشعب في كفة و العثماني في كفة مقابلة بشكل فيه إيحاء بالعدوانية و التضاد امر يستحق اكثر من وقفة و يطرح اكثر من علامة استفهام .اليس هذا العثماني مواطن كسائر المواطنين يحب الخير لبلده و يسعى الى خدمته؟الهذا الحد وصلت به الوقاحة و العدوانية و الشر ان الشعب يحرث و ينتج و يكافح و هذا العثماني يدك و يخرب؟أمعقول ان يقبل هذا الكلام في الرجل الشهم الذي و لله الحمد لم يثبت في حقه لا اختلاس و لا نهب الثروات و لا تطبيع مع اعداء قضايا الامة كما كان و ما زال يفعل الكثيرون و أقلامكم لا تشير اليهم و لو من باب التلميح بل احيانا تباركون جهودهم و تصورونهم للرأي العام على انهم متفانون في خدمة الوطن .بل وجهتم بنادقكم فقط نحو الشرفاء في هذا البلد تحاولون تشويههم بما اوتيتم من قوة. هذه القوة التي لم تعودوا تستمدونها من دعم الشعب ولا من غيرة على الوطن بل من (الاعطيات و الاجور السمينة)التي اصبحت المحرك الاساسي لماعورة الشر في نفوسكم و دافعا لخوض حرب ضروس لصالج جهات فاسدة مفسدة تجاه قياديين شرفاء سواء كانوا في الحكومة او البرلمان او تسيير الشأن المحلي .و هذه الحرب لم تعد خافية على احد .انكم مخطؤون ان كنتم تظنون ان بخداعكم الاعلامي هذا ستغيرون من قناعة المواطن و آراءه في من هو عدوه من صديقه فالمواطن اذكى من الاعيبكم الفجة.
و اكثر من هذا فالذي يتابع الاخبار السياسية في العالم العربي يلاحظ خذه الايام ان نفس الاسلوب الذي لجأت اليه العديد من المنابر الاعلامية و الحسابات الفيسبوكية في بلدنا لتشويه قيادات نظيفة هو نفسه الذي تقوم به منابر اعلامية خبيثة في بلدان اخرى خاصة تلك التي شهدت الربيع العربي و تسعى الى قطف ثماره في تحقيق الكرامة و الديموقراطية حيث تسعى بتواطؤ مع قوى سياسية معروفة بفسادها الى الانقلاب على الديموقراطية بتأجيج الرأي العام و اثارة الفتن و القلاقل المفبرطة و طبعا هذا كله بمباركة و تمويل من دول باتت معروفة بدفع المليارات من اجل عودة الفساد و المفسدين و تجفيف منابع الدول العربية من الحرية و الكرامة.و السؤال الذي يفرض نفسه و الحالة هاته هل نحن امام مشهد اعلامي و سياسوي انقلابي عابر للحدود؟
ارجو ان تكون الصورة قد اتضحت و ارجو من كل الشرفاء و الغيزرين على هذا البلد من مواطنين و اعلاميين و هيئات سياسية او مدنية التصدي لهذه المؤامرة العظمى .و اقول بكل ثقة انه سيأتي اليوم الذي يلفظطم الجميع و تتنكر لكم الجهات المغررة بكم

امين
المعلق(ة)
الرد على  وطني غيور
26 يونيو 2020 12:31

من قال لك ان الشعب يثق في حكومة البواجدة ؟؟؟انسيت بن كيران صاحب التقاعد ووزراء كلهم من الفقر الى الفيلات والسيارات الالمانية وتغيير الزوجات وشراء العقارات والضيعات واكل ارزاق المستخدمين وتحويل الاموال الى تركيا وكندا ووو انهم لصوص باسم الدين رد على صاحب التعليق وطني غيور

مغربي
المعلق(ة)
26 يونيو 2020 09:18

حكومة ميزتها الأساسية هي الرفع من الأسعار والمديونية الخارجية والتراجع عن مكتسبات حقوق الإنسان

kamal G
المعلق(ة)
26 يونيو 2020 09:09

بالتوفيق خويا شريف مزيدا من التألق

وطني غيور
المعلق(ة)
26 يونيو 2020 01:38

تكلم باسمك واسم من يمولك، ولا يحق لك أن تتكلم باسمي أو اسم الشعب الذي يثق في العثماني وحزبه العدالة والتنمية لانهم على الأقل لم يسرقوا أموال الشعب لولايتين على رأس الحكومة

الحراشي
المعلق(ة)
26 يونيو 2020 01:22

والله صدقت يا اخي، انا شخصيا متشاءم اكثر من اي وقت مضى علما اننا عشت الثورات التي عاشها المغرب في الثمانينات والسبعينات والستينات لكن السكتة القلبية التي كان الحسن الثاني قد تحدث عنها ذات يوم في التسعينات قد جاءت على يد العثماني وربعاتو… منكم لله يا الباجدة منكم لله خربتم الوطن الذي ناضلنا من اجله

ابو زيد
المعلق(ة)
26 يونيو 2020 00:46

اما أن حرية الصحافة اكبر من حجمنا أو أن ديموغاجية من يدورون في حلقتها تعميهم عن تسمية الأشياء باسمائها!
لماذا العثماني كعنوان؟
تغول الشركات و الضيعات الفلاحية الكبرى و رخص اعالي البحار و ما يتبعها من صناعات تصبيرية في اياد معروفة…
العثماني ليس إلا بيدق…..
ثم تحليل ما يقع في المغرب بعد شهور من الحجر فيه نوع من تبخيس النتائج حتى أن اليوم في قناة24 الإسبانية هناك إشادة بالنتائج و لو كان على حساب الاقتصاد الوطني على حسب قولهم.
دراسة ما يقع في أوروبا و أمريكا القارة و سواها يفضي إلى قناعة واحدة هو أن الكل يرتجل في قراراته على حسب تدفق معلومات جديدة عن الوباء!
و هنا سؤالي إلى من يمسكون بالقلم الاحمر! هل يمكن لكم أن تنبؤونا عما قد يجد غدا عن هذا الوباء؟
ليشبونة اليوم أغلقت 11 دائرة من جديد بعد بروز بؤر جديدة.
أوروبا تراقب بحذر ما يقع تفاديا لتكرار مشهد مأساوي مشابه للأول.
اسبانيا فتحت حدودها حتى لا يصل الوحل إلى ورك اقتصادها محاولة إنقاذ قطاعها السياحي ركيزة اقتصدها،على حساب صحة شعبها،كما قال من يشتغلون في القطاع الصحي الاسباني محذرين.

Abdou
المعلق(ة)
26 يونيو 2020 00:11

زد على ذلك أن الحكومة اشترطت على العالقين الباقين و بعد 4أشهر من المعاناة و النوم في الشوارع و الاكل من القمامة و بعدما خسروا كل مذخراتهم أن يؤدوا ثمن تذكرة العودة و التي ارتفعت بشكل خيالي و دفع ثمن الاقامة في الفندق 9 أيام و ثمن التحاليل و الفحص و كأن الذنب ذنبهم وليس ذنب الحكومة التي تخلت عليهم طوال هذه المدة و التي من المفروض عليها معالجتهم نفسيا للإضطرابات في النوم و من العذاب الذي مروا به و تطلب منهم أن يسامحوها بينما البؤر التي في الداخل تتكلف بها الحكومة وكذلك تكلفت بإقامة الذين عادو و اكلهم و هم قلة .وهكذا الذي استفاد من مساعدة الدولة استفاد من العودة و الفندق و الفحص مجانا و العودة مبكرا ، بينما الذي لم يستفد من اي شيء وطالت معاناته يؤدي ثمن كل شيء .هذه هي سياسة” إغناء الغني و إفقار الفقير ” او بمعنى آخر سياسة ” اطحن أمو “

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

8
0
أضف تعليقكx
()
x