لماذا وإلى أين ؟

عمل المنظمات الحقوقية الدولية سياسي وللمغرب نصيب من المسؤولية بتغيبه أثناء التحقيقات

 

صبري الحو

مع أنني أبتعد كثيرا عن اطلاق أحكام قيمة، أو اصدار خلاصات واستنتاجات دون البرهنة عليها فإن الظاهر غير المخفي في عمل المنظمات الحقوقية دولية أو اقليمية أو وطنية، أن عملها أصبح سياسيا أكثر منه حقوقي.

وقد يقول قائل أن هذا الحكم هو تحصيل حاصل، لكن للأسف فهو حقيقة لا تقبل المزايدة بحكم تواتر التقارير ذات هذه الحمولة في علاقة بمجموعة من البلدان والمواضيع والملفات.

ويحسب لصالح المغرب انفتاحه المبكر على المنظمات الحقوقية ، في وقت أوصدت وأغلقت بلدان أبوابها وحدودها، وحرمت عليها مجالها ونطاق اقليمها، بما فيه الجارة الشرقية الجزائر.

وهذا الانفتاح، ولئن خلق للحكومات المغربية احراجا، وبوأت المغرب درجات غير مشرفة في مقاييس احترام خقوق الإنسان، في علاقته بالتقارير، فان واقع استفادة المغرب من ذلك الانفتاح لا ترتفع، بحيث مكنه ذلك من تطوير عمل آلياته وترساناته القانونية بالملائمة والمطابقة مع قواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.

كما يسرت له تصحيح كثير من سياساته العمومية، وجرأة تقويم أوضاع ووضعيات شادة في انتهاكها لحقوق الإنسان، وجبر ضرر الكثير من الضحايا، واتخاذ سياسة رائدة في مجال العدالة الانتقالية…

واليوم، وعلى إثر المتغيرات الدولية، واستقواء الهاجس الأمني وأولويته على حقوق الإنسان. فان البعض يعتقد أن حقوق الإنسان مجرد موجة ضربت ومرت. وتوهم أن جيل حقوق الإنسان قد ولى. ولم تعد بنفس القوة والتأثير الذي كانت عليها في الماضي القريب.

نعم فقدت المنظمات الحقوقية بريقها، وانهكت كما استنفذت قوتها وقواها مع الضربات الارهابية، وتراجعت البلدان العظمى، والرائدة والمؤثرة عالميا في ميدان حقوق الإنسان عن الاهتمام في علاقاتها الخارجية بالموضوع. وانعكس ذلك على حجية تقارير المنظمات الدولية، بحيث يتم اتهامها في كثير من الأحيان بأنها؛ مشبوهة وعدائية وغير بريئة.

ومع ذلك فمن الخطأ تجاهل عمل وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية، فهي مرآة الدول لدى العالم، كما أن احترام حقوق الإنسان ليس بداعي ولمجرد الخوف من تقارير هذه المنظمات الحقوقية بل لأنه مبدأ أصلي لا محيد عنه، ويستمد شرعية وجودة من أصل كرامة الإنسان.

ومهما بلغت حدة تقارير المنظمات الحقوقية الدولية تجاه المغرب، فيجب عليه التعامل معها مؤسساتيا ومسطريا، وأن لا يكون الإختلاف ذو طابع عاطفي.

فالمغرب يملك سبلا ومساطر يلجأ اليها من أجل دحض جوهر تقاريرها، وارغامها إن كان على صواب على تصحيح ماشاب عملها من أخطاء أو مغالطات مقصودة وبسوء نية، واجبارها على استدراك ذلك، ونزع طابع المصداقية عن أعمالها.

وتتذرع المنظمات الحقوقية الدولية بتجاهل المغرب لعمليات بناء تقاريرها، ومن يدري فقد يكون الخطأ مصدره تهاون الحكومة او استهتارها بتحقيقات هذه المنظمات، وعدم المشاركة في إبداء أوجه الدفوع المغربية إبانها وفي وقتها، وانتظار نهاية مشوار التحقيقات بنشر التقارير، لتوجيه سهام القدح واللذع ضدها.

فالمغرب يملك كل المؤسسات التي تشتغل على كل المواضيع، وعليها أن تستعمل مبدأ وحق التواجه في وقته بتسجيل دفوعاته ليتحقق التوازن في التحقيق وتكون الاستنتاجات على قدر من المصداقية.

محامي بمكناس خبير في القانون الدولي الهجرة ونزاع الصحراء

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x