لماذا وإلى أين ؟

الحرف اللاتيني أنفع للغة الأمازيغية من نيوتيفيناغ (1)

مبارك بلقاسم

نشر الدكتور عبد الله الحلوي مقالا عنوانه “تيفيناغ أكثر تطورا من الحرف اللاتيني” يرد به على أنصار تدريس وترسيم اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني في المغرب Murakuc.

وهذا الزعم للدكتور الحلوي هو زعم باطل لاعلمي مثل زعمه الباطل اللاعلمي في أحد مقالاته السابقة بأن “الأمازيغية هي أم لغات العالم”وهذا بدورهلا يختلف عن الزعم الباطل اللاعلمي لبعض التعريبيين بأن “العربية هي أصل لغات العالم”. اللغة الأمازيغية لا تحتاج إلى هذه المزاعمالمؤدلجة اللاعلمية بل تحتاج إلى الترجمة والإنتاج والتدريس الفعال والترسيم الوظيفي لتنجح في بلدها Murakucلا أقل ولا أكثر.

وفي مقاله يكرر الدكتور الحلوي اتهامه الغوغائي لمن يساندون تدريس وترسيم اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني بأنهم “أعداء الأمازيغية” ويخلطهم عمدا بالتعريبيين أنصار الحرف العربي. هذا الأسلوب الغوغائي للدكتور الحلوي يدل على التشنج الأيديولوجي المتحكمفي نقاشه للموضوع. فهو يخلط “الأمازيغية كلغة” بـ”نيوتيفيناغ كحرف” ويعاملهما ككتلة واحدة صخرية متحجرة جامدة. المؤلفون بالأمازيغية في أغلبهم يفضلون الحرف اللاتيني رغم توفر نيوتيفيناغ إذن فإنهم “أعداء للأمازيغية” بهذا المنطق الغوغائي العجيب!

أما قول الدكتور الحلوي بأن الحرف “تاج حضاري” فهو قول جيد ومقبول إذا قبلنا بأن اللغة الأمازيغية هي الشخص الذي يلبس التاج على رأسه (أو قبعة أو شيئا آخر). فاللغة الأمازيغية (بالتاريخ والخبرات والآداب والأمثال الشفوية المحكية) هي المنتوج الحضاري الوحيد الذي شارك فيه كل الأمازيغ فردا فردا بنسبة 100% عبر العصور. أما الحروف فهي تفاصيل ثقافية محدودة زمنيا وجغرافياكالمعمار واللباس والأديان والأعراف.وأغلب الأمازيغ تخلوا عن الحروف والمعمار والملابسوالأديان والأعرافالتقليدية واستبدلوها بأخرى جديدة أو معدلةولكنهم جميعا واحدا واحداما زالوا يقولون بأنهم أمازيغ وهذا بفضل حفاظهم على اللغة الأمازيغية شفويا بكلماتها وقواعدهاوأمثالها وأناشيدها وذاكرتها. فلولا اللغة الأمازيغية لانقرضالأمازيغ كشعب وكحضارة، ولم يكن لينفعهم هذا الحرف أو ذاك.

قبل أن أفند بعض المزاعم “التقنية”للدكتور الحلوي أذكر القراء المغاربة بأن اللغة الأمازيغية تدرس بالحرف اللاتيني في جزء من المدارس الجزائرية الابتدائية والثانوية والجامعات منذ 1996. كما أذكر أيضا بأن الجزائر تنظم امتحانات الباكالوريا في مادة اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني منذ يونيو 2008. وأوراق امتحانات الباكالوريا الأمازيغية الجزائرية للسنوات 2008 إلى 2019 متوفرة على الإنترنت.

1) الدكتور الحلوي يتهرب من السوسيولسانيات ويناقش الحروف بالمكبر والمسطرة والبيكار:
الحجة السوسيولسانية Sociolinguistic لصالح تدريس وترسيم اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني تتلخص في:
– إذا اتفقنا على أن المغرب مزدحم لغويا بعدة لغات هي الفرنسية والعربية الفصحى والإنجليزية والإسبانية والدارجة وهي لغات أقوى شوكة وأسرع توسعا وأكثر تلقيا لتمويل ورعاية الدولة من اللغة الأمازيغية،
– وإذا اتفقنا على أن اللغة الأمازيغية غارقة في حالة تناقص ديموغرافي وانكماش جغرافي مستمر ومؤكد في المغرب بسبب قلة أو بطء أو انعدام التوريث والتدريس وبانعدام الاستعمال الوظيفي والاقتصاديوبسبب توسع اللغات الأخرى خصوصا بـ”سياسة التعريب والفرنسة” التي تطبقها الدولة المغربية منذ 1912،
– وإذا اتفقنا على ضرورة تدريس وترسيم ونشر اللغة الأمازيغية بسرعة وفعالية وظيفية بوسائل مالية financial ولامالية non-financialمن بينها حرف ألفبائي يجمع بين الشيوع الشعبي (ubiquity) والدقة الكتابية العالية (high fidelity) والمنفعية (utility) في التعليم والإعلام والاقتصاد والإدارة،
فإننا سنستنتج أن فرص نجاح اللغة الأمازيغية ترتفع كثيرا إذا تم تدريسها وترسيمها بالحرف اللاتيني.

فالحرف اللاتيني يجعل مطبوعات الإدارةوالاستعمالاتالأخرى للأمازيغية مقروءة فوريالأغلب المغاربة الناطقين والغير الناطقين باللغة الأمازيغية ولمغاربة الخارج وللأجانب. والحرف اللاتيني يسمح بتسريع تعميم مادة اللغة الأمازيغية في كل مستويات التعليم دفعة واحدة: الثانوي والإعدادي والابتدائي والجامعي. والحرف اللاتيني يسرع أيضا مهمة تكوين المعلمين والأساتذة والموظفين في قراءة وكتابة اللغة الأمازيغية.
كما أن الحرف اللاتيني يجعل تمزيغ المواد العلمية والأدبية في الثانوي والابتدائي معا في المتناول فورا.
هذه هي الحجة السوسيولسانية باختصار، مبنية على معطيات المجتمع المغربي وحالته اللغوية والحروفية.
الهوية القومية الأمازيغية للمغرب محفوظة عبر القرون بفضل اللغة الأمازيغية وليس بفضل حرف معين.
أما الدكتور الحلوي فهو يتجاهل المعطيات السوسيولسانية الحرجة على الميدان وأرض الواقع في المغرب، ويختزل اللغة الأمازيغية في حرف نيوتيفيناغNeo-Tifinagh. بينما الحرف الأمازيغي الأقدم هو Libyco-Berber الذي توجد نقوشه بالأطلس المغربي ومآثر دولة Numidia بشمال الجزائر وتونس.

يتهرب الدكتور الحلوي من مناقشة الحالة السوسيولسانية الصعبة المزرية للغة الأمازيغية على الميدان بالمغرب الآن في 2020 (أمام اللغات الخمس المذكورة) ويتهرب من مناقشة الحلول العملية لإنقاذ اللغة الأمازيغية ويفضل أن يحاول إقناع القارئ المغربي بأنه توجد “عاهات وعيوب خلقية” في الحرف اللاتيني!

ولكن لا بأس من الرد على مزاعم الدكتور الحلوي وإفادة القارئ المغربي بالمعلومات.
(أما الحرف العربي فهو مرفوض رفضا قاطعا في تدريس وترسيم اللغة الأمازيغية ليس لأننا نكرهه، فلا نكرهه إطلاقا، وإنمالأن الحرف العربيحرف أبجدي abjadيتبع العادات الإملائية العربية الأبجدية القليلة الدقة المرهونة بالفتحة والضمة والكسرة والشدة والسكون وأنواع الهمزات. اللغة الأمازيغية تحتاج الألفبائية alphabetالتي تكتب الصوائت والصوامت معا ودائما. والحرف العربي أداة تعريبية في يد الإسلاميين والعروبيين، بينما الحرف اللاتيني دولي عالمي محايد لا يحمل أجندة قومية ولا دينية.)

2) الحرف الأكثر تطورا؟!
يزعم الدكتور الحلوي بأن “تيفيناغ أكثر تطورا من الحرف اللاتيني”. وأنفق الدكتور الحلوي المقال لمحاولة إقناع الناس بأن حرف Neo-Tifinaghهو في حد ذاته حرف متفوق وأكثر تطورا من الحرف اللاتيني.
هذه الزعم خاطئ تماما. الحقيقة هي أن الحرف اللاتيني هو الأكثر تطورا وتراكميةمن بين كل أنواع الحروف على كوكب الأرض.

ما الذي أقصده بعبارة “الأكثر تطورا”؟ لا أقصد أنه الأجمل ولا الأكثر أناقةفكل الحروف والأبجديات والألفبائيات جميلة وأنيقة وجيدة بلا استثناء. لا يوجد حرف سيء على كوكب الأرض. وإنما أقصد أن:
– الحرف اللاتيني هو الأكثر استعمالا وتجريبا في العالم بكل أشكال الطباعة والتداول.
– الحرف اللاتيني هو الذي يستعمل في أغلب الأبحاث العلمية والبرمجيات الكومبيوترية.
– الحرف اللاتيني هو الذي تختاره أغلب اللغات التي تدخل التعليم النظاميالواسع النطاق لأول مرة مثل اللغة التركية واللغة الإندونيسية واللغة السواحيلية في كينيا واللغة الماليزية واللغة الأمازيغية بالجزائر.
– الحرف اللاتيني هو الذي اشتق منه أكبر عدد من الحروف المعدلة في العالم، مثل: ẓ ḍ ř ṛ ṭ č ǧ ṣ ḥ Æ ň ĕ ƴ ɇ ʁ ȳḂ ṓ Ẽ ṩ Ꞥ Ɐ ꜷ Ậ Ḉ Ḧ ç ğ ö ş ü ä ® ™ © $ € ¥ £ & @ æ ß ñ å
– الحرف اللاتيني يشكل أساس “الألفبائية الصوتية الدولية” المعروفة بـ IPA وهو اختصار للاسم International Phonetic Alphabet التي بها يتفاهم علماء اللغات واللسانيات عبر العالم وتتشكل من 107 حروف.

وفيها حروف إغريقية ورموز أخرى ولكن الحرف اللاتيني (الموسع) يشكل الغالبية العظمى من حروفهذه الألفبائية. وفي هذه الألفبائيةنجد مثلا:ɣ (غ)، x (خ)، q (ق)، g (گ).
– الحرف اللاتيني هو الذي يستعمل لاسكتشاف وتوصيف أغلب اللغات المهمشة أو المجهولة في العالم.
– أمازيغية الطوارق لديها سبعة (7) صوائت أساسية وهي a ă e é i o u لا يعبر عنها كلها التيفيناغ الطوارقي الأصيل ولا التيفيناغ الجديد Neo-Tifinagh إلى حد الآن، وإنما يعبر عنها كلها الحرف اللاتيني. انظر مثلا القاموس الطوارقي الفرنسيDictionnaire touareg français المنشور عام 2003 في مجلدين للبروفيسور الدانماركي Karl-G. Prasse المتخصص في الأمازيغية الطوارقية.
– وفيأمازيغية الريف وجزء من الأطلس المتوسط وجزء من قبايل الجزائرلا يملك نيوتيفيناغ ولا الأبجدية العربية حرفا متعارفا عليه يعبر عن الراء الخفيفة الريفية/الأطلسية Ř ř التي نجدها مثلا في الكلماتawař (الكلام) وَ adfeř (الثلج) وَ abřiwen (الرموش) التي تقابلها awal وَ adfel وَ abliwen في باقي لهجات اللغة الأمازيغية. ويستعمل مؤلفون ومدونونبأمازيغية الريفالراء الخفيفة Ř ř. ومن المهم طبعا التمييز بين الراءات الأمازيغية الثلاث وهي RŘṚ لأن كل واحدة لها قيمة مختلفة ووظيفة خاصة.

والحرف Č č (تش) موجود في أمازيغية إيزناسن وإيشبذانن (شمال وجدة وشرق الناظور) وأيضا في أمازيغية الريف (بوظيفة أخرى) وموجود في جزء من الأطلس المتوسط وفي الجزائر وليبيا. ويوجد حرف نيوتيفيناغي هو ⵞ للتعبير عن (تش). ولكن الإيركام يكتب الحرف č(تش) بحرفين tc (أي digraph) ويخلطه مع الحرف المشدد الذي هو čč. بينما هو حرف منفصل يكتب منفردا č ومشددا čč. أمثلة أمازيغية:Neč (أنا). Neččin (نحن). Netta yečča (هو أكل). Tamedjač (البيضة، بيضة الدجاجة) التي تقابلها Tamellalt في اللهجات الأخرى. Wečma-s (أخته / أختها) وتقابلها Weltma-s في اللهجات الأخرى. Akeččum (الدخول). Ačč (كل، جميع). Učči (الأكل، الطعام). Amečču (الأكل، المأكولات). Taleččint (البرتقالة). Netta yeččaṛ (هو ملأ). Tiserčas (الأكاذيب).

والحرف Ǧ ǧ (دج) موجود في أمازيغية إيزناسن وإيشبذانن (شمال وجدة وشرق الناظور) وجزء من الأطلس المتوسط المغربيوأمازيغية الجزائر وليبيا. كما أن Ǧ ǧ (دج) موجود في جزء من أمازيغية الطوارق الذين يكتبونه بالحرف التيفيناغي الطوارقي القديم ⴶ (دج). وتمت صياغة حرف نيوتيفيناغي جديد بالجزائر هو ⴵ (دج) للتعبير عنه. والإيركام يعبر عن ǧ وَ ǧǧ معا بالحرف المزدوج dj بينما يجب التمييز بين ǧ وَ ǧǧ. ومن الكلمات الأمازيغية بالمغرب والجزائرالتي تشتمل عليهنجد: Arǧaz (الرَّجُل). Netta yeǧǧa (هو تَرَكَ). iǧǧen (العدد 1 واحد). iǧǧet (واحدة). iǧen (أحَدُ). Afeǧǧaǧ (آلة نسج الصوف). Neččin neǧǧiwen (نحن شبعنا).Netta yeggaǧ (هو رحل، هو انتقل). Werǧǧin (أبدا، لم يحدث أبدا). Eǧǧ it (اتركْه! / اتركيه!). Aǧeddu (الكأس، الكوب). ونجد في أمازيغية الطوارق كلمة Taǧimǧimt [تادجيمدجيمت] وتعني: الفطور، وجبة الفطور الصباحية.
– الحرف اللاتيني يكتب في أوروبا بثلاثة (3)أساليب لكل منها وظيفته النافعة: الخط اليدوي ذو الحروف المتصلة الملتصقة (cursive)، الحروف الصغيرة المنفصلة (minuscules)، الحروف الكبيرة المنفصلة (MAJUSCULES). الحروف اللاتينية الكبيرة هي الأصل وهي الأقدماستعمالا لدى الرومان.ثم منذ القرن 3 بدأ أوروبيون آخرون يطورون الخطوط المتصلة الصغيرة والحروف اللاتينية المنفصلة الصغيرة.
أما تيفيناغ الطوارق والتيفيناغ الجديد Neo-Tifinagh فيملكان أسلوبا وحيدا للكتابةولا يوجد فيهما تمييز بين الحروف الكبيرة والصغيرة ولا وَصْلٌ للحروف. هذا نقص وليس ميزة. والحرف العربي أيضا ناقص يكتب بطريقة متصلة وحيدة وليس فيه تمييز بينالحروف الكبيرة/الصغيرة، وللفصل بين الحروف العربية يجب عليك استعمال نقط أو شرطات أو مسافات. طبعا يمكن اختراع MAJUSCULES وَ minuscules لتيفيناغ وللحرف العربي، ولكننا نتحدث هنا عن ما هو موجود الآن ومنذ قرون.
إذا أردت أن تكتب نصوصا أمازيغية بالحروف الكبيرة اللاتينية لأي غرض فأنت ستكتب الأمازيغية هكذا:
NEC AD ARIƔ ES TUTLAYT TAMAZIƔT
(أنا سوف أكتب باللغة الأمازيغية).
وإذا أردت أن تكتب نصوصا أمازيغية بالحروف الصغيرة اللاتينية فقط فأنت ستكتب هكذا:
nec ad ariɣ es tutlayt tamaziɣt
وإذا أردت أن تكتب النصوص الأمازيغية بشكل يمزج بين الحروف الكبيرة والصغيرة حيث تستعمل الحروف الكبيرة لبدء الجملة الجديدة وأيضا لكتابة أسماء الأعلام (أسماء الأشخاص واللغات والبلدان والمدن والجغرافيا والأحداث التاريخية والشركات…) كما تفعل اللغة الإنجليزية فأنت ستكتب اللغة الأمازيغية هكذا:
Nec ad ariɣ es tutlayt Tamaziɣt
فالحرف اللاتيني يمنحك الآن فورا خياراتمتعددة متاحة للجميع.

أما الخط المتصل اليدوي cursive الذي يتم بإلصاق الحروف اللاتينية فهو عملي في الكتابة اليدوية السريعة بالقلم والورق. وأصبحت الآن أجهزة التابليت والسمارتفون تسمح بالكتابة اليدوية (بالخط اليدوي) بالأصبع أو بالقلم الإلكتروني وتسمح أيضا بتحويل الخط اليدوي إلى نصوص مرقونة بحروف منفصلة.

23وأورد الدكتور الحلوي الحروفⴼⴱⴽ (كمثال لحروف اختصار نيوتيفيناغية) زاعما أن القارئ سيعرف بسهولة أنها حروف اختصار وليست كلمة. وهذا غير صحيح. فقارئ نيوتيفيناغ لن يعرف ما إذا كان الأمر يتعلق بكلمة عادية أم بحروف اختصار، أولا لأنه لا توجد حروف صغيرة وحروف كبيرة في نيوتيفيناغ، وثانيا لأن الإيركام يكتب عددا ضخما من الكلمات الأمازيغية بطريقة أبجدية صامتة وليس ألفبائية، مثلا: الفعل الأمازيغي ⴽⵛⵎ (كشم kcem) “اُدخلْ” أو في الاسم ⵎⴷⴷⵏ (مدّن medden) “الناس” أو الفعلⵙⴼⵍⴷⵏ(سفلدن sfelden) “استمَعوا”. بينما الطريقة الوحيدة المؤكدة لكي يعرف القارئ بأن الحروف النيوتيفيناغية مقصودة كحروف اختصار هو الفصل بينها بنقط أو شرطات هكذا (ⴼ.ⴱ.ⴽ.) وإلا فعليه أن يستوعب السياق مسبقا. الدكتور الحلوي يزعم بمنطق مقلوب أن حروف الاختصار في الحرف اللاتيني (مثل FBI أوPIN) هي مجرد “عبء تاريخي” محاولا إقناع القارئ بأن حروف الاختصار اللاتينية غير عملية من حيث النطق! بينما هذا كلام فارغ. فالاختصار بالحروف الكبيرة ميزة تطوريةممتازة للحرف اللاتيني ونطقها سهل وتنوع نطق أسمائها:F (إف)،D (دي)، R (آر) يخفف من رتابة نطقها، وبعضها ينطق ككلمات لأنه أسرع مثل UNICEF. والسامع يعرفها فورا دون قراءة، والقارئ يعرفها فورا دون سماع. وحروف الاختصار اللاتينيةكثيفة في كل اللغاتباستخدامات علمية وتقنيةوإعلامية لا حصر لها منUSBإلى PC إلى USA إلى NATO إلى UNESCO إلى UFO إلى MRI. وفي الكردية نجد عدة أسماء لمنظمات بالاختصارات اللاتينية الكردية مثل YPG وَ PKK وَ ENKS وَ PYD. أما في التركية فالاختصار التركي اللاتيني كثيف الاستعمال. ولدى الأمازيغيةإمكانيات لغوية ضخمة لصنع حروف اختصار أمازيغية بالحرف اللاتيني تعوض المسوخ الفرنسية التي تسيطر على المغرب مثل PJD وَ PAM وَ RNIوَ PSU وَ PPSوَ SMIG وَ CNSS وَ AMDHوَ SIDA وَ ONCF. ومن شدة سيطرة الاختصارات الفرنسيةعلى المغربأنها اقتحمت الكلام الشعبي والصحافة بغياب البديل الأمازيغي بالحرف اللاتيني. فرغم أن بعض الأحزاب والمؤسسات المغربية تضع أسماءها الأمازيغية بحروف نيوتيفيناغفهي لم تزعج نفسها يوما بمحاولة وضع اختصارات نيوتيفيناغية لأسمائها وإنما هي متمسكة باختصاراتها الفرنسية بالحرف اللاتيني. والإيركام الذي يستعمل اختصارا فرنسيا IRCAM لم يزعج نفسه يوما لصياغة وترويج حروف اختصار بحروف نيوتيفيناغ. انظر كتابي “أسماء الجهات والأقاليم والمدن والوزارات في المغرب باللغة الأمازيغية واللغة العربية”وفيهأقترحاختصارات بنوعين: الحروف الكبيرة، ومزيج بين الكبيرة والصغيرة كما في SiMuBiZ أو SMBZ وتعني Asira Amuran en Tebridin en Wuzzal “المكتب الوطني للسكك الحديدية”.مثال آخر: NMƔM أو NaMuƔaM أي Anmalu Amuran en Tɣamsa Tamurakucant “النقابة الوطنية للصحافة المغربية”.

– الحرف اللاتيني هو أساس المعيار العالمي المتعارف عليه حاليا في الرموز الرياضياتية والفيزيائية والكيميائية والبيولوجية والنباتية والكومبيوترية في البحوث والمراجع العلمية. وأحيانا يتم مزج الحروف اللاتينية بحروف يونانية (بشكل محدود) في الرياضيات. ونظام MAJUSCULES وَ minuscules مترسخ منذ قرون ويشتغل بشكل جيد في الترميز العلمي والتاريخي والتكنولوجي الاختصاري.

مثلا: CaCO₃ كربونات الكالسيوم. NaOH هايدروكسايد الصوديوم.
NaHCO₃ بايكربونات الصوديوم. Na₂Cr₂O₇ ثنائي كرومات الصوديوم.

وهذا الترميز الكيميائي والفيزيائي والرياضياتي بالحروف اللاتينية ليس فقط للتسمية السريعة والاختصار وإنما غرضه الأساسي هو كتابة وشرح المعادلات العلمية التي لا تستقيم بالنصوص الطويلة، مثلا:
CH₄ + 2 O₂ → CO₂ + 2 H₂O
(المعادلة الكيميائية لاحتراق غاز الميثان في الهواء).

طبعا فالعِلم في حد ذاته ليس مرهونا بالترميز اللاتيني، ويمكن تطوير ترميز بأية ألفبائيةبتوفر الحافز العلمي والاقتصادي. ولكنالعلوم واقتصادات العالمتشتغل وتتطور بسرعة صاروخية بهذا النظام الترميزي اللاتيني. فالعرب مثلا لم يطوروا أي ترميز علمي ولا تكنولوجي بالحرف العربي رغم وفرة البترودولار. ولم يتجاوز الترميز العربي رموزا محدودة مثل “صلعم” و”ص.ب.” (صندوق البريد) و”ص” (الصفحة) و”إلخ” (إلى آخره) وبعض الترجمات المحدودة، فما بالك بالأمازيغ الذين يهملون لغتهموما زالت حكوماتهم الأمازيغية تطبق سياسة التعريب والفرنسة في 2020. بينما يمكن تدريس العلوم للتلاميذ المغاربة باللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني مقرونةباستعمال الرموز اللاتينية العالمية الفيزيائية والكيميائية والكومبيوترية فنكون قد ربحنا الإثنين: اللغة الأمازيغية والانخراط في العلوم. انظر الكتاب الأمازيغي الفيزيائيTafizikt s teqbaylit للدكتور Mohand Mokhtari عام 2018 في Tizi Wezzu بالجزائر.

– خلاصة:إذن، الحرف اللاتيني أكثرا تطورا لأنه يتيح للغة الأمازيغية خيارات وإمكانيات متنوعة لا يتيحها حرف تيفيناغ الطوارق ولا حرف Neo-Tifinagh الإيركامي الجديد ولا الحرف العربي.

مصلحة اللغة الأمازيغية Tutlayt Tamaziɣt هي معيار مناقشة الموضوع. إذا كان الحرف اللاتيني لن ينفع اللغة الأمازيغية أو سيلحق بها ضررا فليذهب الحرف اللاتيني إلى سلة المهملات. إذا نجحت اللغة الأمازيغية بحرف نيوتيفيناغ فهذا رائع. وإذا نجحت اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني فهذا رائع.

والسؤال الأساسي المطروح على كل مهتم بالموضوع هو: هل يجب أن يكون الحرف في خدمة اللغة أم يجب أن تكون اللغة في خدمة الحرف؟ الإجابة على هذا السؤال ستحسم موقفك في الموضوع.

ومن ناحية الانتشارية، فإن الواقع يؤكد أن المغاربة والعالم كله يتزاحمون ويتنافسون لتعلم واستعمال الحرف اللاتيني وتدريسه لأولادهم واستعماله في الدراسة والتجارةوالترفيه وكل الميادين. والدولة المغربية نفسها تنشر هذا الحرف اللاتيني في كل مكان وبأموال الشعب المغربي. والفرنسية تستغل الحرف اللاتيني العالمي لاحتلال كل الفضاءات العمومية بالمغرب وللسطو على كل ما هو عصري وحديث بالمغرب.

فلماذا لا نستغل هذا الحرف اللاتيني العالمي الشائع والعملي لترويج اللغة الأمازيغية في المغرب والعالم؟
فبدل أن تلعب الفرنسية دور السمسار بين المغرب والحضارة العصرية باستعمال الحرف اللاتيني لماذا لا تستولي اللغة الأمازيغية على الحرف اللاتيني العالمي للتخلص من السمسار الطفيلي الفرنسي؟!
أما الحروف الأمازيغية الثلاثة: الحرف الليبي الأمازيغي Libyco-Berber الأقدم على الإطلاق (وتوجد نقوشه بجبال الأطلس)، وتيفيناغ الطوارق Tuareg Tifinagh ونيوتيفيناغ الجديد Neo-Tifinagh فلها دور رمزي في المجال الفني وغيره. ويجب طبعا تعريف التلميذ المغربي بها في حصص مدرسية.

3) الدكتور الحلوي يدافع عن Neo-Tifinaghبمعزل عن اللغة الأمازيغية:
الدكتور عبد الله الحلوي ذهب في مقاله يناقش الحرفين اللاتيني والتيفيناغي في حد ذاتهما بإسهاب وإطناب بمعزل عن اللغة الأمازيغية وحالتها الآنية وكلماتها وجملها ونصوصها وقواميسها. بينما كان عليه أن يقدم للقراء الجمل الأمازيغية بالحرف اللاتيني والحرف النيوتيفيناغي معا ويقارن بينهما بمقياس اللغة الأمازيغية. ولأنه لا يريد أن يفعل ذلك فهو ذهب يناقش الحروف ومظهرها في حد ذاتها بمعزل عن اللغة الأمازيغية.

وفي هذه الاتجاه زعم الدكتور الحلوي في مقاله بجرة قلم بأن الحرف اللاتيني يصعب القراءة أكثر على مرضى اضطراب الديسليكسياDyslexia(مرض صعوبة القراءة) وأن حرف نيوتيفيناغ Neo-Tifinaghيناسبهم أكثر. لا يوجد دليل علمي يربط ارتفاع حدة الديسليكسيا بأبجدية في حد ذاتها. فالمريض باضطراب الديسليكسيا تصعب عليه القراءة بأي حرف، لاتينيأو هندي أو غيره.وكثيرون من مرضى الديسليكسيا تصعب عليهم الكتابة باليدوالآلة الكاتبة وليس فقط القراءة.وقد وجد باحثون تباطؤافي تعلم أطفال للقراءة بلغات ذات إملائية معقدة كالإنجليزيةبالمقارنة مع لغات ذات إملائية مبسطة كالإيطالية (Seymour, Aro, & Erskine, 2003)، ولكن هذه ليست ديسليكسيا بل مجرد صعوبة تعلم مؤقتة. إذن فالزعم بتفوق نيوتيفيناغ في مجال الديسليكسياهو زعم بناه الدكتور الحلوي على انطباعسطحي، ولا قيمة علمية له إلى أن يقدم الدكتور الحلوي بحثا علميا يبرهن على ذلكبمقارنة نيوتيفيناغ مع اللاتيني.

واستعانة الدكتور الحلوي بانعدام كتابة العربية عموديا ليس حجة على الحرف اللاتيني الذي يكتب مثلاHOTELعموديا. أما زعم الدكتور الحلوي بانعدام إمكانية “القلب/الإقلاب” في الحرف اللاتيني فيدحضه هو بنفسه عندما يعطي مثال كلمة AMBULANCE التي تكتب مقلوبة هكذا ƎƆИA⅃U𐐒MA. حيث توجد حروف لاتينية سيميترية (تماثلية) وأخرى غير سيميترية. أين المشكل هنا؟! لا يوجد مشكل.

بعكس ما يوحي به ضمنيا الدكتور الحلوي فلا توجد لغة في العالم تتم قراءتها في كل الاتجاهات في نفس الوقت. كل لغة تختار اتجاها واحدا أساسيا للتدريسوالنشر العلمي والأدبي. أما التلاعبات الفنية والتجارية والزركشية باتجاهات الكتابة (كما في أسماء الشركات والدكاكين والأفلام) فهذه قشوريات هامشية.

مناقشة الطلاسم اللاتينية والطلاسم التيفيناغية والطلاسم العربية في حد ذاتها كطلاسم جامدة بدون تطبيق وتجريب الحرف على اللغة المعنية (اللغة الأمازيغية) يدل على انشغال بالحروف والطلاسم وإهمال للغة.الحكمة هي استغلال ما هو متوفر من أدوات وظروف وإمكانيات محدودة بالمغرب لنشر اللغة الأمازيغية بشكل أسهل وأسرع وأدق يضمن إنجاح الأمازيغية لتكون لغة مجتمعية علمية تكنولوجية اقتصادية تنتج الخبز والدواء والطائرة والباخرةوتساهم في دمقرطة المغرب Murakucوتنميته هو وباقي الدول الأمازيغية الشقيقة. أما الهوية القومية الأمازيغية للمغرب فهي محفوظة باللغة الأمازيغية وليس بحروف معينة، مثلما أن هوية الأتراك محفوظة باللغة التركية رغم أنهم يكتبونها بالحرف اللاتيني.

في مقال مقبل سنواصل بالجزء الثاني مناقشة الموضوع.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
مراد
المعلق(ة)
23 يوليو 2020 21:28

لا فائدة من كتابتها ولو بأحرف من ذهب. الموتى لا يبعثون إلى يوم القيامة. والأمزيغيةميتة منذ ٱلاف السنين. الدليل ان الناطقين بها لم يقدموا ولو منتوج ادبي وحيد مكتوب عبر تاريخهم الطويل والمليىئ بالصراعات والبطش وسرقة الماعز من بعضهم البعض. رجاء لا تخرجوا عن سنة اجدادكم.

وطني غيور
المعلق(ة)
23 يوليو 2020 00:37

فعلا لو كتبت الأمازيغية بالحرف العربي أو اللاتيني لعرفت انتشارا كبيرا، لكن بعض الأمازيغ المتعصبين يعقلون ذلك

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x