لماذا وإلى أين ؟

نهاية درامية لحلم “الأحرار” في قيادة حكومة 2021

لم يعد خفيا على المتتبع للشأن الحزبي والمهتم بالمشهد السياسي المغربيان التطاحن الذي تدور رحاه داخل عش حمامة “التجمع الوطني للأحرار”، والذي قد يقلب موازين التنافس حول الاستحقاقات الانتخابية التي لم يتبقى على الموعد المزمع تنظيمها فيه إلا بضعة أشهر.

فما هي خلفيات صراع الأحرار الداخلي، والذي نشر غسيله علنا؟
ومن المستفيد، سياسيا وانتخابيا، من صراع الإخوة الأعداء؟

أصل الحكاية
في ثاني يوم لظهور نتائج الاستحقاقات التشريعية لسنة 2016، وبعد تأكد اكتساحها من طرف حزب “العدالة والتنمية” وخسارة حزب “الأصالة والمعاصرة” لرهان تقدمها وإزاحة إخوان بنكيران عن المشهد السياسي، عاد إسم عزيز أخنوش للبروز من جديد، بعدما توارى عن الأنظار، وأعلن تجميد نشاطه السياسي، حيت تم انتخابه رئيسا لحزب “التجمع الوطني للأحرار”، إثر الاستقالة، المفاجئة، لسلفه صلاح الدين مزوار.

أخنوش نجح في عرقلة ترؤس عبد الإله بنكيران لحكومة ثانية، وقاد مفاوضات باسم أربعة أحزاب كللت بنيل حزبه (الأحرار) لأهم القطاعات الوزارية، حتى أصبح (أخنوش) يوصف برئيس الحكومة الفعلي وما سعد الدين العثماني إلا رئيسا شكليا.

زخم الانتصار الذي حققه أخنوش دفعه إلى القيام بانتفاضة داخل حزبه لنفض الغبار عن تنظيماته الموازية وإعادة هيكلته وأطلق حملة وطنية اعتبرت من لدن خصومه حملة انتخابية سابقة لأوانه، واعتقد عدد من المتتبعين أن الرجل فهم درس اندحار “البام”، رغم كل الدعم، وشرع في الاستعداد والإعداد للمنافسة مبكرا، وهو ما قد يمكنه من المنافسة على ترؤس حكومة 2021 المنتظرة.

صخرة المقاطعة
ما إن بدأ إخوان أخنوش الانتشاء بانتصاراتهم الحكومية وانتفاضتهم الداخلية من أجل إعادة تقويم تنظيمهم الذي ولد في حضن الإدارة، و هياكله الموازية حتى اصطدموا بصخرة المقاطعة الشعبية لثلاث علامات لمنتوجات تجارية، كانت إحداها علامة تجارية تستثمر فيها مجموعة رئيسهم الإقتصادية، أفريقيا للمحروقات، فكان لها تداعيات سياسية على الحزب أكثر مما هي اقتصادية على المجموعة.

قيل عن المقاطعة الكثير، وتعددت القراءات حول خلفياتها والواقفين ورائها والمستهدفون بها، لكن لن يختلف اثنان حول كونها حدّت من السرعة التي انطلق بها حزب الأحرار بعد حقبة مزوار، وخلفت نقاشا داخليا حول مدى إمكانية تأثير المصالح الاقتصادية للرئيس أخنوش على الأهداف السياسية للحزب؟ وبدأت بعض الأصوات الخفية، تطالب، بخجل، وفي سرية، بفصل المصالح الاقتصادية للرئيس عن الطموحات السياسية للحزب، بل منهم من رأى أن في استقالته خدمة له (الحزب).

الضربة القاضية لإعادة التربية
لم يرثكن إخوان أخنوش لبواعث اليأس جراء ما فعلته بهم، سياسيا، المقاطعة الاقتصادية، بل عاد من جديد إلى الساحة، وأطلق مبادرات سياسية، وبرمج العديد من المهرجانات الخطابية، والتي شملت حتى الجالية، ومن خلال هذه المهرجانات مرّر رسائل قوية ورد على خصومه السياسيين برسائل مباشرة وأخرى خفية، إلى أن أسقط نفسه بالضربة القاضية، بعدما طالب بإخضاع مغاربة لإعادة التربية.

مقطع من شريط الخطاب الذي ألقاه أخنوش، بالعاصمة الإيطالية روما، في أحد أيام نهاية الأسبوع من شهر دجنبر 2019، تحول لموجة غضب وسخرية كبيرين، بسبب تهديده بـ”إعادة تربية المغاربة”، وهو ما دفع الحزب بعد ذلك إلى وقف بث تجمعاته الخطابية، داخلية وخارجية، قبل أن يتوارى عن الأنظار زعمائه الذين طالما بشّروا بعهد سياسي جديد يقوده أخنوش، وكان لذلك انعكاسات على الوضع الداخلي للحزب جعلت زعيمه يهدد بالاستقالة إن تم التخلي عنه وعزله داخليا.

نزيف استقالات أزمة التعينات
لم يدم الإجماع الداخلي للمنتسبين إلى حزب “الأحرار” على السياسة التي يقود بها أخنوش الحزب طويلا، فقد انعكست، سلبا، الضربات التي تلقاها الحزب، والأخطاء التواصلية التي ارتكبها قياديه، على تماسكه الداخلي، وما زاد الأمر سوءا هو انفراد أخنوش بالقرارات وعمله على فرض عدد من التعيينات لمنسقين جهويين وإقليميين للحزب،  كان الغرض من بعضها نفي قيادات إلى هامش الهامش، كما حدث مع محمد أوجار الذي تمت التضحية به في تعديل “حكومة الكفاءات”، ونفي عن المركز إلى الجهة الشرقية كمنسق، فيما تمت مواجهة عدد منها بالعصيان، بسبب حرب التزكيات التي يتم توزيع كعكتها.

أزمة المنسقين أحدثت نزيفا من الاستقالات الجماعية لمئات أعضاء حزب أخنوش، وكشفت عن كون تنظيمه الداخلي أهون من بيت العنكبوت، وقد يتهاوى في أي لحظة وحين، الأمر الذي شجع بعض أعضائه المستقيلين إلى الدعوة لحركة تصحيحية، تهدد وحدة الحزب وتزيد من الشرخ الذي أصابه على بعد أمتار من نهائي الاستحقاقات الانتخابية.

مصائب الأحرار عند “البيجيدي” هدية انتخابية
من غرائب الممارسة السياسية المغربية تشكل أغلبية حكومية من أحزاب ما يفرقها أكثر مما يجمعها، تجالس بعضها في مجالس حكومية وتتبادل التهم، بعضها خطير، في مهرجانات خطابية وتصريحات صحفية، وما العلاقة بين “البيجيدي” و “الأحرار” إلا خير مثال.

فمند اليوم الأول لتشكيل الحكومة ظهر جليا عدم الانسجام بين مكوناته، وقبول الحزب القائد لها، على مضض، ببعض مكوناتها، كحزب “الحمامة”، وبدأت المواجهة بين الطرفين، وانطلق صراعهما الانتخابي مبكرا.

الحزب الذي وصف بالأغلبي، “البيجيدي”، لم يخفي انزعاجه من تحركات حليفه الحكومي، “الأحرار”، واستعمل معه نفس السلاح الذي وظفه في حربه مع “البام”، ووجه له سيلا من التهم، وعلق فشل الحكومة في عدد من القطاعات على مشجبه، واتهم الإدارة، التي يعتبر العثماني رئيسها، دستورايا، بعدم إخوان أخنوش علنا.

صراع الحليفين الخصمين لم يدم طويلا، حيت أن “البيجيدي” تلقى هدية تلوى الأخرى من هفوات خصمه، وخرجات قادته، التي استطاع الإخوان توظيفها أحسن توظيف سياسي للقضاء على منافسهم الانتخابي. وما زاد من طمأنتهم هي الأزمة الداخلية التي تهدد بنسف عش الحمامة وحطمت حلم قيادة الحكومة المقبلة.

ما يعيشه “الأحرار” جعل “البيجيدي” بدون منافس، ظاهريا، في الاستحقاقات المقبلة، وذلك لكونه بدى الحزب الأكثر تنظيما في الساحة المغربية، والذي لم تؤثر فيه أزماته الداخلية، وله قاعدة انتخابية قارة، وقطاعات موازية جد منظمة ومنضبطة. فيما الباقي من الأحزاب حاله كحال “الأيتام في مأدبة اللئام”، فتنظيماتها أنهكتها الصراعات الداخلية والضربات الخارجية، ونخبها طغت عليها المصالح الذاتية بدل الأهداف السياسية للحزب، وقطاعاتها النقابية لم تعد تحمل من الإسم إلا التاريخية.

فهل سينفرد المصباح باكتساح الاستحقاقات المقبلة، جماعية وتشريعية، أم سيفاجئ المتعاطفين معه بتقهقره إلى الخلف وتقليص مشاركته الانتخابية؟ أم سيتفاجأ بمنافسين يعملون في صمت، كحزب “الاستقلال” أو “البام” الذي قد يعود من بعيد؟

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

5 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
الحسين السلاوي
المعلق(ة)
4 سبتمبر 2020 13:42

ليس في القنافذ أملس فالاحرار حزب صنعته الادارة ،وال ب.ج.د هو الاخر لبس شرنقة حزب اداري اسمه الحركة الشعبية الدستورية ثم تغير جلده وظهر بتسمية العدالة والتنمية في جلباب التقوى ..وكلا الحزبين لم يسديا للناس معروفا ..فلم يلمسوا من الاحرار خلال الحكومة الرابعة عشرة، ثم الخامسة عشرة سوى بداية للتقويم الهيكلي والسكتة القلبية،بينما خلال فترة ال ب.ج.د لم تتحسن سوى وضعية قياديه، حتى ان البعض منهم غرق في فضائح نزعت عنهم الطهرانية وكان اهم خدمة قدموها للناخبين.. هو القيام بالتأشير عن رفع الدعم عن بعض المواد الاساسية بينما خرج كبيرهم بتسعة رهط …من الملايين…مدى الحياة…نسأل الله ان يمده بعمر طويل ..

محمد بوكمزة
المعلق(ة)
4 سبتمبر 2020 10:10

سي حاتم الناس تحلم بالليل وانت تحلم بالنهار كل الاوصاف التي يتهم بها pjd كذب وبهتان و مردودة عليه وكل اوصاف الخبث السياسي موجودة في الاحرار واشباهه الا ابو الاحزاب المغربية حزب الاستفلال وpps اما الاخرين فيعلمون ويعملون بالتليكومند ينتظرون التعليمات من وراء الكواليس

أبو حاتم
المعلق(ة)
4 سبتمبر 2020 01:58

هفوات حزب البيجيدي أكثر فضاعة وجسامة من حزب الأحرار ،فضائح مالية وجنسية وتدبيربة بالجملة، بالإضافة إلى سياسته التصفوية على المستوى الحكومي والتي اتت على الأخضر واليابس ،كلها أسباب ستجعله يندحر في الانتخابات المقبلة أن شاء لله.

محمد أحمد المختار
المعلق(ة)
الرد على  Amine
3 سبتمبر 2020 23:58

نحن مع تكافؤ الفرص الانتخابات عند احزابنا وعند كثير من قواعد هذه الأحزاب مجرد امتحانات لولوج كراسي البرلمان بشقيه وربما كراسي الوزارات ولم لا فكل شيء أصبح ميسرا وممكنا ولكل زمان اعاجيبه؛ولكن لا تتنافس من أجل خدمة الصالح العام؛و لا هم يقض مضاجعهم من أجل خدمة البلاد والعباد؛فإلى متى نجرب و ننتظر وقد تعبنا من الانتظارومن التجاربالانتخابية على منوال لم يتغير منذ ردح من الزمن.

Amine
المعلق(ة)
3 سبتمبر 2020 20:55

لعل هفوات البيجيديين مؤخرا اكثر صدى من أخريات الاحزاب السياسية الاخرى، فضائح جنسية، هفوات تسييرية ()،

من جهة أخرى صدق السيد أخنوش إذ قال بأن كثير من المغاربة إن لم أقل الاغلبية يجب إعادة تربيتهم ….

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

5
0
أضف تعليقكx
()
x