لماذا وإلى أين ؟

الرباط في الزمان والمكان ومراحل تطور العمران 1150 – 1912 (3)

مختصر كتاب: “مدينة الرباط في القرن التاسع عشر (1818 – 1912)، جوانب من الحياة الاجتماعية والاقتصادية”، لمؤلفه: د. عبد العزيز الخمليشي.

أصل هذا البحث أطروحة جامعية قدمت للمناقشة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط يوم 11 يوليو 2007، ونال بها المؤلف دكتوراه الدولة في التاريخ بميزة حسن جدا.

قام بتلخيصه، محمد المختار جزوليت*

3 عوامل التدهور:
يقول ابن خلدون عن أسباب خراب المدينة المغربية خصوصا – والإسلامية عموما – في العصر الوسيط: “… فعمر الدولة حينئذ عُمْرٌ لها، فإن كان عمر الدولة قصيرا وقف الحال فيها عند انتهاء الدولة وتراجع عمرانها وخربت. وإن كان أمد الدولة طويلا ومدتها منفسحة فلاتزال المصانع فيها تشاد، والمنازل الرحيبة تكثر وتتعدد…”.

من هنا يمكن تسجيل أن الدولة الموحدية، مباشرة إثر وفاة المنصور، كانت قد استكملت طور التأسيس والبناء وكذا طور العظمة والمجد، وتهيأت للدخول في طور الهرم والاضمحلال، إذ لم تمر سوى حوالي 13 سنة على وفاة المنصور، وبالضبط عام 1212م حتى وقعت معركة العُقاب التي انهزم فيها الجيش الموحدي أمام الإسبان وانعكس ذلك على مدينة الرباط التي فقدت (الأساس) الذي كان وراء تأسيسها، أي مقرا لتجمع الجيوش قبل توجهها إلى الأندلس لمباشرة الجهاد.

ويبدو أن الخليفة الموحدي الرشيد (1232 – 1242) حاول تعمير المدينة بعناصر جديدة أملا منه في أن تسترد بعض عافيتها من خلال تقديم عدد من الامتيازات لأهل المدن التي سقطت في يد المسيحيين، وذلك بإصدار الظهير المؤرخ في 21 شعبان 637هـ / 17 مارس 1240م.
فقد خولهم:
– حق سكنى الرباط وتعميرها؛
– حق التوسع في الحرث والغرس وتملك الأملاك؛
– أعفاهم من كل المغارم غير الشرعية؛
– تعهد بحمايتهم والاعتناء بخواصهم.

غير أن ما يجب إثارة الانتباه إليه، في الوقت ذاته أن تاريخ صدور هذا الظهير تزامن مع فترة حرجة من تاريخ الدولة الموحدية: يتعلق الأمر ببداية انهيار سلطتها على حساب صعود سلطة بني مرين، إذ في العام 1249 تمكن المرينيون، للمرة الأولى، من الاستيلاء على مدينتي الرباط وسلا، ليستمر الصراع على أشده إلى حدود سنة 1259م تاريخ الاستيلاء عليهما من قبل المرينيين. ومعنى هذا أن هذه الصراعات حالت دون توفير المناخ الملائم لاستقرار أولئك المهاجرين بالوفرة التي من شأنها أن تعمل على تعمير المدينة.

وبعد أن اتخذ المرينيون فاس عاصمة لهم همشوا مراكش وكذلك الرباط وجعلوا من سلا مقرا لهم أثناء عبورهم إلى الأندلس واهتموا بشالة التي أحاطوها بالسور، واتخذوا منها زاوية ومقبرة فاخرة لسلاطينهم ولزوجاتهم ولأعيانهم. ولم تتجاوز منجزاتهم بالرباط أصابع اليد:
– إيصال الماء من عين غبولة من جديد عام 1285م؛
– بناء المسجد الأعظم – أو الجامع الكبير – ويجهل تاريخ بنائه؛
– بناء مارستان وسقاية قبالته؛
– ثم حمام جديد – المسمى بحمام لعلو.
أما بالنسبة للوطاسيين فلم يخلفوا أي شيء يذكر في الرباط.
والشيء نفسه يقال بالنسبة لفترة حكم السعديين الذين اتخذوا مراكش عاصمة لهم وآسفي وأكادير منفذين بحريين لتجارتهم.
إلا أنه مع تدفق آخر أفواج الأندلسيين المطرودين من إسبانيا في بداية القرن 17، وهو الحدث الذي ترافق مع بداية انهيار سلطة السعديين، عرفت الرباط مرحلة جديدة في تاريخها.

يتبع…

*أستاذ اللغة العربية وآدابها؛ حاصل على الاجازة في اللغة العربية وآدابها؛ حاصل على دبلوم الدراسات المعمقة في الأدب القديم.؛ من مواليد الرباط سنة 1956

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x