لماذا وإلى أين ؟

كوفيد، الانتباه إلى وباء الخرف المبكر عند المسنين!

لأكثر من شهرين تضاعف عدد كبار السن الذين يستشيرونني مع مرور الأيام  ومصحوبين بأبنائهم  حتى يشرحوا لي بوضوح التغيرات النفسية التي ظهرت مؤخرًا عند أبائهم منذ الحجر الصحي والتي تكون في بعض الحالات خطيرة جدًا.

حتى الآن قمت بتشخيص الأمراض التالية عند المسنين:

– الاكتئاب الكلاسيكي

مشاكل في النوم وفقدان الشهية والقلق وضعف الانتباه والتهيج.

– اكتئاب مجنون المظهر (ألورْ ديمونسييل)

بالإضافة إلى الأعراض المذكورة أعلاه نجد اضطراب منطق الكلام واضطراب السلوك الجنسي والارتباك الزماني والمكاني وفقدان الذاكرة والتململ الحركي وسلس البول والبراز.

– الاكتئاب النفسي الجسدي (بسيكوسوماتيك)

شكاوى عضوية طوال اليوم وآلام القولون  والإسهال وآلام المفاصل وآلام المعدة والصداع، إلخ.

– الاكتئاب الكئيب (ميلون كوليا)

العزلة والمقاومة ورفض الأكل والشرب والهلوسة وتناول الأدوية للحالات المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض أخرى.

أسباب تداعيات الكوفيد التي تمكنت من ملاحظتها  عند المسنين:

– إغلاق مساجد القرب

كانت الحياة اليومية للمسنين، نساءً كان أم رجلاً، منظمة حسب أوقات الصلاة حيث يلعب المسجد دورًا مهمًا في التنشئة الاجتماعية وهو بالإضافة إلى وظيفته الروحية، فهو يسمح للمسنين بمغادرة منازلهم والالتقاء بالآخرين والجيران وغيرهم وتبادل لحظات من الدردشة وأخبار الحي والمدينة والوطن والعالم. ولكن مع الأسف جاء كوفيد وأغلق المساجد وتغيرت المعايير الزمنية والاجتماعية ولم يتمكن كبار السن من التكيف مع طريقة الحياة الجديدة هذه، وبالتالي أصبحوا مضطربين نفسيا.

–  وقف الزيارات العائلية

حماية لكبار السن بشكل خاص مُنِع المسن من زيارة الأسرة ويستقبل عددًا قليلاً جدًا من الأشخاص مع الصعوبة في تصور هذا الوباء ولا يفهم سبب عدم زيارة أحد له وفي بعض الحالات لا يحتضنه الزائرون ولا يقبلونه أيضًا.

وبالمثل فإن الأبناء الذين يعيشون في مدن أخرى في البلد أو في الخارج كانوا يأتون لزيارة المسن بانتظام ولكن بسبب الكوفيد أصبحت بعض الزيارات مستحيلة لأسباب نعرفها جيدًا.

وهكذا يظن الشخص المسن أنه لم يعد محبوبًا ومرغوبا لأنه كبير في السن وبدون أي فائدة ولذلك يصبح غير مستقر نفسيا.

– التغيير في تنظيم المنزل

اعتاد المسن على أسلوب حياة منزلي دقيق إلى حد ما، يذهب الأبناء إلى العمل ويذهب الأحفاد إلى المدرسة  ويمر بعض الأبناء إلى المنزل كل يوم لزيارته. ومع كوفيد كل هذه العادات المنظمة مثل الساعة توقفت فجأة وأصبح وضع المسن قلقا للغاية بدون أن يستطيع فهم هذا التغيير ولهذا نراه مضطرب نفسيا على مدار الأيام.

– تشويه العلاقات الاجتماعية والحرمان من الحرية

فجأة رأى الشخص المسن أن حريته مقيدة، فلا يجب أن يخرج ولا يصافح الجيران والبقّال وإمام المسجد وعليه أن يرتدي قناعا إذا خرج، كما يجب على الزائرين الابتعاد عنه مترًا واحدًا ولم يعد بإمكانه الذهاب إلى “سّْويقَة” ويجب عليه غسل يديه باستمرار ووضع هلام مائي كحولي ولا يمكنه الخروج في فترة ما بعد الظهر للذهاب للَعب” الدّاما” و الجلوس في الساحة مع زملائه. و باختصار بالنسبة  للمسن أصبح يعيش في عالم آخر وبأسلوب  حياة غريب  بالنسبة له  وهذا سبب فزعه واضطرابه نفسياً.

وفي الختام، أدق ناقوس الخطر لتنبيه السلطات الصحية لأخذ هذه المشكلة على محمل الجد لأننا سنجد أنفسنا قريبًا في مواجهة وباء الخرف المبكر عند المسنين!

* خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x