لماذا وإلى أين ؟

الغلوسي: الصراع على القاسم الانتخابي فضح توجهات الأحزاب

محمد الغلوسي

يجري التحضير للإنتخابات التشريعية في المغرب في سياق وظروف خاصة فظهور وباء كورونا بعثر كل الأوراق والبرامج والتوقعات.

تداعيات كورونا امتدت لكل مناحي الحياة وكانت لها نتائج سلبية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. فعلى سبيل المثال فقدت الميزانية العامة ما يقارب 13مليار درهم بالمقارنة مع السنة الماضية كما تراجعت نسبة النمو ولم يسعف الدعم الذي قدمته الدولة لبعض الفئات في سد تقب الفقر والهشاشة والمرشحة للتوسع في المقبل من الأيام،فيما دائرة الفساد والرشوة تتوسع وتتحدى كل النوايا والخطابات ووصلت تكلفته الى نسبة 7% من الناتج الداخلي الخام ،كما أن تكلفة الرشوة في مجال الصفقات العمومية تشكل مايناهز50 مليار درهم سنويا.

في مثل هكذا ظروف من المفروض سياسيا على النخب الحزبية فتح نقاش عمومي واسع حول رهانات إنتخابات بطعم الكساد والأزمة والأفق الغامض وتشريح الواقع الإقتصادي والإجتماعي، ورسم كل التصورات الممكنة، للخروج بأقل تكلفة من الأزمة الخانقة وإعداد خارطة طريق لمواجهة كل التحديات والمخاطر، لكن لاشيء من ذلك حدث فالنخب الحزبية منشغلة بالقاسم الإنتخابي وما سيدره عليها من مقاعد وتراها متمترسة خلف “شعارات” الديمقراطية واحترام الدستور وغيرها وهدفها من كل ذلك ليس هو الدفاع عن الديمقراطية والإختيار الديمقراطي كما تدعي بل إن هدفها هو ضمان تحصين مكاسب حزبية ضيقة.

إن النقاش اليوم يجب أن يكون سياسيا لا تقنيا بغطاء سياسي. على الأحزاب السياسية  ألا تضيع الفرص وتهدر الزمن في نقاش يهدف كل طرف من ورائه إلى حشر الطرف الآخر في الزاوية وإيهام الرأي العام بأن الأمر يتعلق بصراع مشاريع مجتمعية وإدعاء البعض أنه هو المستهدف في معركة القاسم الانتخابي والاستمرار في ترديد خطاب الضحية والحال أنه يتحمل جزءا مهما من نتائج الأزمة الحاصلة اليوم والضحية الحقيقية هو المجتمع الذي وثق جزء منه في شعارات الحزب الأغلبي حول النزاهة والشفافية ومواجهة الفساد والمفسدين وناهبي المال العام والتي تبخرت مع مرور الوقت.

إن الظروف التي تمر منها البلاد لا تسعف في إهدار المزيد من الفرص والزمن في نقاش قضايا غير ذات أهمية كبرى، إنها في حاجة إلى جرأة سياسية كبيرة واستثمار لحظة الإنتخابات لتدشين نقاش حول كل القضايا وفي مقدمتها محاربة الفساد والرشوة والريع وحسم التردد نحو الإنتقال إلى الديمقراطية مع فصل للسلط وتوزيع عادل للثروة لبعث الأمل في المستقبل.

رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
غريب
المعلق(ة)
5 أكتوبر 2020 07:04

غريب:
يقول الكاتب:”إنها في حاجة إلى جرأة سياسية كبيرة واستثمار لحظة الإنتخابات لتدشين نقاش حول كل القضايا وفي مقدمتها محاربة الفساد والرشوة والريع وحسم التردد نحو الإنتقال إلى الديمقراطية مع فصل للسلط وتوزيع عادل للثروة لبعث الأمل في المستقبل”…هو يقصد الدكاكين/الأحزاب طبعا التي تتناوش فيما بينها الآن حول القاسم الانتخابي،أي عدد المقاعد بمجلس النواب،أي بصريح العبارة:الريع السياسي…مع احترامي لرأي الكاتب أجدني أستغرب مما سطره قلمه، فهو يفترض وجود ديموقراطية حقيقية ببلدنا مؤطرة بمؤسسات وبوسطاء:أحزاب ونقابات وجمعيات وهيآت ذات مصداقية، بيننما هو أول من يعلم-بحكم رئاسته للهيأة المكلفة بحماية المال العام-بأن بلدنا ليست به ديموقراطية حقيقية وإلا لما قال هذه الجملة:
“…وحسب التردد نحو الانتقال الى الديموقراطية…”…هذه الجملة واضحة في مدلولها وبكل صراحة فهو يقول:لا توجد عندنا ديموقراطية حقيقية كما هو متعارف عليها في بلدانها…لذلك أستغرب ممن يعلم هذه الحقيقة فيذهب في تحليله لمشهدنا السياسي البئيس إلى استنتاجات هي في الواقع خاطئة لأن أساسها خاطئ…ذلك أن نخبتنا لا يشغلها خدمة الوطن والمواطن وإنما تلهث للتموقع في مقدمة المشهد من أجل مصالحها الذاتية،والتجربة أكدت ذلك بالملموس،ولااختلاف بين هذا وذاك على الاطلاق..ورأيي أنها،أي النخبة،محقة في ذلك بسبب كون الدستور نفسه يعيق وجود ديموقراطية حقيقية…لذلك فأي نقاش يجب أن ينطلق من ضرورة تغيير الدستور،أما التحجج بالموجود فما هو إلا تزكية للواقع الحالي حيث المؤسسات مجرد ديكور… تعجبني كثيرا تصريحات الصحفي المخضرم خالد الجامعي والاقتصادي نجيب أقصبي وبعض وجوه النخبة التي تتحرى قول الصراحة حول من يحكم وما يجب فعله من أجل التغيير الإيجابي نحو ارساء ديموقراطية حقيقية ببلدنا…إن واقعنا الحالي هو أن من بيده القرار الحقيقي ليس البرلمان ولا الحكومة ولا أية مؤسسة أخرى منتخبة أو معينة أعضاؤها…والنقاش حول القاسم الانتخابي نقاش مفتعل تساهم فيه وجوه من النخبة الريعية لالهاء الشعب عن قضاياه المعيشية اليومية…والممارسات أثبتت وتثبت أن جل الأحزاب،ومن دون استثناء،لا تختلف فيما بينها الا من حيث أسمائها…لقد أصبحت تعاني من الجفاف الفكري ماتت معه أية جرأة لمبادرات إصلاحية عميقة بحكم خوفها على مصالحها الذاتية المتمثلة أساسا في الاستفادة من الريع السياسي والاقتصادي الذي هو سيد المواقف برمتها…

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x