لماذا وإلى أين ؟

متعافية من كورونا للأطباء: سيأتي يوم يعبثون بكم كما عبثم بمن أتاكم ضعيفا

كثيرة هي قصص المواطينين الذين تغلبوا على وباء كورونا المستجد في المغرب، إلا أن قليل منها هو من يستحق التطرق إليه، نظرا لتفاصيل أحداث هذه القصص؛ التي تعطي صورة قد تكون جزءا من الحقيقة، وتحمل في جزئياتها رسائل لكل مكونات المجتمع، من المواطن العادي مرورا بالفاعل الجمعوي والحقوقي وصولا إلى الفاعل السياسي؛ الذي يتحمل وزر مسؤولية كل ما يقع.

قصة الشابة رجاء مسو؛ وهي طالبة باحثة بسلك الدكتوراة بجامعة ابن زهر بأكادير، من القصص التي تستحق أن تروى، خاصة أنها باحثة في مجال الإعلام والتواصل، ما جعلها توثق تفاصيل القصة بدقة، حتى يستفيد منها المواطنين الذي لم يعيشوا قط تجربة الإصابة بالوباء، وفي هذا الإطار يستضيفها الموقع الإخباري “آشكاين”، في فقرة ضيف الأحد لهذا الأسبوع.

مرحبا رجاء، بداية كيف انتقلت عدوى الفيروس إليك؟

أهلا، صراحة لم يخطر ببالي منذ ظهور أول حالة وبائية بالمملكة، أنني سأكون واحدة من ضحايا “كوفيد19″، سهرت بشكل كبير على أخذ كامل الإحتياطات الوقائية داخل العمل وخارجه، لكن القدر كانت له كلمته. ما زلت أتذكر يوم الجمعة؛ الذي التقيت فيه بإحدى صديقاتي المقربات؛ هي وأختها، لم تكن تظهر عليهما أية أعراض، جلسنا ساعات قليلة محترمات مسافة الأمان، وبعد يومين شعرت ببعض الأعراض، وهنا بدأ الشك ينتابني، بعدها تلقيت خبر أن أخت صديقتي اتصلوا بها من نادي رياضي، وأخبروها بضرورة إجراء اختبار كورونا، لأنها من مخالطي سيدة حاملة للفيروس، وهكذا انتقلت عدوى الفيروس إلي.

طيب، وكيف اكتشفت أنك مصابة فعلا بـ”كوفيد”؟

بدأت أشعر بعياء شديد بجسمي، تطور الوضع لترتفع درجة الحرارة، مدتني أمي بدواء خافض للحرارة؛ لكن سرعان ما ارتفعت من جديد مع صداع وألم شديد برأسي، بدأت أشك فقمت بعزل نفسي إلى حين توجهت لمختبر خاص بأكادير، الذي كان يعج بالفوضى وتغيب فيه أبسط وسائل التنظيم، حتى السلطات المحلية التي كانت تتوافد عليه بين الفينة والأخرى؛ لم تفرض عليه ما تم فرضه على الشركات والفنادق وغيرهم من المؤسسات.

لا وجود لجهاز التعقيم، ولا الإسفجنة الخاصة بالأحذية، ولا حتى الأشرطة التي تحدد بها مسافة الأمان، كل ما كان يهم أن تجري التحليلة مقابل 500 درهم، دون أي مراعاة للبروتوكول الصحي المعمم، فأقل ما يمكن أن يقال عنه إنه بؤرة وبائية مكتملة الأركان.

إنتقلت بعد إجراء الفحص إلى منزل صديقتي، التي ألحت علي بعدم الذهاب للمنزل، خوفا من أن أنقل العدوى لوالدي المريض، وفي تلك الأيام التي كنت أنتظر فيها نتيجة الفحص كانت الأعراض تتطور، بدأ السعال الذي يكون مصحوباً بوجود بلغم في الحلق؛ ويشتد مع الحرارة المرتفعة.

حان موعد النتائج، وكنت عاجزة عن الوقوف من شدة العياء والحرارة، صديقتي أصرت على مرافقتي، وبعد أن وصلنا سلمت الورقة الخاصة بي للمسؤولة، وبعد دقائق قليلة سمعت ممرضة تناديني بإسمي من أمام مكتب بعيد، “رجاء مسو ستتصل بك المديرية الجهوية لوزارة الصحة”، لم أفهم شيئا.

أصبت بالدهشة، وكنت أحاول الإقتراب منها لأسألها؛ لماذا المديرية الجهوية؟ ولماذا لا يسلمني المختبر ظرفا أفتحه وأجد فيه نتيجتي كيفما كانت؟ لكن يبدو أنها كانت خائفة مني، خاصة أنها لم تكن ترتدي البدلة الوقائية، تفهمت الوضع وحاولت إخبارها أنني دفعت ثمن الخدمة، ومن حقي معرفة ما إذا كنت مصابة أم لا؟ أجابتني أن هناك تعليمات؛ ولا يمكنها إعطائي أي معلومة أخرى.

كيف تعاملت معك المصالح الصحية؟ هل جرى احترام البروتوكول المعتمد من طرف الوزارة؟

هنا بدأت معاناتي الحقيقية، حين عدنا أنا وصديقتي مريم إلى المنزل، وانتظرنا اتصال المديرية الجهوية، لا من يتصل، فأخذت المبادرة من خلال الإتصال بالرقم الخاص بالوزارة؛ لكن لا من مجيب، عائلتي تنتظر عودتي للمنزل، وأنا لا أجد جوابا، فيما ترتفع حرارة جسمي بشكل شديد، السعال الجاف و”تبوريشة” لدرجة أنني أشعر ب”السخفة”، صديقتي بدأت تشعر بالقلق، فوضعي الصحي بدأ يتدهور، الساعة العاشرة ليلا؛ ولا من يتصل.

الحل هو أن تتنقل مريم للبحث عن صيدلية لشراء دواء أكثر فعالية، لكن مع الأسف بعد ساعة ونصف، لم يعطي أية نتيجة، الحرارة ما زالت مرتفعة، جلست صديقتي تجرب الوسائل التقليدية، إلى أن انخفضت الحرارة قليلا؛ كانت الساعة تشير إلى الواحدة ليلا، وخوفا من أي تطور آخر توجهنا إلى المختبر. حارس ليلي يطل علينا من الأعلى، أخبرته أنني مريضة جدا، وأحتاج لعلاج، إن كنت مصابة بكورونا أحيلوني على المستشفى رفقة المصابين، وإن كنت غير مصابة؛ أخبروني لأتوجه للمصحة بشكل عادي، لكن لم يجد جوابا، فطلبنا منه الإتصال بالطبيب صاحب المختبر فكان الرفض جوابه.

لم يبقى أمامي سوى خيار التوجه إلى القيادة التابع لها المختبر، طرقنا بابها وطلبنا من “مخزني” لقاء السيد القائد، لأن الأمر عاجل، أخبرنا أن القائد مسافر، توجهنا إلى مقاطعة أخرى على أساس أن القائد الآخر يعوضه إداريا، لكن دون جدوى. زاد ألمي النفسي على الألم الجسدي، فتوجهنا للعمالة مباشرة، وأخبرناهم بما وقع، وأنني أرغب في لقاء أحد المسؤولين، أخبرتهم أن الأمر يستحق أن يتصلوا حتى بالوالي أو الكاتب العام، لأنه يجب عليهم أن يعلموا ما الذي يقع بهذه المدينة، “الناس كتموت، والمديرية الجهوية في عطلة، لا يمكن السلطة حتى هي تكون ناعسة”، أليست حالة الطوارئ في البلاد؟ والمفروض كما نسمع أنهم لا ينامون؟ أم أنها مجرد شعارات؟

جلست أمام باب العمالة مدة طويلة، كنت شبه مغمى علي، كل ما كان بوسعهم هو مدي بقنينة ماء، مرة أخرى طلبت من “المخزني” الإتصال بـ”شاف DAI” وإعطائه إسمي لأنه إن كنت مصابة، فمن المفروض أن يسلم المختبر نسخة من الأسماء للمديرية الجهوية للصحة ونسخة للسلطات الإقليمية. بعد مشاورات كثيرة اتصلوا به، لكن الأخير لم يحمل نفسه عناء البحث عن إسمي، فأخبرهم أنه بإمكاني الذهاب إلى المنزل، وسيرون الموضوع غدا!؟ فعُدت إلى البيت وفي قلبي أسف على ما بات يقع في هذا الوطن.

وكيف كان تعامل موظفي وأطر المستشفى معك؟

في صباح اليوم الموالي، وعلى الساعة التاسعة والنصف صباحا، أخيرا تتصل بي المديرية الجهوية للصحة، وطُلب مني التوجه لمستشفى الحسن الثاني، وكان بإمكان المختبر أن يقوم بذلك، دون أن يتركوني أعاني ليلة كاملة. وبالفعل، توجهت إلى المستشفى فطلب مني الإنتظار أمام باب المكتب، منذ الساعة العاشرة صباحا، إلى حدود الساعة الثانية عشرة ونصف، وكلما سألت لماذا كل هذا التأخير، يجيبني موظف “انتظري انتظري”، لا وجود لأي مراعاة لصحة المريض، تعبت من الوقوف، والحرارة زادت من تعبي، فحملت نفسي وعدت إلى المنزل بعد طول انتظار.

لجنة اليقظة تتسابق لإخباري بأزيد من ثلاث اتصالات أني مصابة بالفيروس، لكن لا يعنيهم ما بعد الإخبار، أليس الأجدر أن يعمل أول المتصلين على تتبع حالتي إلى حين دخولي المستشفى؟ أم أن الكل يتسابق ليخبر مسؤوله أنه تواصل مع عدد من المصابين، بعد تفاصيل كثيرة، أتت سيارة الإسعاف ودخلت المستشفى، وماهي إلا بضع ساعات؛ حتى طلبو مني المغادرة لإتمام العلاج بالبيت.

لكن وضعي الصحي أبى ذلك، فماهي إلا أيام قليلة حتى تضاعفت الأعراض وعادت سيارة الاسعاف لأخذي إلى المستشفى، وصلنا أمام باب الإدارة لاصطحاب ملفي، وقبل دخولي للجناح 6، سمعت الطبيب يسأل سائق سيارة الإسعاف، ماذا هناك؟ أجابه: سيدة بالداخل كانت هنا، قبل يومين ويبدو أن الأعراض تضاعفت، فأجابه الطبيب بـ”تقحبين”. صدمت كثيرا أوجعتني الكلمة، وزادت معاناتي النفسية على الصحية، سألت السائق عن إسم الطبيب، فلم يجبني، ربما كان خائفا بعد أن علم أنني سمعته، على أي؛ أخذ المعلومات، وتم وضعي في المستشفى بالجناح 6، لمدة خمسة أيام، وبقلبي حسرة كبيرة على أزمة القيم التي نعيشها بهذا الوطن.

ما هي رسالتك لوزير الصحة، الأطباء، الممرضين وعموم المواطنين؟

السيد وزير الصحة، أتمنى أن تكونوا قد عينتم لجنة تقف على تسجيل النواقص التي تعتري منظومة الصحة بالمغرب، لنستطيع استدراكها خلال الأشهر القليلة المقبلة، كما أن العمل على توسيع العرض الصحي خاصة بالعالم القروي، لتقريب علاج “كوفيد” من المناطق النائية؛ بات ضروريا، إضافة إلى إعادة تكوين الأطباء وخاصة المكلفين بالتواصل داخل لجان اليقظة.

السيد الوزير، بعد مدة قصيرة من العلاج الذي يتلقاه أغلب المصابين داخل بيتهم، تعلنونهم ضمن لائحة المتعافين، فكيف تعلمون أنهم تماثلوا للشفاء مع أنكم منعتم حقنا في إجراء اختبار أخير؟ السيد الوزير؛ نعلم جيدا أن منع أطر من التواصل مع الصحافة، جاء نتيجة خوفكم من فضح الإحصائيات والأخبار الكاذبة التي تنشرونها، سيدي الوزير، عوض المجهود الذي تبذلونه لتلميع صورة غير حقيقية، اجعلوا “كوفيد” فرصة لمراجعة الأخطاء الإدارية بقطاع الصحة، والعمل على تجويد كل الخدمات الصحية بكل مدن وقرى المملكة.

أود أن أوجه رسالتي للأطباء، شكرا لكل ضمير حي يعلم أن هناك أرواحا ضعيفة تستنجد بكم، شكرا لكل من يبتسم في وجوه المرضى، لكل من تعب وضحى، ألف شكرا لن تكفيكم. أما بالنسبة للضمائر الميتة؛ أقول أنني شفيت من المرض، لكن أصبت بمرض الخوف من ضمائركم الميتة، أعلم أن ربط المسؤولية بالمحاسبة طريقها طويل، لكن كما يقول المثل المغربي “باش كتقتل كتموت”، سيأتي يوم يعبثون بكم كما عبثتم بمن أتاكم ضعيفا. وبالنسبة لعامة المواطنين، أتمنى منكم أخذ المزيد من الإحتياطات اللازمة من أجل سلامتكم والحفاظ على هذا الوطن، فكورونا تحصدنا من حيث لا ندري.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

4 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
مقاطعون
المعلق(ة)
14 أكتوبر 2020 10:05

قطاع الصحة كان في سبات عميق وجائت كورونا لتحرك السكون والخمول الذي يعيشه لهذا ترى الاطر الطبية والمسئولين غير قادرين على التحكم في زمام الامور بشكل مهني…. ماذا لو وقعت الكارثة وزادت الحالات بشكل خطير.

كلب من الكلاب
المعلق(ة)
12 أكتوبر 2020 13:18

تترك الكلاب الفريسة للذين يدرون من اين تؤكل الكتف. وتنهش وتعض بعضها متوهمة بمن الاقوى وعلى انها تحافظ على حقها. المهم اقول لكل مكونات المجتمع رقوا انفسكم الى مستوى افضل من…….. لكون توجد من بيننا امك وابوك واختك ووووو وان وجدت لهم حل في مجالك ، فالذي تداولونه من معاملات سينعكس عليكم في مجالات اخرى

احمد
المعلق(ة)
11 أكتوبر 2020 23:23

لماذا لا تتم متابعة الوزارة على الاخبار الكاذبة

علابوش
المعلق(ة)
11 أكتوبر 2020 21:38

أدخلت نعاجي إلى الحظيرة ومن عاذتي أن أقرأ بعض الجرائد الإلكترونية ومن عاذتي أن ابدا باشكاين
قرأت المقالة أو القصة قلت اليس من الواجب أن اترك تعليقا .
هذه السيدة انسانة مثقفة وتعرف ما لها وما عليها ولها مكانتها في المجتمع كمثقفة واطار اوشي من هذا
ورغم ذلك طريقة التعامل معها كانت غير لائقة ولا تتوافق مع ما يجب القيام به خاصة في لحظات كهذه
حدثت جاري بهذه القصة فاجابني بنبرة ملؤها التعجب المقرون بالقهر وأحاسيس أخرى لا اتوفر على قاموس لغوي لاعبر عنها:
ماذا لو مرضنا نحن
فأجاب نفسه:لا نحن لنريد نمرض واذا ما مرضنا نطلب الله أن يميتنا على أن نبقى بأيدي أناس كهؤلاء

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

4
0
أضف تعليقكx
()
x