لماذا وإلى أين ؟

الحكومة “كتحك على الدبرة”

من بين الإجراءات الرئيسية لمشروع قانون المالية لسنة 2021، إحداث ضريبة جديدة تحت مسمى “مساهمة اجتماعية للتضامن”، مترتبة على الأرباح والمداخيل برسم سنة مالية واحدة(2021).

وستطبق هذه المساهمة، حسب المذكرة التقديمية لهذا المشروع، التي نُشرت الاثنين (19 أكتوبر)، على الأشخاص الذاتيين الخاضعين للضريبة على الدخل من مصدر مغربي برسم المداخيل المهنية والفلاحية والعقارية ومداخيل الأجور والمداخيل المعتبرة في حكمها، من خلال اقتطاع نسبة ٪1.5 من الأجور التي تصل في مجموعها الصافي 120 ألف درهم سنويا، أي ما يعادل 150 درهما من كل أجر شهري يعادل أو يفوق 10 آلاف درهم صافية، بالإضافة إلى الشركات الخاضعة للضريبة على الشركات، باستثناء بعضها بشروط.

واضعو هذه الضريبة قالوا إنها “تندرج في إطار الجهود المبذولة لتعبئة الموارد لفائدة الفئات الهشة وتعزيز التضامن الاجتماعي، بهدف مواكبة إقلاع الاقتصاد المغربي ومواجهة تداعيات جائحة كوفيد-19″، وهو أمر لن يختلف عليه اثنان، بحكم الظروف الاقتصادية التي يمر منها المغرب، على غرار عدد من دول العالم نظرا لما فعلته كورونا باقتصاده.

خطورة ضريبة “المساهمة الاجتماعية للتضامن”، كونها تستهدف بدرجة أولى، حسب قانون مالية 2021، الطبقة المتوسطة، التي أجمع باحثون ومراقبون على أهميتها ودورها في استقرار الاقتصاد والسياسة والمجتمع، وتكمن قوتها تحديدًا في قدرتها الاستهلاكية.

وتذكر الكتابات التاريخية، وخاصة التاريخ الاقتصادي، عددا من الاحتجاجات التي عرفها المغرب بسبب الضرائب، ومن بينها “عيطة بالمدني بنيس”، سنة 1873، ويجمع مؤرخون على أنها أول تظاهرة احتجاجية “ضد الحیف والشعور بالغبن والدونية”، تزعمها الدباغون، وهاجمت منزل كبير الأمناء بمدينة فاس، بالمدني بنيس، ونهبت محتوياته، بعدما اشتط هذا المسؤول المخزني حينها في فرض الضرائب على الحرفيين والتجار الذين كانوا يعتبرون طبقة وسطى لمجتمعه في تلك الفترة الزمنية.

وفي سنة 1981، بعد إعلان حكومة الراحل المعطي بوعبيد زيادة في أسعار المواد الغذائية رد المغاربة بإضراب عام شلّ الحركة الاقتصادية، خصوصا بمدينة الدار البيضاء لتتدخل القوات العمومية والقوات المسلحة، فكانت النتيجة آلاف الضحايا من معتقلين وقتلى ومعطوبين، وأصبحت الأحداث تعرف لاحقا باسم “شهداء الكوميرا”.

أما سنة 1990، فشهدت مدينة فاس احتجاجات كبيرة على إثر الإضراب الوطني الذي دعت له نقابتا حزبي الاستقلال والاتحاد الاشراكي، عقب فشل حوار اجتماعي مع الحكومة، نجم عنه تدخل للقوات العمومية وسقوط العديد من الضحايا، بين قتلى ومعطوبين ومعتقلين.

المحطات المذكورة كلها وقعت بعدما “وصل الموس للعظم”، ولم تعد الطبقة الوسطى قادرة على لعب دور شوكة الميزان التي تقلص الهوة بين الأغياء جدا والفقراء جدا، نتيجة الانهاك الذي تعرضت له هذه الطبقة من خلال السياسة الضريبية التي تحكمت في إملائها على الحكومات المتعاقبة مؤسسات مالية دولية.

والنتيجة، ضحايا بجراح تاريخية تطلب جبر ضررهم وطي صفحتهم هيئة “إنصاف ومصالحة” وفاتورة اقتصادية، ديمقراطيا، سياسيا وحقوقيا غالية.

يقول إلبرت اينشتاين “الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب و نفس الخطوات و انتظار نتائج مختلفة”. ما قاله اينشتاين وإن كان في مجال الفيزياء أراه ينطبق تماما مع ما تقوم به الحكومة المغربية.

فماذا تنتظر هذه الأخيرة من سياسة جبائية هي نفسها اعترفت بفشلها؟ وماذا تنتظر من موظف كوت جيبه بنار الأسعار، وأثقلت كاهله بالديون، وكيف سمحت لنفسها بأن تفكر في فرض ضريبة أخرى على فئة تعد دينامو الدورة الاقتصادية في زمن أزمة غير مسبوقة؟

كيف تغامر الحكومة بالسلم الاجتماعي في مرحلة دقيقة جدا بينما تملك حلولا أخرى من بينها قانون الاثراء وفرض ضريبة على الثروة والضريبة على كبار الفلاحيين؟

إن الحكومة بتوجهها الضريبي هذا “كاتزيد تحك على الدبرة”، وتغامر بكل بيضها في سلة واحدة.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

3 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
ريع الضراءب
المعلق(ة)
21 أكتوبر 2020 08:35

هده الضريبة سيصوت عليها البرلمانيون وما لا يعرفه ااكثير هو أنهم (البرلمانيون) لا تطبق عليهم اي ضريبة لان البرلمانيين السابقين صوتوا بالإجماع على اعفاءهم من جميع الجبايات، و هدا ريع في حد داته.
ادن، بحكم أنهم لا يؤدون اي ضريبة فهم سيصوتون على ما تقترح عليهم الحكومة.
هدا من جهة، و من جهة اخرى، فإنهم يعلمون أنه من دون هده الضريبة الجديدة سيتم اتجاه الملاحظين الىالمطالبة بتخفيظ دخلهم البرلماني الغير المنطقي بالنسبة لبلد فقير.

عبدو
المعلق(ة)
21 أكتوبر 2020 08:02

الشعب في سبات عميق والحكومة مصحصحة ليه مزيان هههههههههههههههههه

محماد
المعلق(ة)
20 أكتوبر 2020 21:09

الطبقة المتوسطة أغلبيتهم كيشدو الرشوة

ماعنداك علاش تخاف

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

3
0
أضف تعليقكx
()
x