2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

مصطفى الغاشي*
بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
مرة أخرى يابئ الموت الا ان يفجعنا ويوجعنا، فقد فقدنا الاستاذ محمد الرامي رئيس الجامعة رحمه الله في الشهر الماضي بسبب تداعيات كورونا، هاهو الموت مرة اخرى يختار اخا وصديقا عزيزا علينا لينقله الئ دار البقاء، الاستاذ ادريس بوهليلة او سي ادريس كما كان الجميع يناديه تعبيرا عن المودة والمحبة. لا زلت لحد الساعة غير مصدق، فالصدمة هي بحجم الفاجعة، لأسرته واهله وابنائه، لي شخصيا ولاساتذة شعبة التاريخ ولاساتذة وإداريي كلية الاداب بتطوان وزملائه وأصدقائه بالجامعات المغربية والجمعية المغربية للبحث التاريخي.
لم يكن سي ادريس استاذا باحثا فقط بل كان انسانا يفيض بالعطاء الانساني مع زملائه وطلابه، كان طيبا ونبيلا فلا يرد طلبا او حاجة سؤال من استاذ او طالب، كان حاضرا ومنخرطا في الكلية وهياكلها، دروسه واجبات يؤديها بلا كلل او ملل وناذرا جدا ما يغيب عن محاضراته لسبب او لاخر، كان رحمه الله، من اكثر الاساتذة تاطيرا لبحوث الطلبة الذين كانوا يتجمعون حوله للتسجيل في البحث بعدما اعياهم البحث عن اساتذة اخرين.
قبل وفاته، باقل من أسبوع اتصلت به للاطمئنان عليه بعدما علمت بمرضه ولزومه البيت، اخبرني وهو يتكلم بصعوبة كبيرة بانه اصيب بنزلة برد حادة، فطالبته باجراء الفحص PCR، في اليوم الموالي اتصل بي وأخبرني بانه اجرئ الفحص وان النتيجة سلبية وبعث الي بنسخة من نتيجة الفحص، بعد يومين من ذلك اعاد سي ادريس الاتصال بي وأخبرني وبصوت متعب انه غير الطبيب حيث طالبه بضرورة اجراء فحص بالسكانير لرئتيه بمستشفى سانية الرمل، وكذلك كان، فكانت النتيجة صادمة، لقد اصيبت راتيه بفيروس كورونا فكان لا بد من ادخاله الى العناية المركزة وإعطائه الاكسيجين. في اليوم الموالي اتصلت به للاطمئنان عليه، كان يبدو في وضع احسن وطمانني بانه يتحسن فطالبني بان اتولئ تدبير نقط بحوث طلبته التي بعث الي بها بعد ان احضر ابنه حاسوبه الخاص. كنت متفائلا ومطمانا لحاله. لكن يوم السبت صباحا تغيرت الامور كليا، فقد اتصلت بي زوجته وصهره يخبراني بان سي ادريس في وضعية حرجة وانه بين الحياة والموت وقد كان قد طلب منهما الاتصال بي اذا ما سائت حالته للمساعدة. اتصلت بالسيد رئيس الجامعة والسيد الكاتب العام والدكتور محمد احلات عميد كلية الطب بطنجة، لكن القدر كان اسرع، فلم تمض الا فترة وجيزة من الوقت فاذا بصهره يخبرني بان سي ادريس في ذمة الله تعالى. كانت صدمة كبيرة، فلم يعد اللسان قادر علئ الكلام، مات سي ادريس ولم يمنحه المرض فرصة، لقد ذهب الئ الابد. مات الاخ سي ادريس والصديق وصديق الجميع.
في اتصال بزوجته بدت مذهولة ومصدومة لكن هذه هي الحقيقة. لقد فقدنا في هذا الرجل النبيل استاذا مقتدرا وباحثا متمكنا من مصادره وادوات اشتغاله، ابحاثه اصيلة تنبع من وثائق ومصادر اصيلة. محقق كتاب الحلل البهية….، صاحب اطروحة ضخمة حول الهجرات الجزائرية الئ تطوان…. وغيرها من المؤلفات والدراسات والمداخلات في الندوات والمؤتمرات الوطنية والدولية. كان سي ادريس امتدادا للمدرسة المغربية في كتابة التاريخ المغربي وحاول نقل ذلك الئ طلابه من خلال محاضراته وتاطيره للبحوث في الاجازة والماستر والدكتوراه. لقد كان رحمه الله كفاءة وطنية في التدريس والبحث بمجهوده الشخصي والفردي، فكان كثير العطاء والانتاج…
لقد فقدت شعبة التاريخ بشكل اساسي وكلية الاداب بشكل عام بفقدان سي ادريس ولد الناس، خيرة اساتذتها واطرها. اشرف علئ تدبير شعبة التاريخ لسنوات فكانت التضحية عنوانه، فرغم المشاكل التي عانت منها الشعبة ظل سي ادريس متمسكا بالتوافق وتمثيل الشعبة في هياكل المؤسسة وخدمتها والدفاع عن مصالحها.. اشرف بنجاح على تنظيم الايام الوطنية للجمعية المغربية للبحث التاريخي بتطوان.. قاد بنجاح امتحانات شعبة التاريخ بمراكز تطوان طنجة العرائش والقصر الكبير وشفشاون ووزان بنجاح غير مسبوق… الخ.
رغم فراقه الموجع، فاني افتخر بهذا الرجل الصادق الوفي الذي جمعتني به اكثر من ربع قرن من العمل، نسجنا خلالها افضل علاقة يمكن ان تكون بين زميلين في العمل، لذلك احببته واحبه الجميع فلم يختلف مع احد. بدون شك سوف نفتقده كثيرا وسوف يترك غيابه اثرا بليغا في شعبة التاريخ والدرس التاريخي بكلية اداب تطوان، وليس من السهل تعويضه وتعويض مكانه. لكنه سيظل بيننا بما تركه من اثار حميدة، وفي ذلك فاليتنافس المتنافسون.
اننا امام هذه الفاجعة التي المت بنا في فقدان سي ادريس، ولد الناس، شهيد الواجب بكلية اداب تطوان، ورغم الالم والحزن والدمع… فاننا لا نعترض على قضاء الله وقدره ولكل اجل كتاب ونسال الله حسن الخاتمة. نعزي اسرته الكبيرة والصغيرة، ونعزي انفسنا، ونعزي زملائه وطلبته ومحبيه في كل المغرب وخارجه واشكر بالمناسبة كل الذين اتصلوا للتعزية في وفاة هذا الصديق العزيز من مختلف الجهات.
رحم الله سي ادريس وغفر له ونسال الله ان يعافيه ويعفو عنه وان يكرم نزله ويوسع مدخله وان يدخله جنة الفردوس وان يرزق اهله وذويه الصبر على فراقه.
رحمك الله يا ولد الناس
انا لله وانا اليه راجعون.
*عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية عبد المالك السعدي بمارتيل
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.
رحمك الله استاذي العزيز