لماذا وإلى أين ؟

كتائب القاسم الانتخابي والديمقراطية الموعودة

تتابع فئة عريضة من الشعب المغربي كيف حصرت الأحزاب السياسية “الكبيرة” في البلاد، كل النقاش المتعلق بالإستحقاقات الإنتخابية المقبلة؛ في نقاش تقني، متعلق بالقاسم الإنتخابي و”الكوطة” وتوزيع “كعكة” المقاعد، بدل الإهتمام بالنقاش الحقيقي المتعلق بالرهانات المستقبلية للبلاد؛ خاصة بعد جائحة كورونا.

فمن يتابع نقاشات الأحزاب السياسية خلال مشاوراتها لتعديل القوانين الإنتخابية، سيظن أن المغاربة يعيشون في نعيم ورفاهية اقتصادية واجتماعية بالرغم من أزمة “كوفيد”، وسيعتقد أن أولوية المغاربة خلال هذه الفترة لا تعدو أن تكون مجرد نقاش تقني حول القاسم الإنتخابي، فما هو هذا الأخير الذي استحوذ فجأة على النقاش العمومي؟

ما هو القاسم الإنتخابي؟

القاسم الإنتخابي أو الحاصل الإنتخابي هو المعدل الذي يحتسب على أساسه توزيع المقاعد في كل دائرة بعد إجراء عملية التصويت، حيث كان المغرب يعتمد احتساب القاسم الإنتخابي على أساس عدد الأصوات الصحيحة، فيما تطالب مجموعة من الأحزاب السياسية اليوم بضرورة تغييره، واحتساب القاسم بناء على أساس عدد المُسجلين في اللوائح الإنتخابية، وبالتالي فالمسجلون في هذه الأخيرة وقاطعوا الإنتخابات سيكون لهم دور في تحديد عدد المقاعد التي سيحصل عليها كل حزب.

المثير في هذا المقترح؛ هو أنه سابقة دولية، لكن بعض أحزابنا السياسية تبتغي من خلفه خلق “الإستثناء المغربي”؛ لكن سلبيا، وتكرس التراجع على مستوى التراكم الديمقراطي في هذا البلد، عوض أن يتم البحث عن سبل تطوير النظام الإنتخابي بما يسمح بالمزيد من الدمقرطة وربط المسؤولية بالمحاسبة، حيث أن من شأن هذا المقترح أن يجعل صوت أحد المواطنين قد يعادل عشرة مرات صوت مواطن آخر، ما يضرب المساواة بين المواطنين كمبدأ دستوري في مقتل، فما مصدر هذا المقترح؟ وما هي مبرراته؟

مصدره ومبرراته:

الحقيقة أن كل مذكرات الأحزاب السياسية في شأن “الإصلاحات” الإنتخابية؛ المنشورة للعموم، لا تتضمن احتساب القاسم الإنتخابي على أساس المسجلين. فيما تحوم الشكوك حول مذكرة تقدم بها حزب الإتحاد الدستوري، لكنها لم تنشر أمام الرأي العام للإطلاع عليها، وبالتالي فهذا المقترح كان “لقيطا”، قبل أن تحتضنه فجأة أغلب الأحزاب، وتدافع عنه باستماتة.

وتدافع أغلب الأحزاب السياسية اليوم، عن مقترح احتساب القاسم الإنتخابي على أساس عدد المسجلين، تحت شعار ظاهره الدفاع على التعددية الحزبية، باطنه اقتسام “الكعكة” بين الأحزاب، بدون أدنى اعتبار للظرفية الراهنية التي تحتاج مؤسسات منتخبة قوية، وليست مشتتة ومشهد سياسي مبلقن، كما أن هذا المقترح يتقاطع مع مسار التراكم الديمقراطي والتنمية المنشودة، كيف ذلك؟

ضد الديمقراطية والتنمية:

إن تنمية المغرب والخروج من أزمة “كوفيد”، يتطلبان تقوية المؤسسات، حتى تصبح “رافعة للتنمية وليس عائقا لها”، كما جاء في خطاب لرئيس الدولة. وقوة المؤسسات هذه لن تكون إلا بمزيد من الدمقرطة وليس بالتراجع عن المكتسبات، فتنمية مغرب اليوم رهين بقوة مؤسساته السياسية، وقوة المؤسسات رهينة بالديمقراطية، التي لا يمكن اختزالها في هيكلة المؤسسات وانتخابات وتعددية حزبية تؤثث البرلمان والحكومة.

فالديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن تفرز لنا برلمانا متشتتا، كما سينتج عن القاسم الإنتخابي على أساس عدد المسجلين، ولا تقوم (الديمقراطية) على انتخابات يحكمها هاجس “تقسيم الكعكة”، وهيكلة مؤسساتية بمنطق “كول واحد يدي حقو”، وإلا فمنطق ديمقراطية الواجهة لا يمكن إلا أن يكون أكبر عائق أمام التنمية. وهذه طبعا نتيجة المقترحات التي قد تبدو في ظاهرها تقنية؛ ولكن بخلفية سياسية، من شأنها التحكم المسبق في إرادة الناخبين وتحويرها بما يتعارض مع أدنى مبادئ العملية الديمقراطية، وهذا ما يخفيه بعض الأمناء العامين للأحزاب عن المغاربة.

الكذب على المغاربة:

يحاول عدد من الأمناء العامين للأحزاب السياسية، في تصريحات وحوارات صحفية مختلفة، تبخيس أهمية القاسم الإنتخابي، والتقليل من شأنه، بقولهم إنه قانون عادي ومسألة تقنية بسيطة؛ ولا يجب اختزال النقاش في فتح حوار حول القاسم الإنتخابي. لكن الحقيقة ليست كذلك، وبعض السياسيين لا يخاطبون المغاربة بلغة الحقيقة، بل يحاولون إخفاء حقائق ليس من مصلحتهم إطلاع المغاربة الناخبين عليها.

أهمية القاسم الإنتخابي وخطورته؛ تكمن في كونه جوابا على سؤال بالغ الأهمية، هل نريد مؤسسات قوية قادرة على تنزيل المشاريع التنموية؟ أم أننا نريد فقط اقتسام “كعكة” مناصب الحكومة ومقاعد البرلمان؟ فالقاسم الإنتخابي قد يبدو مجرد قانون عادي، لكن الخبراء في مجال القانون الدستوري، يعتبرونه وسيلة من وسائل هندسة نتائج الإنتخابات، وبالتالي معاكسة الإرادة الشعبية.

القاسم الإنتخابي والأولويات:

السؤال الحقيقي اليوم، هو “هل نقاش تعديل القاسم الإنتخابي خلال هذه الظرفية التي يعيشها المغرب أولوية ؟” وطبعا لا، فالأولوية ونحن على بعد أشهر قليلة من المحطة الإنتخابية، هي إقناع الناخبين على الإقبال على عملية التصويت، خاصة مع تصاعد الخطاب العدمي وتكرار لازمة “مكاينش مع من”، وكل المؤشرات تظهر عدم اهتمام عدد من المواطنين بالإنتخابات، والهاجس الذي يجب أن يحكمنا جميعا هو “العزوف عن الانتخابات”، الذي سيشكل ضربة لمسلسل الانتقال الديمقراطي في بلادنا.

النقاش الحقيقي؛ الذي كان يجب على الأحزاب السياسية فتحه، هو سبل بناء مؤسسات منتخبة قوية تحظى بشعبية لدى المغاربة، قادرة على تنزيل الأوراش التنموية التي أعلن عنها المغرب، خاصة في ما يتعلق بتنزيل النموذج التنموي الجديد، وورش الجهوية، بالإضافة إلى الحفاظ على الثابت الدستوري الرابع والمتعلق بالاختيار الديمقراطي، من خلال اعتماد نظام انتخابي يساعد على فرز حكومة منسجمة ومعارضة برلمانية قادرة على أن تضطلع بأدوارها الدستورية.

الخلاصة:

لا أحب أن أكون متشائما، لكن النقاش الدائر حول القاسم الإنتخابي والقوانين المنظمة للإنتخابات، يتسبب فعلا في التشاؤم واليأس وعدم الثقة في المؤسسات. والأحزاب السياسية خلال الفترة الأخيرة لم تعد تنشر في نظري إلا الإحساس السلبي، وهذا الإحساس هو الذي يؤدي بالشباب للهجرة والهروب من هذا الوطن بشتى الطرق الممكنة والمستحيلة.

فلا يمكن أن تستغل بعض الأحزاب السياسية القوانين الإنتخابية، التي كان من المفروض أن تضمن التنافسية وتكافؤ الفرص، وتطبيع المسار الديمقراطي في المغرب، لمنع حزب سياسي من الفوز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان. فما تقوم به هذه الأحزاب اليوم، يمكن أن ينقلب ضدها غدا “أليس الصبح بقريب”، خاصة أن الطرف الآخر سيستغل ذلك بخطاب المظلومية، وسيظهر أمام المغاربة كأنه المدافع الأول حول الديمقراطية، والواقع شيء آخر.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

5 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
Sadik
المعلق(ة)
15 نوفمبر 2020 23:16

القاسم الانتخابي حل لمعضلة المقاطعة

عبد الرحيم
المعلق(ة)
4 نوفمبر 2020 13:56

النمط الاقتراع او الانتخابي بالمغرب نمط رجعي ومبلقن يجب حدف لائحة النساء ولائحة الشباب لانها لائحة ريعية ويجب اعتماد النمط الانتخابي كفرنسا او امريكا. او الاقتراح المباشر في دورتين. اما النمط الانتخابي الحالي لا يمكن ان يولد اغلبية مطلقة وخلال تشكيل الحكوم تبقى التحالفات هو الخيار الوحيد وخلال هده التحالفات تولد عصابات المصالح وتصبح الحكومة مشكلة من خليط غير متجانس هدفه المصالح الخاصة

مريمرين
المعلق(ة)
4 نوفمبر 2020 11:07

هنا يظهر جليا أن أحزابنا لا تضع المواطن من أولويات اهتماماتها ، بقدر ما تهمها الكراسي الحكومية وما تزخر به من أجور و تعويضات و امتيازات و تعويضات “نهاية الخدمة” و في الختام تقاعد لا يخطر على بال.
أحزابنا أصبحت دكاكين تفتح أبوابها مرة كل خمس سنوات .
يذكرني هذا “القاسم الانتخابي” الذي تريد الأحزاب تمريره، بالانتخابات السالفة من القرن الماضي ، حين كان الموتى يدلون بأصواتهم …
بأي منطق تعتبرون المقاطع للانتخابات، أنه أدلى بصوته !!؟؟
إنه الطمع هو الذي يجعلكم تخترعون السبل للحصول على نصيبكم من الريع الذي أهلك الوطن و المواطن .
تصبحون على وطن.

محمد أيوب
المعلق(ة)
4 نوفمبر 2020 06:39

الحقيقة المغيبة:
تتمثل هذه الحقيقة المغيبة او التي يراد تغييرها عن قصد في كون بلدنا لا يتوفر على ديموقراطية حقيقية كما هو متعارف عليها عالميا،هذا الغياب الديموقراطية الحقيقية يبدأ من الدستور نفسه،فهو وثيقة ممنوحة تم “إقراره”بنسبة مئوية مخجلة تقارب المئة بالمئة…تذكرنا هذه النسبة بما مضى،ليس ببلدنا فحسب بل ببلدنا كثيرة أخرى…رأيي أننا نحتاج الى دستور ديموقراطي حقيقي يوزع الاختصاصات بشكل متوازن بين مختلف المؤسسات الدستورية..فالمتابع لما يقوله البعض ويصبح به الكثيرون هو أن الحكومة عندنا لا تحكم،بل تنفذ ما تتوصل به من تعليمات وأوامر..وأن البرلمان لا يعدو كونه مكانا لمجموعة من أفراد نخبتنا الحزبية يتمتع فيه أعضاؤه بكثير من الامتيازات وهكذا باقي مؤسساتها المنتخب اعضاؤها أو المعينين..الخلاصة هي أننا لم نتخلص من الريع لحد الآن:سياسيا واقتصاديا…فالريع يستعمل عندنا لاستمالة النخبة وتطويعها حتى تقبل بما يعطى لها من مناصب وكراسي تدر عليها امتيازات تمكنها من مراكمة الثروة والعريس في اطمئنان…والعيب ليس في الاحزاب وحدها،بل فيمن يقف خلف استمرار الريع ويوظفه المعاكسة بناء وترسيخ نظام ديموقراطي حقيقي الذي لا يعدو كونه عندنا ديكور بليد يستفيد منه الانتهازيون وكذا الوصوليون والانبطاحيون والمهرولون الباحثون عن الثروة وليس عن شيء آخر..

مصطفى
المعلق(ة)
4 نوفمبر 2020 01:44

العيب في بنية الاحزاب و صراعاتها الداخلية على الامتيازات التي تمكن الرجل الاول في الحزب رفقة مساعديه من دخوله الجنة قبل وفاته ، هذه البنية المبنية على تقاليد و أعراف خاطئة ، هذه البنية التي ساهمت في ارتفاع نسبة عزوف المغاربة الالتحاق بمكاتب التصويت … بنية اصبحت مرتبطة بدرجة الولاء للمخزن وخاصة وزارة الداخلية بتكتيها جعلتهم يتهافتون و يتسابقون على رضاها ……للاسف لغط القاسم الانتخابي ليس هو المشكل الحقيقي ، فبدونه لدينل شخص صوتوا 1,5 مليون مغربي و مغربية لفائدته أصبح يتحكم في مصير 35 مليون مواطن و مواطنة كان على حزب العدالة و التنمية أن يناقش روح هذا الاختلال من حيث الأرقام أيضا
….و أتسائل أن بعض الاقاليم سيكون القاسم الانتخابي لصالحه …. فرهان هذا الحزب يعتمد بالاساس على ظاهرة العزوف التي تمكنه من الحصول على الرتبة الأولى … يمكن القول أن الاحزاب بالمغرب مهروزة ربما مخصية

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

5
0
أضف تعليقكx
()
x